من بين رسائل التهنئة التي وصلتني هذه الأيام بمناسبة شهر رمضان المبارك، لفتت انتباهي إحداها لكونها مُرسلة من إعلامي سياسي معارض لم ألتقِ به قط، ولكننا تواصلنا عبر الموبايل بضع مرّات قبل قرابة عشر سنوات، وأحتمل أن آخر تواصل بيننا كان مع بداية التجمّعات الجماهيرية أبّان حراك الربيع العربي بالكويت في عام 2011.
في ذلك التواصل الأخير، دعاني الإعلامي إلى المشاركة في أحد تجمّعات المعارضة، فرحّبت بدعوته وقبلتها، ولكنّني قرنتها بشرطين للتحقق من هويّة من يقود المعارضة. الشرط الأول أن يُعلن في بداية التجمّع القادم عن حظر تام لخطابات التحريض على الكراهية، ثم يُطرد فوراً كل متحدّث ينتهك ذلك الحظر. والشرط الثاني أن تؤجّل مشاركتي إلى التجمّع الذي يلي التجمّع الذي يتحقق فيه شرطي الأول. فردّ عليّ الإعلامي أن النائب مسلّم البراك - وهو أحد أبرز قادة الحراك - سبق أن أعلن رفضه الخطابات العنصرية والطائفية. فأجبته أن أجواء الشحن والتحريض تجاوزت فداحتها وخطورتها مستوى الاحتواء بخطاب سياسي، والمرحلة تتطلّب تبنّي خطوات إجرائية تظهر وتؤكّد قدرة البراك ومن يُسمَّون «عقلاء المعارضة» على ردع رفقائهم المتطرّفين.
ولكن للأسف لم يتم إعلان الحظر في ذلك التجمّع ولا في التجمعات اللّاحقة. ثم في المجلس المبطل الأول، تجسّدت مخاوفي في ممارسات برلمانية متطرّفة من قبل نوّاب المعارضة وكانت أشبه بالانتقام الفئوي. وكما كان متوقّعاً، لم يتصدَّ لها «العقلاء»، بل إنهم باركوا وشاركوا في معظمها.
وبحنكة أبونا صباح - طيب الله ثراه - تمكّنت الدولة عبر قانون الصوت الواحد من تحجيم شرورهم وفتنهم، ونجح مجلسا الوزراء والأمة آنذاك في ترميم النسيج الوطني خلال مرحلة غياب وقلّة عدد نوّاب المعارضة في المجلس المبطل الثاني والمجلسين اللذين لحقاه.
لذلك، بعد عودة المعارضة بخطاب سياسي منقّح ومُحسّن، لو تجدّدت دعوتي إلى المشاركة في أحد تجمّعاتها الواقعيّة أو الافتراضيّة، سوف أقبلها بعد التحقق من عقلانيّة ووطنيّة أدائها البرلماني، بل سأقبل الدعوة إذا تأكّد لي مصداقيّة واستقلاليّة مجموعة عقلاء المعارضة.
فعلى مستوى الخطاب السياسي، الشواهد تشير إلى أن «العقلاء» الذين يدّعون أن «المعارضة الحاليّة استرجعت هيبة المجلس» ما زالوا غير قادرين على التصدّي الصريح للتنمّر الذي يمارسه عدد من زملائهم المنتمين للمعارضة. فإما يتجاهلونهم أو يبررون غوغائيّتهم أو يعمّمون المخالفات على الأجنحة البرلمانية الأخرى. بل إن تصدّي «العقلاء» للهمجيّين مستبعد حتى لو دخل أحدهم إلى قاعة عبدالله السالم بدراجته النارية «سيكل» بذريعة تحصين إرادة الأمّة.
وأما على مستوى الأداء البرلماني، فعدد من الاقتراحات بقوانين التي قدّمها «العقلاء» تشترك مع اقتراحات بقوانين قدّمها نوّاب المعارضة المتطرّفون في كونها ملوّثة بشوائب الانتقائية والفئويّة. فعلى سبيل المثال، لدينا ثلاثة مسارات في مشروع العفو: مسار الحكومة الملتزمة بتنفيذ عقوبة الحبس على جميع المدانين بأحكام قضائية باتة، ومن بينهم مدانو اقتحام المجلس ومدانو قضية العبدلي. والمسار الثاني تسلكه المعارضة المُصرّة على أن يشتمل مشروع العفو مداني اقتحام المجلس بحجة أن قضيتهم سياسية، والمُصمّمة على استبعاد مداني قضية العبدلي لأن قضيتهم أمنيّة. والمسار السياسي الثالث يتمحور حول ضرورة الالتزام بمبدأ المساواة بين جميع المدانين، في حالة إقرار أي مشروع عفو. ولا يخفى على أحد، أن مسار «العقلاء» أقرب ما يكون إلى مسار المعارضة الانتقائية، ومازالوا على المسار ذاته، بالرغم من تكاثر تصريحات الاستنكار والشجب من قبل سياسيين أميركيين وغربيين تجاه اقتحام الكونغرس الأميركي، الذين صنّفوا اقتحام البرلمان كجريمة تعدٍّ على النظام العام وتهديد أمن الدولة.
لذلك على «العقلاء» أن يتحرّروا من هيمنة الغوغائيين الإقصائيين، والانضمام إلى المسار السياسي الثالث إن أرادوا استرجاع هيبة المجلس... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».