في الذكرى العاشرة لاندلاع التظاهرات المطالبة بإنهاء حكم الرئيس بشار الأسد، شهدت كل من نيويورك وواشنطن نشاطاً مكثفاً حول الشأن السوري. ففي الأمم المتحدة، عقد مجلس الأمن جلسة قدّم فيها المبعوث الأممي غير بيدرسون تقريره الدوري، الذي لم يلق فيه باللائمة على أحد، باستثناء المنظمة الدولية، معرباً عن أسفه لفشلها في التوصل الى تسوية وإنهاء الحرب.
الا أن ما لم يقله بيدرسون، قالته السفيرة الأميركية ليندا توماس غرينفيلد، التي وجهت أصابع اللوم الى الأسد، واعتبرت ان «هناك سبباً واحداً فقط لتعذر التوصل الى حل لهذه الأزمة»، وهو «رفض نظام الأسد الانخراط (في المفاوضات) بحسن نية، ولم يتخذ خطوة واحدة من شأنها أن ترسي أسس للسلام».
وافتتحت السفيرة الأميركية كلمتها باقتباس تصريح للأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس، حدد فيه الفارق بين انتفاضة السوريين ضد نظام الأسد، والحرب التي تلتها، وقال فيه إن «القمع العنيف للتظاهرات الشعبية السلمية هو الذي وضع سورية على طريق حرب مروعة».
ودعت غرينفيلد «روسيا للضغط على نظام الأسد للتخلي عن المماطلة»، معتبرة أنه «حان الوقت لكي يعالج النظام السبب الجذري للصراع»، الذي وصفته بـ «المطلب الأساسي لجميع السوريين»، والقاضي «بالعيش بكرامة، (في حياة) خالية من التعذيب وسوء المعاملة والاحتجاز التعسفي».
كما توجهت السفيرة الى المجتمع الدولي، بالطلب اليه «ألا ينخدع بالانتخابات الرئاسية المقبلة، لأنها لن تكون حرة ولا نزيهة، ولن تضفي الشرعية على نظام الأسد، ولن تستوفي المعايير المنصوص عليها في القرار الرقم 2254، بما في ذلك ضرورة الإشراف عليها من قبل الأمم المتحدة وإجراؤها وفقاً لدستور جديد».
وفي بيان مشترك، أكد وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، أن دولهم «لن تتخلى عن الشعب السوري» وتدعو إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية.
وفي واشنطن، قدمت مراكز الأبحاث دراسات متنوعة حول الأزمة السورية، كان أهمها الصادرة عن «معهد الشرق الأوسط»، وشارك في اعدادها آخر سفير أميركي في دمشق روبرت فورد، واعتبر فيها أن «المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة حول الدستور السوري وصلت إلى طريق مسدود»، وأنها «لا تتناول على أي حال القضايا الأساسية التي أشعلت شرارة انتفاضة 2011 وما تلاها من تصعيد (وصل) إلى حرب أهلية».
ووصفت الدراسة محادثات الأمم المتحدة، السورية بأنها «ورقة توت تخفي جموداً في التوصل إلى حل سياسي».
وأضافت أن «السيطرة الأميركية على شرق سورية، والضغوط المالية لانتزاع الإصلاح من حكومة الأسد الضعيفة وغير النادمة»، لن تؤدي الى نتائج، ولن يقبل حلفاء الأسد، انهياره، وأنه «يمكن لإسرائيل وحدها احتواء برنامج الصواريخ الإيراني في سورية، في وقت تساعدها روسيا في ذلك ضمناً»، ما يعني أن «الوجود العسكري الأميركي في سورية ليس ضرورياً لمساعدة إسرائيل».
كما ورد في الدراسة أن «الروس غير مرتاحين لتزايد النفوذ الإيراني في سورية»، وقد «أعطوا الضوء الأخضر لغارات إسرائيلية ضد أهداف إيرانية». ومع ذلك، «لا يريد الروس أن تقوّض الضربات الجوية الاستقرار الهش للحكومة السورية».
امتعاض روسيا من الايرانيين لا يعني أن الأسد في «جيب الروس»، بل على العكس، يرى خبراء أن الرئيس السوري يسعى للتخلص من النفوذ الروسي والايراني.
