في طريق عودته إلى بلاده، حمل الوفد الأميركي المشارك في مفاوضات فيينا النووية غير المباشرة مع إيران انطباعات «شديدة الإيجابية»، حسب مصادر الإدارة الأميركية.
لكن المصادر نفسها شككت في الإفراط بالإيجابية نظراً لأن رئيس الوفد، مسؤول الملف الإيراني روبرت مالي، معروف باستماتته، لا لعودة الولايات المتحدة للاتفاقية النووية بأي ثمن فحسب، بل لتوسيع الاتفاقية لتشمل إعادة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين.
مع ذلك، قالت المصادر إن الإيرانيين أبدوا مرونة غير مسبوقة، وهو ما حمل الأميركيين على إبداء مرونة مشابهة. وبلغت المرونة والإيجابية ذروتها مع إطلاق مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان تصريحا ذكر فيه أن «الولايات المتحدة لن ترفع العقوبات ما لم يكن لدينا الوضوح والثقة بأن إيران ستعود بالكامل إلى الامتثال لالتزاماتها بموجب الاتفاق».
واعتبر المراقبون أن سوليفان قدم ضمنياً تنازلا لطهران مفاده بأن واشنطن مستعدة لرفع العقوبات قبل عودة إيران لالتزام بنود الاتفاقية النووية.
وسبق للرئيس جو بايدن وأركان إدارته أن كرروا أن أميركا لن تعود للاتفاقية، التي كان انسحب منها الرئيس السابق دونالد ترامب في مايو 2018، قبل أن تعود طهران إلى التزاماتها، وهو ما يعني أن تصريح سوليفان، لناحية تعليق العقوبات، هو بمثابة تراجع أميركي عن الإصرار على العودة بعد إيران، وتراجع أميركي بمجرد أن تتكون لدى واشنطن «ثقة» بأن طهران ستعود للاتفاقية بعد تعليق العقوبات.
ومن الرسائل الإيجابية التي كان سبق لسوليفان أن أرسلها، أن واشنطن مستعدة لرفع العقوبات غير النووية التي فرضها ترامب، والتي شملت نحو 1500 كياناً من الأفراد و المؤسسات، بما في ذلك «الحرس الثوري» الإيراني، الذي وضعته إدارة ترامب على لائحة وزارة الخارجية للتنظيمات الإرهابية.
ومنذ تسلمه منصبه في إدارة بايدن، دأب مالي على تكرار أن «سياسة العقوبات القصوى»، التي انتهجها ترامب، «أثبتت فشلها»، وأن إدارة بايدن مستعدة للتخلي عنها، ما يعني أن أميركا لن تتراجع عن العقوبات النووية لإعادة إحياء الاتفاقية فحسب، بل قد تعود عن كل قرارات ترامب حول إيران.
ولا يشارك كل العاملون في إدارة بايدن استماتة مالي ولا تراجع سوليفان.
ويقول عدد من المسؤولين - شرط عدم ذكر أسمائهم - أن «الفريق المولج التعامل مع الملف الإيراني يرتكب الأخطاء الماضية نفسها، وفي مقدمها التراجع عن وعد التنسيق مع الحلفاء قبل اتخاذ أي خطوات».
ويعتقد الخبراء الأميركيون المتخصصون بالشأن الإيراني، أن طهران في عجلة من أمرها للعودة للاتفاقية النووية ورفع العقوبات قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في 18 يونيو.
ويقول الخبراء أن لا أهمية للانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة من حيث آلية اتخاذ القرار، إذ إن الكلمة العليا ستبقى في أيدي المرشد الأعلى علي خامنئي.
لكن أهمية الانتخابات، حسب الخبراء، تكمن في أن خامنئي يراها بمثابة «حجر الزاوية في عملية خلافته».
ورصدت واشنطن والعواصم الغربية أن مرشح خامنئي والحرس الثوري، هو رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي، وهو من المحافظين.
وسبق لرئيس تحرير «كيهان» حسين شريعتمداري، وهو من المقرّبين من خامنئي، أن هاجم كل المرشحين للرئاسة باستثناء رئيسي، الذي لم يعلن ترشحه بعد.
وفي لقاء عبر الإنترنت تحدث شريعتمداري عن ترشيح ثلاثة، هم رئيسي، وسعيد محمد، مستشار القائد العام للحرس الثوري، وحسن الخميني، حفيد آيه الله الخميني.
وقال إنه «في ما يتعلق بترشيح السيد رئيسي، هناك مجموعتان من الناس في إيران، وكلاهما يدعم رئيسي».
وأضاف أن «إحدى المجموعتان تدعم ترشحه لأنه نقطة إجماع بين المحافظين، فيما تخشى المجموعة الثانية أن يؤدي انتخابه للرئاسة لتركه السلطة القضائية التي يحارب من خلالها الفساد المالي بكفاءة».
وأشار الصحافي الإيراني إلى أنه في 2017، فاز رئيسي بأكثر من 16 مليون صوت خلال 40 يوماً فقط من الحملة الانتخابية.
وختم أن المرشحين يجب أن يدركوا محدودية سلطة الرئاسة وألّا يشتكون منذ ذلك بعد انتخابهم.
وفي حال نجاح رئيسي في الانتخابات الرئاسية المقبلة، قد يصبح في موقع ممتاز لخلافة خامنئي، البالغ من العمر 82 عاماً... لاحقاً.
وإذا ما صحت التوقعات بأن خامنئي يعدّ رئيسي لخلافته، قد تصبح مفهومة الانفراجات الإيجابية المفاجئة في مفاوضات فيينا، إذ أن إنهاء الخلافات ورفع العقوبات قبل «رئاسة رئيسي المحتملة» تسمح له بالإفادة من ثمار النمو الاقتصادي الذي سيلي رفع العقوبات، ويحرر الرئيس الإيراني الجديد من تعقيدات المفاوضات النووية مع المجتمع الدولي.
وفي نفس سياق تذليل العقبات وتقليص الخلافات استباقا لوصول رئيسي للرئاسة، أشارت التقارير في العاصمة الأميركية إلى قنوات بدأت إيران بفتحها مع خصومها في منطقة الشرق الأوسط، بهدف تخفيف الاحتقان وتحقيق انفراجات يمكنها كذلك تسهيل عملية الخلافة المحتملة لخامنئي.
وفي حال صدقت توقعات خبراء إيران في واشنطن، تكون عملية تصعيد إيران، ثم عودتها للاتفاقية النووية، بمثابة مناورة قام بها المرشد، لأهداف سياسية شعبوية، لتصوير أنه وبلاده نجحا في تحدي الولايات المتحدة والتفوق عليها.
وكان خامنئي وإيران امتنعا عن أي تصعيد يذكر في زمن ترامب، الذي انتهج سياسة قاسية تضمنت اغتيال الجنرال قاسم سليماني. واقتصر تصعيدها على رفع تخصيب اليورانيوم إلى نسب لم تتعد الستة في المئة.
لكن ومنذ تسلم بايدن سدة الرئاسة، انتهجت طهران سياسة تصعيدية مختلفة، وأعلنت رفع التخصيب الى 60 في المئة، وزيادة كميته، وتحديث الطرود المركزية والعمل على إعادة افتتاح مفاعل آراك للمياه الثقيلة.