لم تهدأ في بيروت تفاعلات قرار المملكة العربية السعودية بحظر دخول المنتجات الزراعية القادمة من لبنان بعد إحباط عملية تهريب كمية كبيرة من المخدرات، ولا سيما أن «بلاد الأرز» تمر بأسوأ الأزمات في ظل انهيار مالي - اقتصادي متدحْرج، وسط مخاوف من أن يكون القرار مقدمةً لإجراءات مماثلة قد تقدم عليها دول عربية أخرى، فيصبح كـ «كرة الثلج» التي لن يعود ممكناً وقف مفاعيلها.

كيف تنظر القوى السياسية اللبنانية إلى ما حصل؟ وإلى مَن توجه أصابع الاتهام بتوريط لبنان بما لا تحمد عقباه؟

عضو تكتل «الجمهورية القوية» (القوات اللبنانية) العميد الركن المتقاعد وهبة قاطيشا رأى في حديث مع «الراي» أن «الاخوة السعوديين والكويتيين وجميع العرب يعتبرون لبنان الأخ المدلل، ووصولهم إلى هذه الدرجة من الطلاق معنا يعني أن الحقّ لا يقع عليهم بل علينا، كوننا لم نستطع أن نبني دولة وأن نحمي ساحتنا، والأذية عندما تأتي من الأخ المدلَّل الذي دائماً يرعونه ستؤدي إلى رد فعل قاسٍ وصعب، ولذلك كان رد فعل المملكة قاسياً على اللبنانيين وخصوصاً الفئة المحرومة منهم وهم المزارعون، لكن لا يمكن لوم السعودية فالحق يقع علينا، أرضنا أصبحت سائبة، بلدنا مشلّع، دولتنا لم تعد موجودة».

وعمن يقف خلف تجارة المخدرات في لبنان أجاب: «مَن يسيطر على الساحة اللبنانية ويلغي وجود الدولة، وهو تحالف التيار الوطني الحر وحزب الله ومعهما النظام السوري، وبالطبع إيران موجودة بواسطة حزب الله. ويمكن أن بينهم مَن هو غير مسؤول عن تجارة المخدرات، اذ لا أعتقد أن التيار الحر متورّط بذلك، إلا أنه يغطّي عدم وجود الدولة وعمل حزب الله والنظام السوري. فعندما تصل الفواكه من سورية وتُصدَّر عبر لبنان يعني أن الأخير لم يعد موجوداً كدولة. ومَن يتحكم بالساحة هم المهرّبون وسلطات الأمر الواقع الموجودة على الحدود وفي المرفأ وغيرهما. ففي ظل الحصار على سورية تعتبر الأخيرة أن لبنان ساحة مستباحة».

من جهته اعتبر عضو كتلة «اللقاء الديموقراطي» (يترأسها النائب تيمور وليد جنبلاط) النائب بلال عبد الله عبر «الراي» أن الاجراء السعودي «منطقي، وهو مرتبط بحماية الأمن الداخلي السعودي وعلينا احترامه، وفي ذات الوقت نناشد المملكة وقيادتها أن تأخذ في الاعتبار الضائقة الاقتصادية والمشكلة الاجتماعية التي يعانيها لبنان، وخصوصاً المزارعون. وفي الوقت نفسه، المطلوب من السلطات اللبنانية السياسية والأمنية اتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة عدم تكرار هذه المخالفات التي تخل بعلاقات لبنان ليس فقط مع الخليج بل مع كل دول العالم، فلا يمكن أن يكون لبنان مصدّراً لهذا نوع من التجارة وللأسف ليست المرة الأولى».

وعمن يقف خلف تهريب المخدرات أجاب عبد الله:«لن أتهم أحداً، كون ليس لديّ دليل، إلا أن السلطة السياسية مسؤولة، وفلتان الحدود يتحمل المسؤولية الكبرى. فنتائج هذا الفلتان كبرى، من تهريب السلعة المدعومة والمحروقات إلى سورية إلى المخدرات»، وأضاف: «لا يمكن الاستمرار بحدود فالتة شمالاً وشرقاً بكل المعايير. ندفع أثماناً اقتصادية والآن سياسية كبيرة بسبب هذا الملف، فإذا كان المطلوب تحويل لبنان اقتصادياً إلى فنزويلا وفيما يتعلق بموضوع المخدرات إلى كولومبيا الشرق، فلنناقش الموضوع مع المعنيين، فلا أحد يخبرنا أن تهريب كميات كبيرة من المخدرات عمل فردي، فهو عمل منظَّم، من مافيات كبيرة لديها تغطية إما سياسية أو أمنية، ولها شركاء في دول»، ومناشداً المملكة أن لا «يطول قرارها لأن لبنان يختنق».

