أثبت تعاطي واشنطن الطويل إزاء البرنامج النووي لكوريا أنه حقاً إحدى المعضلات الكبرى لها، والعصيّة عن الحل.
وتفاقمت هذه المعضلة بشكل أكثر حدة في وجود زعيم كوريا الشمالية الحالي كيم جونغ أون، الذي جعل امتلاك السلاح النووي بل والاعتراف بكوريا كدولة نووية خياراً إستراتيجياً أساسياً لا مساس به.
وهذا ما شدّد عليه حرفياً خلال ترؤسه لمؤتمر حزب العمال الكوري، الذي انعقد في يناير المنصرم بقوله إن الاعتراف بكوريا كدولة نووية، هو بمثابة هدفنا الإستراتيجي الأول.
طوّر كيم من منظومة ترسانته النووية والصاروخية خلال الأعوام القليلة الماضية، بدرجة عالية جداً، والتي شملت صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية إلى قلب الولايات المتحدة.
أسلاف بايدن وتحديداً أوباما وترامب اللذان أوليا أهمية خاصة لهدف تفكيك البرنامج النووي لكوريا عبر استراتيجيات وتكتيكات مختلفة، لم يفلحا في هدفهما ذاك.
إدارة بايدن بالفعل في أزمة حقيقية حيال البرنامج النووي لكوريا الشمالية بناءً على المعطيات السابقة.
وأساس الأزمة هو تيقّنها أن تخلي كوريا الشمالية عن برنامجها النووي أمر صعب المنال جداً، وذلك بناء على صلابة كوريا ودعم الصين القوي لها في مواجهة عقوبات وضغوطات واشنطن السابقة.
يخطئ من يتصوّر أن حل أزمة البرنامج النووي لكوريا أو إجبارها على تفكيك ترسانتها النووية، سيأتي عبر التصعيد العسكري كما تصوّر ترامب في سياق ما أطلق عليه نهج «حافة الهاوية».
ففي ظلّ نظام متهوّر جداً كنظام كيم جونغ أون، ليس من المستبعد أن يحرق شبه الجزيرة الكورية تماماً حيال أي تهديدات أميركية عسكرية.
إدارة بايدن أيضاً في ما يبدو أنها ليست من أنصار الخيارات العسكرية على الإطلاق، بل من خيارات تشكيل التحالفات والضغط التدريجي الشامل الديبلوماسي والاقتصادي.
خلال مؤتمر صحافي لبايدن في مارس، تطرّق إلى أزمة البرنامج النووي قائلاً في ما معناه إن الديبلوماسية قد تكون أفضل السبل لحل أزمة البرنامج النووي، وتحديداً إقناع كوريا بالتخلي تماماً عن برنامجها النووي.
وعليه، يمكن أن تصوّر أن إدارة بايدن قد شكّلت قناعة بأن الخيار الديبلوماسي - والذي ينطوي على سياسة النفس الطويل - طويلة الأمد عبر سبل متعدّدة من ضغط اقتصادي وتحفيز في الوقت ذاته، مع تشكيل تحالف ضاغط على كوريا في آسيا، للضغط عليها وتحفيزها في الوقت نفسه أو إقناعها بالعودة إلى مفاوضات حل أزمة البرنامج النووي.
وفي ما يبدو أن سياسة النفس الطويل قد يستبعد منها خيار إجبار كوريا السريع عن التخلي عن برنامجها النووي، بل الحيلولة - على المدى المنظور - دون تطوير إضافي لترسانتها النووية والصاروخية والكفّ عن سياسة الاستفزاز والتصعيد، أملاً في تخلٍ طوعي من كوريا عن برنامجها النووي في المستقبل البعيد، بعد تشكيل بيئة أمنية مشجعة لكوريا وتقديم حوافز اقتصادية وأمنية مرضية لها.
وإن كان تخلّي كوريا تماماً مع نظام (إيل سونغ) عن برنامجها النووي أمراً صعباً جداً، بالنظر لما يشكله البرنامج من عنصر قوة ضاغطة جداً، لبقاء حكم العائلة في كوريا وردع أي تهديدات من أعدائها التاريخيين اليابان وكوريا الجنوبية وواشنطن.
أخيراً ضمان نجاح سياسة النفس الطويل، أو ما يمكن تسميته النهج المتدرج، يتطلّب تعاوناً وثيقاً مع حليف كوريا التاريخي (الصين) القادر على إجبار كوريا وإقناعها - في حدود معينة وليس بشكل مطلق- على تبني الخيار الديبلوماسي، وعلى الأقل إيقاف تطوير ترسانتها النووية والكف عن مغامراتها النووية في شبه الجزيرة الكورية.
وتعاون صيني - أميركي في الوقت الراهن، في شأن كوريا، يبدو أنه سيكون من الأمور غير التوافقية في خضم اشتداد الصراع المبكر في آسيا.
وجميع الرهانات قائمة، لكن تبقى حقيقة واحدة أن نجاح واشنطن في إقناع أو إجبار كوريا على تخلّيها عن برنامجها النووي أمر يكاد يكون شبه مستحيل ويحتاج ربما إلى عقود من الزمن.