أكد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أن «الاجتهاد الديني مفتوح للأبد... ولا توجد مدرسة ثابتة ولا شخص ثابت».
كما شدّد على أن «باب الاجتهاد مفتوح ولن نجعل من البشر آلهة»، معتبراً أن «التطرف في الدين أو الثقافة أو العروبة خطير للغاية».
وتابع ولي العهد في مقابلة تلفزيونية، أن «الشيخ محمد بن عبدالوهاب لو خرج من قبره ووجدنا نؤلهه لعارض هذا الشيء».
كما أكد محمد بن سلمان، أن «المملكة تنظر لإيران بوصفها دولة جارة»، مشيراً إلى أن «الرياض تطمح لتكوين علاقات جيدة معها، لكن المشكلة هي سلوك طهران السلبي سواء عبر برنامجها النووي أو دعم ميليشيات خارجة على القانون».
وتابع «لا نريد أن يكون وضع إيران صعباً، بالعكس، نريد لها أن تنمو وأن يكون لدينا مصالح فيها ولديها مصالح في السعودية لدفع المنطقة والعالم للنمو والازدهار».
وتطرّق محمد بن سلمان، في المقابلة التي أجراها الإعلامي عبدالله المديفر، إلى العلاقة مع الولايات المتحدة ومع إدارة الرئيس جو بايدن، قائلاً «لا يوجد اتفاق بين دولتين بنسبة 100 في المئة، هناك هامش من الاختلافات، وهامش الخلاف مع إدارة بايدن لا يتجاوز 10 في المئة». ورفض ربط سعي المملكة لتنويع علاقاتها الدولية بخلافات مفترضة مع واشنطن، مبرراً هذا المسعى الجديد بقوله «في الخمسينات كانت أميركا تشكّل 50 في المئة من اقتصاد العالم، اليوم تشكّل 20 في المئة، لذلك نعمل على تعزيز شراكتنا مع دول العالم، بما لا يضر أي دولة أخرى».
اقتصادياً، أشار ولي العهد، إلى أنه سيركز عملية صنع السياسات بشكل أكبر لضمان نجاح مساعيه لتنويع الأنشطة الاقتصادية.
وأكد أن «رؤية المملكة 2030 ستحقّق العديد من أهدافها قبل حلول العام 2030»، وقال إنه «سيتم بيع حصص من (أرامكو) لمستثمرين أجانب خلال العام أو العامين المقبلين، والنقاش حالياً لبيع 1 في المئة من (أرامكو) لأحد المستثمرين الأجانب».
كما أعلن أن «زيادة ضريبة القيمة المضافة إلى 15 في المئة قرار موقت من سنة إلى خمس سنوات»، وأن «ارتفاع نسبة الإسكان من 47 إلى 60 في المئة فقط في أربعة أعوام».
مفهوم الاعتدال واسع
وشدّد محمد بن سلمان، في المقابلة، على أن «أي شخص يتبنّى موقفاً متطرفاً هو مُجرم وسيحاسب»، معلناً عن رفضه الشديد لمسألة الغلو في الدين أو في أي أمر كان، مؤكداً أن دستور المملكة هو «القرآن الكريم».
وأضاف: «لا أعتقد أنني في موقع يجعلني أعرف ما هو مفهوم الاعتدال بقدر ما ألتزم بدستور المملكة العربية السعودية الذي هو القرآن والسنة ونظامها الأساسي للحكم وتطبيقه على أكمل وجه بمفهوم واسع يشمل الجميع»، مشيراً إلى أن «الاعتدال كلمة واسعة للغاية، فجميع فقهاء المسلمين والعلماء من أكثر من ألف سنة وهم يجتهدون بما هو مفهوم الاعتدال».
وتابع: «دستورنا هو القرآن وسيستمر للأبد والنظام الأساسي في الحكم ينص على ذلك بشكل واضح للغاية، نحنُ كحكومة أو مجلس الشورى كمشرع أو الملك كمرجع للسلطات الثلاث ملزمون بتطبيق القرآن، لكن في الشأن الاجتماعي والشخصي فقط ملتزمون بتطبيق النصوص المنصوص عليها في القرآن بشكل واضح ما يعني أنه لا يجب أن أطرح عقوبة شرعية من دون نص من القرآن والسنة».
وأضاف محمد بن سلمان «عندما أتكلّم عن نص صريح من السنة فإن معظم المدونين للحديث يصنفون الحديث بناء على البخاري ومسلم وغيره أنه حديث صحيح أو حسن أو ضعيف، لكن في تصنيف آخر هو الأهم الذي هو الحديث المتواتر والآحاد والخبر هو المرجع الرئيسي في استنتاج الأحكام واستنباطها من الناحية الشرعية».