وقال النائب في تكتل «لبنان القوي» (المؤيّد لرئيس الجمهورية ويترأسه النائب جبران باسيل) ادي معلوف لـ «الراي»: «بالطبع لا أحد مسرورٌ من هكذا قرار، كونه يؤثّر على الموضوع الزراعي، وإلى الآن نتابع كيف دَخَلَ الرمان إلى لبنان وخرج منه فالأمر ليس واضحاً»، وأضاف: «القرارُ السعودي يدفّع الشعب اللبناني والمزارعين ثمنَ أمرٍ يحصل في كل البلدان، فقد سبق أن أُحبطت عمليات تهريب كبيرة من المخدرات قادمة من الإمارات إلى السعودية ومن تركيا الى المملكة، ونرى كيف توجد تجارة مخدرات بين أميركا والمكسيك وغيرها من الدول، وبدل أن يدفع ما حصل البلدين إلى زيادة التعاون لمكافحته، يتم منع دخول البضائع اللبنانية».

ولفت إلى أنه «يشار إلى أن البضائع التي هُرّبت إلى المملكة وصلت قبل إلى لبنان، واذا تم منْع التصدير من لبنان سيتم التوجه بالبضائع من بلد آخَر. فرغم الجهود التي تبذلها أميركا على سبيل المثال لمنع عمليات تهريب المخدرات لا تزال تواجه مشاكل مع كولومبيا والمكسيك وغيرهما، كما أن أوروبا تدخلها مخدرات، لذلك التعاون بين الدول هو المطلوب».

وعما إذا كان يرى وجود تقصير من الجهات الأمنية اللبنانية أجاب «كلا، كل فترة تدهم هذه الجهات وتصادر المخدرات، لكن هناك مناطق يصعب مراقبتها كما يحصل في بقية الدول، من هنا ضرورة التعاون بين الأجهزة الأمنية ولا سيما الجمارك اللبنانية والسورية والأردنية وغيرها».

أما نائب رئيس «تيار المستقبل» (يقوده الرئيس سعد الحريري) مصطفى علوش فقال لـ «الراي:»من المؤكد أن المملكة تمارس حقها في الدفاع عن مجتمعها، ومن واجب السلطات اللبنانية أن تمنع التهريب من أراضيها حرصاً على المصلحة الوطنية والاقتصاد اللبناني، ففي الوقت الذي يناضل لبنان للحفاظ على بعض الدخل لتأمين الواقع المزري الذي يعيشه البلد، على الدولة واجب منع هذه الشبكة التي لا يبدو أنها محدودة بل متواصلة مع شبكات سياسية وأمنية وميليشيوية".

وعما إذا كان يخشى أن يمتد القرار إلى دول عربية أخرى أجاب «نعم، إلى الآن 3 دول خليجية أيّدت القرار السعودي، التأييد لا يعني بالضرورة أن تتماثل، لكن على الأقل من الناحية النظرية تأييد هذا القرار قد يؤدي إلى مضاعفة الضرر».

وعمن يتّهم بالوقوف خلف عمليات التهريب قال علوش: «أولاً لا بد من التأكيد أن هناك مجموعة ميليشيوية في لبنان تمارس هذا النوع من الأمور، وقد اتُهمت وأصبحت مشهورة على المستوى الدولي، فعلى مستوى أميركا اللاتينية تمارس هذا النوع من الأمور، وهناك أيضاً منظّرون يتحدّثون عن أن التهريب من أجل المقاومة وحماية الممانعة ليس خطأ. في المقابل هناك معامل للكبتاغون يرعاها حزب الله في المناطق التي احتلها داخل سورية، واذا لم تتمكن الدولة اللبنانية أو رفضت القيام بما يلزم، أتهم مباشرة سلطة الأمر الواقع، حزب الله في هذه القضية».