في البدء، كلمة شكر من قلوب جميع الكويتيّين لصاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد على تمسّكه بالدستور الناظم للحريّات والحارس للمناخ الديموقراطي الذي نتميّز به. هذا التمسّك يثبت مرة جديدة أن القائد عندما يكون قدوة لغيره فإنما يؤسّس قاعدة احترام يصعب تجاوزها، خصوصاً إذا كان الأمر يتعلّق بما شهدناه أخيراً من تلبّد للأجواء السياسيّة وما رافقه من إشاعات عن خيارات كثيرة دستورية وغير دستورية، فإذا بصاحب السمو يحسم كل شيء ويقرّر وفق صلاحيّاته الخيار الأقلّ تأثيراً على عمل مجلس الأمة عبر استخدام المادة 106 من الدستور.
ومن شكر صاحب السمو إلى شكر الكويتيّين، أهلنا، على مواجهتهم للمعاناة الصحية والاقتصادية والاجتماعية بصبر المؤمن وصمود الواثق. وعندما نتحدّث عن أهلنا نقول قوّاهم الله وخفّف عن كاهلهم أزمة جديدة من الباب السياسي هذه المرة.
الأزمة السياسية معروفة تفاصيلها، سواء كان الموضوع يتعلّق بالتبريرات والتفسيرات المعلنة أو الأهداف والتطلّعات غير المعلنة. لا أسرار في الكويت ولا ينتقصنّ أحد من ذكاء الكويتيّين وخبرتهم وقدرتهم على التحليل والتمييز واستخلاص النتائج.
ما يعنينا هنا هو الابتعاد عن متاهات الطروحات النيابيّة والبرامج والمشاريع والدخول مباشرة إلى العنوان الرئيسي... الشيخ صباح الخالد رئيس مجلس الوزراء، مُتمنّين أن يسمع مباشرة على قاعدة صديقك من صدقك لا من صدّقك.
سمو الرئيس، إن فترة الشّهر الذي مُنح لك بموجب الإرادة السامية هي أخطر وأهم فترة في مسيرتك كُلّها، بل لا نبالغ إن قلنا إنّها مُفترق الطريق بين استمرارك في الحياة السياسيّة أو اعتزالك هذه الحياة.
نحن في الكويت، وأنت أول من يعلم، أن نظامنا السياسي البرلماني الهجين لن يسمح لأيّ رئيس وزراء أن تكون لديه غالبيّة برلمانيّة مريحة تُمكّنه من الاستفادة من التعاون لتنفيذ البرامج والمشاريع الحكومية المُتعلّقة أساساً بالوطن والمواطن. لسنا في نظام برلماني سويّ كما هو الحال في الأنظمة المتقدّمة بحيث يمثّل رئيس الحكومة الغالبيّة المنتخبة شعبيّاً ويمرّر المشاريع والقوانين استناداً إلى القاعدة البرلمانيّة الداعمة، أما في المرات القليلة في تاريخ الكويت التي كان لرؤساء الوزراء غالبيّة برلمانيّة فالسبب نعرفه وتعرفه... وتعرف أنه ترف لم يعد يستقيم الآن.
لماذا نقول ذلك؟ لأنك إذا استمررت في هاجس الخوف من النواب فقط لإرضائهم فلن تحظى برضاهم وستخسر رضى الناس. إرضاء النائب «غاية لا تدرك» وإرضاء الناس طريقه أقصر. فالنواب هم نتاج نظام انتخابي فردي يفرض مخرجاته على النائب لاحقاً فيهتمّ أولاً بمحيطه الضيّق ثم الأوسع ثم بتأمين مصالح تخدم استمرار هذا الاهتمام، ويسعى إلى شعبويّة ولو عبر طروحات غير علميّة وقد تكون مؤذية للاقتصاد والخزينة والأجيال القادمة... وفي هذا لا أستثني أحداً من أعضاء البرلمان فنظامنا الانتخابي يحكم هذا الواقع الذي يعبّرون عنه كُلّ بطريقته.
لذلك، فمن عليك العمل على إرضائه وإقناعه بكفاءتك ونظافة كفّك وسلامة عملك بعد الله سبحانه وتعالى هو شعب الكويت، فهذا الشعب هو من أتى بك إلى رئاسة الوزراء استمراراً للتوافق التاريخي على مبايعة أسرة الحكم منذ 400 عام والتمسّك بهذا الخيار عن قناعة رغم كُلّ الظّروف الصّعبة التي مرّت بها الكويت وكانت اختباراً حقيقيّاً لهذه الصيغة الفريدة التي نتباهى بها بين الحاكم والمحكوم... أهل الكويت هم من يجب أن تحرص على إرضائهم وتخشى التّفريط بثقتهم وليس النواب.
أهل الكويت يريدون حكومة تمتلك برنامجاً وطنيّاً مختلفاً شاملاً يغطّي مُتطلّبات تحدّيات الحاضر ويعبّد الجسور إلى المستقبل. صحيّاً واجتماعيّاً واقتصاديّاً وتنمويّاً وتربويّاً وإداريّاً. برنامج يقوده محارب حقيقي يحفر اسمه في تاريخ الكويت ويتحمّل تبعات تنفيذه بكل مصاعبها، أما الاستمرار بالعمل وفق نظريّة «طالما أنّ الـ 350 ألف كويتي في الإدارات العامة يقبضون رواتبهم في نهاية كل شهر فلا مشكلة لديّ» فهو المشكلة الحقيقية التي تؤكد أن شيئاً لم يتغيّر في طريقة إدارة البلد وأن القادم أسوأ. لذلك فالبقاء على هذه النظريّة دونه نتائج مأساويّة على المدى الطويل... وترك المنصب هنا أفضل من تغطية المأساة.
وهذا الشهر يا سمو الرئيس هو الفرصة الأخيرة لك لاختيار تشكيلة حكوميّة تنسجم مع البرنامج الوطني الشامل الذي تحدّثنا عنه، مع العلم أن عمر الحكومة السابقة كان أقصر بكثير من إمكانية الحكم أو تقييم أداء بعض الوزراء، فإذا استغنيت عن أحدهم يجب أن يعرف الكويتيّون السبب، فهل لمست قصوراً منه أو لاحظت أنه ليس بمستوى طموحات البرنامج العام أم لأنّ نائباً هنا أو هناك لا يريده وهدّد بالتّصعيد في حال أُعيد توزيره. وكذلك الأمر بالنسبة لوزير ما سيبقى رغم وضوح أن المنصب أكبر كثيراً منه فهل اتّخذت قرارك لأنك شخصياً مُعجب به أو تعتبره من أهل الثقة أكثر من أهل الخبرة؟ التراجع عن الخطأ فضيلة.
في الختام، دخلت يا سمو الرئيس بثوب نظيف ويد نظيفة وسمعة مُقدّرة. يمكنك جعل فرصتك الراهنة فرصة للكويت عبر تغيير النهج وإرساء البرامج الثابتة مكان السياسات العشوائيّة، وعبر اختيار الأمناء أصحاب الخبرة وهم كُثر في الكويت، وعبر الثّبات على المبادئ والمرونة في التّنفيذ في ما يتعلّق بالعلاقة بين السّلطتين وإنجاز ما ينفع البلد.
كان فقيدنا الغالي المغفور له الأمير الشيخ صباح الأحمد عندما يلتقي رجال الإعلام والفكر يقول لهم: «لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها»... مرة أخرى فلتكن حساباتك مرضاة الله وضميرك ووليّ الأمر والشعب الكويتي، أما غير ذلك فسينعكس ضرراً على النّاس والأسرة والنّظام.