وأشار إلى «التزام الحكومة في الجوانب الشرعية بتطبيق النصوص في القرآن ونصوص الحديث المتواتر وتنظر للحديث الآحاد حسب صحته وضعفه ووضعه، ولا تنظر لأحاديث الخبر بتاتاً إلا إذا كانت تسند عليه رأياً فيه مصلحة واضحة للإنسان، مضيفاً أنه «لا عقوبة على شأن ديني إلّا بنص قرآني واضح وتطبق هذه العقوبة بناء على كيفية تطبيقها في عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم».
باب الاجتهاد مفتوح
وتساءل «متى ما ألزمنا أنفسنا بمدرسة معيّنة أو بعالم معين معناه هو أننا جعلنا من البشر - آلهة - فالله سبحانه وتعالى والرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يضع بينهم وبين الناس حجاب، أنزل القرآن والرسول طبّقه على الأرض والاجتهاد مفتوح للأبد».
وأضاف أن «الشيخ محمد بن عبدالوهاب لو خرج من قبره ووجدنا نلتزم بنصوصه ونغلق عقولنا للاجتهاد ونؤلهه أو نضخمه لعارض هذا الشيء، فلا توجد مدرسة ثابتة ولا يوجد شخص ثابت، القرآن والاجتهاد مستمران فيه، وسنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - الاجتهاد مستمران فيه، وكل الفتاوى تخضع لعامل الزمان والمكان».
وأشار إلى أنه «قبل مئة عام كان أحد المشايخ الأجلاء يفتي بفتوى معينة وهو لا يعرف أن الكرة الأرضية مدورة أو لا، ولا يعرف قارات العالم ولا التقنية وإلى آخره، ففتواه بناء على معطياته ومعلوماته وفهمه للقرآن والسنة لكن هذه تغير في وضعنا الحالي»، مشدداً على أن «مرجعنا النهائي هو القرآن وسنة الرسول».
المملكة مستهدفة من المتطرفين
وأكد ولي العهد السعودي أن «التطرف في الدين أو الثقافة أو العروبة خطير للغاية، والتطرف «في كل شيء غير جائز»، مضيفاً ان «الرسول حدّثَ أن يوماً من الأيام سوف يخرج من يتطرف وإذا خرجوا اقتلوهم، لا تغلوا في دينكم فما أهلك من قبلكم إلا غلوهم في دينهم، فالغلو في أي شيء سواء في الدين أو في ثقافتنا أو عروبتنا أو في أي أمر كان خطيراً للغاية بنص الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومن تجارب دنيوية ومن التاريخ الذي تقرأه مؤكداً أنه ما من شك أن المملكة كانت هدفاً رئيساً للمشاريع المتطرفة والإرهابية في أنحاء العالم».
وقال محمد بن سلمان، إن من يريد نشر فكره المتطرف في العالم كله خصوصاً بين المسلمين، سيبداً في الدولة التي فيها قِبلة المسلمين... «كل فكر متطرف عندما يريد أن يبدأ بلا شك سيستهدف المملكة».
وتحدث ولي العهد حول قضية التطرف التي عانت السعودية من وطأتها بشكل جلي، موضحاً «كنا في مرحلة صعبة جداً لنقول من الخمسينات إلى السبعينات المشروع العربي والاشتراكية والشيوعية وغيرها من مشاريع في المنطقة التي أعطت فرصة لكثير من الجماعات المتطرفة أن تدخل بشكل أو بآخر المملكة وتصل إلى مواقع مختلفة سواء في الدولة أو الاقتصاد وآخره، نتج عنها عواقب لا تحمد عقباها، ورأينا أثرها في السنوات الماضية، اليوم لا نستطيع أن ننمو ونجذب رؤوس الأموال ولا أن نتقدم بوجود فكر متطرف في السعودية، إذا تريد ملايين الوظائف وخفض معدل البطالة ونمو اقتصادي ملحوظ يجب أن تستأصل هذا المشروع لمصلحة دنيوية، ناهيك عن مصلحة أن هؤلاء لا يجب أن يمثلون ديننا الحنيف ومبادئنا السمحة بشكل أو بآخر».
وأكد أن «المملكة لن تقبل بالتدخل في شؤونها الداخلية»، مشيراً إلى أنه «لا مكان للفكر المتطرف في المملكة».
