نتكلّم ونتغنّى بالحرية، لكن ما معنى أن تكون حراً؟ تتعدد معاني الحرية وتختلف باختلاف آراء الفلاسفة والمذاهب والنظريات والمناهج الفلسفية ولكن أهمها أن الحرية إحساس ذاتي عميق يدركه كل منا داخلياً ووجدانياً، أي أن الشعور بالحرية بمثابة وعي مباشر بأننا نستطيع «الاختيار».
الحرية... تنبع من توافّر مساحة الاختيار بين هذا وذاك.
أي أنني لست مجبراً على فعل أو قول.
بما أنني أملك أن أفعل/ أقول غيره... أو لا أفعل شيئاً على الإطلاق.
الاختيار... هذه الكلمة السحرية الرحبة الواسعة والشاسعة كبحر.
كفضاء. كسماء؛ هي التي تحدّد جوهر معنى الحرية.
التي هي ضد القسر والاضطرار والإجبار.
ثم مع الحرية يأتي الاستقلال وعدم الاتكال على الآخر.
الاستقلال يمنح الثقة بالنفس والاعتماد على الذات، وكذلك الاجتهاد والإبداع والابتكار وإثبات الذات والتميّز.
فكل إبداع ينمو من الحرية.
وكل فشل وكسل وتكرار ينبع من العبودية والخضوع والاجبار.
مجرد أن تفكر انك مجبر على أمر ما يتبعه انك ضعيف ومقيد وصغير ومهمش.
والعكس صحيح.
يقول ديكارت: إننا نعرف حريتنا من دون برهان أو دليل وذلك في (الإرادة وعدم الإرادة، وفي الاختيار بين الإمكانات المختلفة).
فقد كان الإنسان الحر في اليونان عضواً كاملاً متميزاً عن العبيد والغرباء، يعيش مستقلاً عن كل سيادة ويتمتّع بحرية فعلية معنوية ومادية تحدد وجوده الاجتماعي والعقلي والسياسي.
تكلّم أفلاطون في كتاب «الجمهورية» عن قوة الاختيار وعلاقته بالمعرفة والمسؤولية.
أما أرسطو، فحدد الفضيلة المؤدية للسعادة كاختيار للعقل والإرادة معاً.
واشترط المسؤولية الأخلاقية للحرية الفردية.
فلا تكون الحرية ضرباً من العبث أو الفساد.
نقطة
حتى نبدأ بفهم الوجود واسئلته والإنسان وكل اضطرابات/ تحولات تحدث حولنا، علينا تقبّل/ نسيان أو إعادة «عدم تعلم» كل ما تلقيناه في المدارس والجامعات.
وإعادة القراءة والتعلم والفهم مجدداً بصورة منفتحة مغايرة بلا قيود فكرية، بعيداً عن أبواق إعلام ممنهج مرتّب لتجهيلنا وجعلنا نمثّل القطيع المطيع، بعيداً عن سياسيين ومسؤولين امتهنوا الكذب والغش والتلون
وبعيداً عن مجتمع يحاول سلبنا هويتنا وجعلنا مُبرمجين على الخضوع نصنع أصناماً من التمر ثم نأكلها ونصنع غيرها.
بعيداً عن عادات وتقاليد بالية لم تحترم عقولنا وذواتنا ونفوسنا، التي تتوق إلى الاحتواء والفهم والاحترام والحرية.