| علي الرز |
اختصر الرئيس الايراني احمدي نجاد خلفيات الصراع في المنطقة، وعلى المنطقة، بأن الولايات المتحدة وحلفاءها في عموم الغرب هجموا على المنطقة استباقا لظهور المهدي المنتظر.
يقول الرئيس الايراني: «ان السبب الذي دفع اميركا وحلفاءها الى شن هجوم على دول في المنطقة والذي لم يصرحوا به هو علمهم بأنه سيأتي يوم يظهر فيه رجل من نسل آل محمد (صلى الله عليه وسلم) في هذه المنطقة ويقضي على جميع الظالمين في العالم والشعب الايراني من بين أنصار هذا الرجل(...) والجمهورية الاسلامية لديها وثائق تثبت ذلك».
اذا، الاميركيون لا يريدون حماية مصالحهم في المنطقة من خلال اسقاط انظمة او خلخلة اركانها او حصارها او خلق الفتن او التمهيد لانقسامات او بناء شرق اوسط جديد. والاميركيون لا يريدون تعميم ثقافات معينة بهدف الحد من ظواهر التطرف الديني وانعكاسات هذه الظواهر على الامن والسلم الدوليين. والاميركيون لا يريدون تأمين ممرات آمنة للنفط وانشاء خط مواجهة متقدم للزحف الآسيوي الاقتصادي وغير الاقتصادي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة. والاميركيون لا يريدون توسيع مظلة الحماية الدائمة لاسرائيل وتطويع الممانعين وكسر شوكات حركات المقاومة والتحرر... هم يريدون استنادا الى تصريح احمدي نجاد احتلال المنطقة لهدف عقائدي.
هنا، لا يختلف منطق ايران ورئيسها عن منطق «القاعدة» وزعيمها في العموميات ولو اختلفت التفاصيل. فالصراع في العالم جوهره ديني لا سياسي ولا اقتصادي ولا مصلحي، وكل ما يشهده العالم من غطرسة وسيطرة وحروب واحتلال وقمع وتشريد وتخلف سببه النزاع العقائدي. ماذا ينتج عن هذه الفرضيات؟ تعبئة مركزة وقاسية لرفض الآخر من منطلقات وجودية حقيقية بالنسبة للذين يعتبرون الدين دينا ودنيا. وتعبئة قائمة على الغاء خيارات التعامل مع الآخر وحصرها بخيار المواجهة المعبر عنه بالجهاد. وتعبئة قائمة على نكران الدنيا او دار الفناء بما فيها لانها الخسران بعينه ولذلك فالفوز هو في الآخرة وعالم البقاء. وتعبئة قائمة على الترهيب من خسارة الدنيا والآخرة على السواء. وتعبئة قائمة بعد الترهيب على التصنيف فانت اما مع الايمان واما مع الكفر، وتعبئة قائمة على استحضار كل ما هو خارج الواقع لتوظيفه في خدمة الاهداف على ارض الواقع. فالرئيس الايراني عبر مرار عن وجود قوى غير منظورة تدعمه سواء في اظهار حلقة النور فوق رأسه وهو يخطب في الامم المتحدة او في «دعم السماء» له خلال الانتخابات الاخيرة، واسامة بن لادن قال مبررا «غزوات» 11 سبتمبر ان الرسول عليه الصلاة والسلام زاره في المنام وأمره بالقتال... الى ما هنالك من «رؤى» كان يكشف عنها في كل مناسبة او خطاب.
واذا ناقشنا بهدوء ظاهرة اعلاء التوصيف الديني للنزاعات على التوصيفات الاخرى، نجد خيطا فاصلا بين مصلحة النظام (سواء كان دولة او تنظيما) الذي يروج لهذا الخطاب وبين مصلحة الامة، مع وجوب الاعتراف بان الهوى الذي تخلقه التعبئة كبير جدا، واسباب انتشاره مركبة بين الظروف البائسة نتيجة سياسات الدول الكبرى غير العادلة واساليب الاستقطاب المستمرة لمراكز التعبئة.
... المهم ان الامة بائسة وسياسات الدول الكبرى كذلك، وربما كان احد اكبر اخطاء اميركا في السنوات الماضية انها استدرجت الى الخطاب العربي والاسلامي والعالم ثالثي لكن هيهات لها ان تنتصر في ملاعبنا الخطابية. رد الرئيس جورج بوش على 11 سبتمبر بمصطلح «الحملات الصليبية» ثم برر مستشاروه ان هذا المصطلح يستخدم في ولايات معينة حتى في المواجهة مع المافيا وتجار المخدرات في ولايات معينة، لكنهم بالطبع فشلوا في تبرير قراراته التي يأخذها نائما عندما يأتيه «امر رباني» بأن يحتل العراق او افغانستان او يقيم دولة فلسطينية، او عندما صنف العالم ايضا الى محورين.
اليوم، وبعد كل ما جرى، يعيد الرئيس الايراني العلاقات الدولية الى مربعها الديني لمزيد من التعبئة العقائدية، ومزيد من الاستقطاب «الجهادي» اولا و«الاستشهادي» ثانيا. يدخل الى المعركة رموزا جديدة تلهم وتشعل وتشحن. يربط بين علامات الانتصار على اميركا وحلفائها وعلامات آخر الزمان التي يحملها ظهور الامام المهدي المنتظر، فآخر الزمان يعجل الاصطفاف والتوبة واللحاق بركب المغفرة ويشحذ الهمم «للنصر او الشهادة».
ماذا تستفيد ايران والمنطقة من خطاب كهذا فيه القليل من المصالح للنظام والمزيد من البؤس للأمة؟ ماذا سنحصد ايرانيا غير الذي حصدناه «قاعديا» مع الفارق طبعا بين الدولة والتنظيم وبين المذهب والمذهب وبين الامكانات الضخمة لجمهورية والامكانات المتواضعة لجماهير؟
اذا كان الرئيس الايراني اختزل شبكة النزاعات الدولية المعقدة في المنطقة، وعلى المنطقة، بقرب خروج المهدي المنتظر... فالمنتظر من نتائج خطاب كهذا وتفكير كهذا وتوصيف كهذا قد يكون كارثيا على إيران اولا وعلى المنطقة ثانيا.

alirooz@hotmail.com