سلوك إيران السلبي
إيرانياً، أضاف الأمير محمد في المقابلة التلفزيونية التي بثت، ليل الثلاثاء، «لا نريد أن يكون وضع إيران صعباً، بالعكس، نريد لإيران أن تنمو وأن يكون لدينا مصالح فيها ولديها مصالح في السعودية لدفع المنطقة والعالم للنمو والازدهار».
وتابع: «إشكاليتنا هي في التصرفات السلبية التي تقوم بها إيران سواء من برنامجها النووي أو دعمها لميليشيات خارجة على القانون في بعض دول المنطقة أو برنامج صواريخها البالستية».
كما أكد أن السعودية «تعمل مع شركائها في المنطقة والعالم لإيجاد حلول لإشكالياتها مع إيران».
انقلاب الحوثي على الشرعية
وشدد محمد بن سلمان، على أنه «لا يمكن للسعودية القبول بوجود ميليشيات مسلحة على حدودها تهدد أمنها»، مجدداً دعوة الحوثيين للجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وقال إن «الحوثي له علاقة قوية بالنظام الإيراني»، مضيفاً «انقلاب الحوثي على الشرعية في اليمن أمر غير قانوني».
وأضاف: «لا شك أن الحوثي له علاقة قوية بالنظام الإيراني لكن أيضا الحوثي في الأخير يمني ولديه نزعة العروبية واليمنية التي أتمنى أن تحيا فيه بشكل أكبر ليراعي مصالحه ومصالح وطنه قبل أي شيء آخر».
وأعرب ولي العهد، عن الأمل في أن «يجلس الحوثيون على طاولة المفاوضات للتوصل إلى حلول تكفل حقوق جميع اليمنيين وتضمن مصالح دول المنطقة».
وأكد أن «السعودية لا تقبل وجود تنظيم مسلح خارج على القانون وعلى حدودها»، مشدداً على ضرورة أن يقبل الحوثيون وقف إطلاق النار والجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وتابع: «العرض المقدم من السعودية هو وقف إطلاق النار والدعم الاقتصادي وكل ما يريدونه مقابل وقف إطلاق النار من قبل الحوثي والجلوس على طاولة المفاوضات».
العلاقات مع واشنطن
وتطرّق محمد بن سلمان، إلى العلاقة مع «الشريك الاستراتيجي» الولايات المتحدة ومع إدارة الرئيس جو بايدن، قائلاً «لا يوجد اتفاق بين دولتين بنسبة 100 في المئة، هناك هامش من الاختلافات، هذا الهامش يختلف من إدارة أميركية إلى أخرى، هامش الخلاف مع إدارة بايدن لا يتجاوز 10 في المئة، ونعمل على التوافق حوله، في حين أننا نتفق على أكثر من 90 في المئة من الملفات، وآخر هذه التوافقات كان انضمامنا إلى المجموعة البيئية الجديدة».
ورفض ولي العهد ربط سعي المملكة لتنويع علاقاتها الدولية بخلافات مفترضة مع واشنطن، مبرراً هذا المسعى الجديد بقوله «في الخمسينات كانت أميركا تشكل 50 في المئة من اقتصاد العالم، اليوم تشكل 20 في المئة، لذلك نعمل على تعزيز شراكتنا مع دول العالم، بما لا يضر أي دولة أخرى».
وأكد ان «السعودية لن تقبل أي شكل من أشكال الضغوط، إشكالية العالم التي صنعت الحربين العالميتين الأولى والثانية هي الضغوطات والتدخل في الدول، وأتى ميثاق الأمم المتحدة ليحل هذه المشكلة بحماية سيادة الدول، فمن يتجاوز هذا فهو يطعن في الميثاق الذي حفظ السلم الدولي».
رؤية المملكة 2030
وتطرق ولي العهد إلى الجانب الاقتصادي، مشيراً إلى أنه سيركز عملية صنع السياسات بشكل أكبر لضمان نجاح مساعيه لتنويع الأنشطة الاقتصادية.
وأضاف أن المملكة «أسست مكتباً للموازنة لتولي مهمة وضع ميزانية الدولة بدلاً من وزارة المالية، وستطلق في نهاية العام مكتباً جديداً للسياسات».
وأكد أن «رؤية المملكة 2030 ستحقق العديد من أهدافها قبل حلول العام 2030»، مستعرضاً منجزات الرؤية في تنويع مصادر دخل المملكة من غير الثروة النفطية، مؤكداً «أنه سيكون لدينا رؤية 2040 والتي ستكون مرحلة المنافسة على مستوى عالمي، بعد تحقيق أهداف رؤية 2030».