في هذا السياق، لفت الخبير عبدالله الغضوي، على موقع مركز أبحاث «نيوزلاين انستيتيوت»، أن «الأسد قام بإجراء تعيينات ومناقلات عسكرية هدفها تأكيد سيطرته واضعاف نفوذ روسيا داخل قواته ونظامه».
وقال إنه «منذ بدء التدخل العسكري في سبتمبر 2015، تحركت روسيا لإعادة هيكلة الجيش السوري حتى يتمكن من القتال بشكل موثوق في المعارك الكبرى إلى جانب مستشاريها، وأضافت اليه فرقاً كالفيلق الخامس، والذي يُعتبر الآن خاضعاً لسلطتها مباشرة».
كما كان لموسكو دور قوي في تعيين كبار قادة الجيش، حسب الخبير، مثل تعيينها «اللواء آصف الدكر لقيادة الفرع 293، وهي الوحدة المسؤولة عن كل الترقيات والمسائل المتعلقة بسلك الضباط، وهو مثال بارز على تدخل روسيا في المستويات العليا للجيش».
لكن الدكر، الذي درس في روسيا لمدة خمس سنوات، «سرعان ما تم تهميشه بسبب الصراعات الداخلية ورغبة الأسد في التخلص من الرقابة الروسية،»، حسب الغضوي، الذي يضيف «إن كان هدف روسيا إضعاف الأسد، فقد أخطأت بالتركيز على الجيش وعدم الالتفات إلى الأجهزة الأمنية والضباط العسكريين المنتشرين في القصر الرئاسي».
وتابع الغضوي أن الأسد حاول «باستمرار إبعاد الأجهزة الأمنية عن نفوذ الروس والإيرانيين بسبب الدور الأساسي الذي تلعبه هذه الأجهزة في المحافظة على سلطة النظام»، واليوم «لم يعد لروسيا نفوذ يذكر داخل هذه الأجهزة، خصوصاً وأن شعبة المخابرات العسكرية، التي تخضع الآن لسيطرة الأسد الكاملة، تشرف على المؤسسة العسكرية».
كما «لا يوجد أي ذكر علني لأي نفوذ روسي داخل المؤسسة الاستخباراتية، لا سيما في المكاتب الأمنية الأربعة الأساسية للنظام»، بحسب الغضوي.
ويعتبر أن الأسد واصل محاولة تقليص النفوذ الروسي، فقام «بإقالة اللواء زيد صالح، رئيس اللجنة الأمنية في إدلب وأحد كبار ضباط الجيش المقربين من الروس»، في يناير الماضي. وفي فبراير، «عيّن اللواء العلوي هيثم بركات رئيساً للأركان بدلا من اللواء السني نزار أحمد الخضر، الذي كان اختياراً روسياً لمنصب قائد الفرقة 17 في ديسمبر 2020»، في خطوة يعتبر الغضوي انها تمثل «تحدياً مباشراً لروسيا، يمنح الأسد قدرة الإشراف المباشر على أداء الفرقة».
إلى ذلك، وفي وقت تواصل الولايات المتحدة وحلفاؤها، العمل على إبقاء النظام معزولاً، يسعى الأسد الى «المناورة» للمحافظة على بعض النفوذ، وفي الوقت نفسه، يدور صراع غير معلن بين طهران وموسكو، التي أعطت اسرائيل الضوء الأخضر لقصف مواقع ايرانية، وهو ما يفاقم من تعقيدات الصراع الذي لم يعد «بارداً» كما كان في الأشهر الماضية، اذ تشير مصادر حكومية أميركية الى تصاعد في نشاطات تنظيم «داعش» والمجموعات المعارضة مع تعثر اتفاقات الهدنة التي كان الروس «عرّابي»، التوصل إليها بين المعارضين والنظام.
ومع تصاعد خطر «داعش»، يرى الخبراء الأميركيون أن الأسد يحاول تقديم نفسه لادارة الرئيس جو بايدن، كشريك في الحرب على الغرهاب، لكن غالبية الخبراء تستبعد أن يؤثر ذلك في الرأي المتمسك بعزل الأسد حتى يلتزم القرارات الدولية وينخرط في تسوية.
هكذا مرت في نيويورك وواشنطن، الذكرى العاشرة للانتفاضة، التي أفضت الى حرب طاحنة لا تزال عواقبها تنزل بالسوريين عقاباً جماعياً لا يرحم... ولا يبدو أنه يقارب نهايته.