تَرَكَ الفنان والموسيقي بلال الزين لبنان قبل ثلاثة أعوام، مُغادِراً إلى السويد مع عائلته كي يضمن لأولاده مستقبلا جيداً بعيداً عن لبنان وأزماته.
واليوم أنجز الزين الاستوديو الخاص به حيث يقيم، استعداداً لمرحلة فنية لا يجدها في أفضل أحوالها، ولكنه يصرّ على تفاؤله في ظل ظروف صعبة تَغَيَّرَ فيها كل شيء حتى الفن.
• تعيش مع عائلتك في السويد منذ ثلاث سنوات، فهل ستكمل فنياً فيها؟
- عدتُ إلى العمل الفني أخيراً، لأنني كنت أحتاج إلى بعض الوقت كي أستقرّ في السويد. كان يجب أن أؤسس استوديو أولاً، وهذا الأمر تَطَلَّبَ بعض الوقت إلى أن تمكنتُ قبل فترة وجيزة من تأسيس استوديو خاص بي، وسأقلع مجدداً ولكن وفق النظام الجديد الذي يعتمد بجزء كبير منه على «السوشيال ميديا».
• وكيف ستتعاطى مع الحفلات والألحان التي تتعامل من خلالها مع الفنانين؟
- عندما جئتُ إلى السويد، عانيتُ من مشكلة التواصل مع الآخَرين وهذا أمر طبيعي، ولكن الوضع تَغَيَّرَ اليوم بفضل الإنترنت. حالياً الجار يتواصل مع جاره عبر الإنترنت، وهذا الأمر سيستمرّ لأن الناس اعتادوا على هذه الطريقة في التعامل. كل شيء سيكون أونلاين: الإعلانات، التسوق، الأغنيات، المزاح، النكات، ولن نعود إلى ما كنا عليه قبل «كورونا».
• وهل يمكن أن تتجه نحو تقديم الموسيقى الغربية لاحقاً؟
- كلا. أولاً لأنني لم أنشأ على الموسيقى الغربية ولستُ بارعاً فيها، وليست ملعبي. ثانياً، لأنني مقتنع بأنه لا يمكن لأي فنان أن ينتشر ويصل إلى الناس إلا من خلال موسيقى بلده، والدليل أن الفنانين الجزائريين دخلوا أوروبا بموسيقى بلادهم أي بفضل الراي الجزائرية. وأنا كفنان عربي لن أتمكن من تقديم الجاز كما يقدّمه أهل الجاز، ولن أقدّم الفن الغربي كما يقدّمه نجوم الغرب.
ولا أفهم لماذا يقوم بعض الفنانين العرب بطرْح أعمال غنائية بغير لغتهم العربية، مع أنهم لن يتمكنوا من تحقيق الانتشار والوصول إلى أي مكان. وكلنا نعرف أن الفنانين العرب الذين يغنون بالأجنبية عجزوا عن تحقيق النجومية والنجاح.
أما بالنسبة إلى شاكيرا وغيرها من النجوم من أصول عربية، فهم تمكنوا من الوصول إلى العالمية لأنهم نشأوا وتربوا في الغرب، وتَشَرَّبوا الثقافة الغربية. ربما يتّجه أولادي مستقبلاً إلى تقديم الموسيقى الغربية، لأنهم يعيشون في السويد ويتكلمون لهجة أهلها.
• قرار الهجرة من لبنان هل انطلق من دوافع فنية بحتة أم له أسباب أخرى؟
- لم أترك لبنان لدوافع فنية فحسب، بل لأسباب أخرى كثيرة، بينها تأمين مستقبل أولادي في بلدٍ يعيشون فيه باحترام.
• ألم تقدم أي أعمال خلال وجودك في السويد؟
- في السنة الأولى التي غادرت إلى السويد زرتُ لبنان 12 مرة لأنني كنتُ مرتبطاً بألبومات لملحم زين ووائل كفوري. ولكن اليوم، الفن تراجع كثيراً والإنتاج لم يَعُدْ كما كان عليه في السابق، ولم يَعُدْ بإمكان الفنانين طرح ألبومات جديدة لغياب دعم شركات الإنتاج. والفنان صار يطرح سنغل سنوياً بَدَل طرْح الألبوم.
العمل في الفن تَراجَعَ بنسبة 90 في المئة، لأن مَن كان يسجل ألبوماً مِن 10 أغنيات كان يتعامل مع 10 شعراء و10 ملحنين و10 مهندسي صوت و10 موزّعين، ومع «السنغل» اقتصر الأمر على التعاون مع ملحّن واحد، شاعر واحد وموزّع واحد ومهندس صوت واحد.
إلى ذلك، يجب ألا ننسى التحولات التي تطرأ على الفن بسبب السياسة. مثلاً عندما حصل النزوح العراقي إلى بلاد الشام والخليج بسبب اندلاع الحرب العراقية، فإن هذا الأمر انعكس على الأغنية وأحدث تغييراً فيها، ثم ما لبث أن تَكَرَّرَ الأمر مع النزوح السوري. أنا أقدّم موسيقى كلاسيكية وطربية وهو لون صعب في الأساس واليوم صار أصعب. وينبغي عدم إغفال أن تكلفته أعلى، بينما الموسيقى الجديدة الرائجة حالياً غير مكلفة ولا تحتاج إلى كمنجات ونايات وعود.
• يبدو أنك لستَ متفائلاً فنياً؟
- بل لا يمكنني إلا أن أتفاءل. صحيح أن هناك الكثير من الأغنيات الهابطة، ولكن مَن يطرح عملاً جيداً وجميلاً يرحّب به الناس.
• هل تتحدّث عن الأعمال التي تُطرح عبر «السوشيال ميديا» أو بشكل عام؟
- بل أقصد الأعمال التي تُطرح عبر «السوشيال ميديا». ولكن خارجها الوضع يختلف تماماً، ولا يكفي أن نسمع الأغنية وأن نقول إنها جميلة وجيدة فحسب بل يجب أن نأخذ في الاعتبار كم سيدفع الفنان للإذاعات لقاء بثّها والترويج لها، وكم سيدفع لقاء تصويرها، وكم تبلغ قيمة المبلغ الذي ستأخذه منه محطات التلفزيون لقاء عرض الكليب الخاص بها، وهذا الأمر صعب جداً.
• ألا تفكّر بالعودة إلى لبنان أبداً؟
- كلا بل سأكتفي بزيارته بين فترة وأخرى. أنا سعيد بالعيش في السويد، ومَن لا يعيش هنا لا يعرف نعمة الاحترام والمساواة بين الناس، والأمن والأمان والاستقرار. ويكفي أنني مطمئنّ على أولادي. كنت أتمنى أن تتوافر لي مثل هذه الأمور في لبنان، ولكنني وجدت أن هذا الأمر مستحيل، لأن إصلاح المجتمع يحتاج عشرات السنوات.