لا ضرائب
ونفى محمد بن سلمان، وجود أي توجه لفرض ضرائب على الدخل، مضيفاً «لن يكون هناك ضرائب على الدخل بتاتا في السعودية»، مؤكداً أن «الحد الأقصى لفرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 15 في المئة لمدة 5 سنوات، وهو قرار موقت... والحد الأدنى له سنة واحدة».
ولفت الى أن «النفط خدم السعودية والمملكة دولة قائمة قبل النفط»، مشيراً إلى أن «اقتصاد السعودية يعتمد على النفط وهذا القطاع يواجه تحديات».
وشدد على أن «هناك فرصاً ضخمة في السعودية خارج القطاع النفطي»، موضحاً «نريد الاستفادة من كل شيء في السعودية بما في ذلك النفط».
«أرامكو»
ولفت بن سلمان إلى أن شركة «أرامكو» لديها فرصة لأن تكون من أكبر الشركات الصناعية عالمياً، لافتاً إلى أن السعودية تخطط لبيع حصص جديدة منها لمستثمرين أجانب خلال العام أو العامين المقبلين، وتجري حاليا مناقشات في شأن بيع 1 في المئة من أسهم «أرامكو» لأحد المستثمرين الأجانب.
ورأى أن «هناك خطورة في أن يكون اقتصاد المملكة معتمداً على النفط، خصوصاً في ظل التغيرات الحادثة في النفط، خلال الـ40 عاماً المقبلة من تحديات، من بينها قلة استخدامه مع انخفاض سعره، وتقليل الاعتماد عليه»، لافتاً إلى أن هذا الاعتماد سيؤدي إلى خلل وتبعات اقتصادية ومالية على مستوى الفرد والدولة وأمور غير محمودة.
وأشار إلى أن هناك فرصاً كثيرة في المملكة للسياحة والتعدين واللوجيستيات.
واعتبر أن العام 2019 شهد تحقيق معظم الأهداف، و«سنرى ارتداداً قوياً في الأداء الاقتصادي في العام الجاري»، مضيفاً «نريد تحقيق الفرص في أسرع وقت ممكن، ونقترب من تحقيق عدد من أهداف الرؤية قبل 2030، وقد حدثت خطوات حيوية في المملكة منذ العام 2015 من خلال إعادة هيكلة وزارات وتأسيس مجالس جديدة، ونحن الآن على وشك الانتهاء من تأسيس مكتب السياسات في الدولة».
وتابع: «هناك إنجازات كثيرة جداً تحققت في السنوات الخمس الماضية، ومنها حل أزمة الإسكان التي تمتد منذ 20 سنة ولم يتم حلها وكان المواطن ينتظر من أجل الحصول على الدعم السكني 15 عاما، ولم تزد نسب الإسكان عن 50 في المئة، وقبل رؤية المملكة كانت فقط 47 في المئة، وتم رصد لحل هذه المشكلة في عهد الملك عبدالله 250 ملياراً سعودياً في العام 2011، ولم يتم صرف سوى ملياري ريال في عام 2015 ولم تتمكن وزارة الإسكان من تحويل هذه المبالغ إلى مشاريع على الأرض، لأن مركز الدولة ضعيف للغاية والوزارات جزر متفرقة، ولا توجد سياسة عامة، وكل هذا تسبب في عدم نجاح وزير الإسكان في ظل عدم التنسيق مع البلديات والبنك المركزي والمالية والمسؤولين عن التشريعات القانونية، وتم إرجاع 250 مليار ريال إلى الخزينة، وصرفت ميزانية سنوية، لكن نتاج ذلك هو أن نسبة الإسكان ارتفعت من 47 في المئة إلى 60 في المئة خلال 4 سنوات وهذا مؤشر على اتجاه الدولة».
ورأى أن «السياسات اليوم تترجم من خلال اللجان ولكن مستقبلاً من خلال مكتب متخصص سينشأ آخر هذه السنة وتحول إلى أوامر للوزارات بتنفيذ الإستراتيجية المعدة بدور ومستهدف واضح لكل وزارة بتنسيق وتوزيع مهام لكل الوزارات لتحقيق كل هدف مطلوب».
وأشار الأمير محمد إلى أن مركز الدولة قبل تولي خادم الحرمين الملك سلمان الحكم كان ضعيفاً وكانت الوزارات متفرقة من دون أن تكون هناك سياسة عامة.
واعتبر أن «من دون مركز دولة قوي يضع سياسات واستراتيجيات ويوائمها بين الجهات ويعطي لكل وزارة دوراً مطلوباً منها لتنفيذه لا يتحقق شيء».