قبل 92 يوماً من موعد إجراء الانتخابات التشريعية الفلسطينية، يخشى الأميركيون من الحزبين، الديموقراطي الحاكم والجمهوري المعارض، أن تؤدي العملية الديموقراطية في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة إلى مواجهة مسلّحة بين الفصائل المتنوعة، أو إلى تغلب حركة «حماس» على حركة «فتح»، وهو ما يؤدي إلى سيطرتها على كل السلطة الفلسطينية، ويجعل من التنسيق الأمني والإداري مع إسرائيل متعذّراً، وقد يؤدي إلى تحويل الضفة إلى قطاع غزة ثانٍ، أي منطقة معزولة وفقيرة ومتخمة بالصواريخ.
وتظهر استطلاعات الرأي التي انتشرت في الأوساط الأميركية، أن «فتح وحماس تتساويان في الشعبية، وتحصل كل منهما على 35 في المئة من إجمالي المقترعين، مع أفضلية بسيطة للفتحاويين قد تمنحهم الفوز بالمجلس التشريعي والرئاسة».
إلا أن «فتح» تعاني من مشكلة انقساماتها الداخلية إلى أجنحة متنافسة، منها بقيادة كل من رجلي الأمن السابقين جبريل رجوب ومحمد دحلان، ومنها بقيادة ناصر القدوة، وهو ابن شقيق الرئيس الراحل ياسر عرفات وسبق أن عمل سفيراً للسلطة الفلسطينية في الأمم المتحدة ويدير اليوم «مؤسسة ياسر عرفات».
أما أقوى أجنحة «فتح» وأكثرها شعبية بين الفلسطينيين فبقيادة مروان البرغوثي، المعتقل في سجن إسرائيلي، والذي يقود من سجنه «حزب المستقبل».
ويعتقد الخبراء الأميركيون المتخصصون في الشأن الفلسطيني، أن البرغوثي يتمتع بشعبية تخوله الفوز على الرئيس محمود عباس، الذي من المتوقع أن يترشح على الرغم من بلوغه الخامسة والثمانين من العمر.
واعتبرت بعض المصادر أن فوز البرغوثي قد يفرض على إسرائيل الإفراج عنه، ولكن ترشح البرغوثي قد يؤدي إلى تقسيم أصوات «فتح» بشكل تستفيد منه «حماس»، فتفوز في الانتخابات التشريعية، وبعدها في الانتخابات الرئاسية المقرّرة في آخر يوليو.
ومن المتوقع أن ترشّح «حماس» شخصية مستقلة، غير حزبية ولكن محسوبة عليها، إلى الرئاسة.
وتواترت تقارير إلى العاصمة الأميركية مفادها بأن عباس يتمسك بالزام «الفتحاويين» الترشّح على لائحة واحدة، وأنه عرض على البرغوثي منصب رئيس المجلس التشريعي، وفي الوقت نفسه وعده بالتواسط لدى الرئيس الأميركي جو بايدن للطلب من إسرائيل الإفراج عنه.
والبرغوثي معتقل منذ العام 2002 ومحكوم بالمؤبد بسبب الدور الذي لعبه في «الانتفاضة الثانية»، إذ تتهمه إسرائيل بارتكاب أعمال قتل ضد إسرائيليين والتحريض على قتلهم.
ومن المشاكل التي ستواجهها الانتخابات الفلسطينية إمكانية عدم اعتراف كل من «فتح» و«حماس» بالنتائج في حال لم تأت في مصلحة أي منهما، فيسود الأمر الواقع من دون المقدرة على فرض النتائج، وقد تؤدي المنافسة الانتخابية الى مواجهات مسلحة بين الفصائل الأربعة عشر التي وقّعت على الاتفاقية التي أفضت إلى الإعلان عن إجراء الانتخابات.
وعلى مدى السنوات الماضية، تعذر إجراء الانتخابات بسبب خلاف بين «فتح» و«حماس» طالبت فيه الأخيرة بإجراء كل الانتخابات في اليوم نفسه، فيما أصرّت «فتح» على انتخابات مرحلية.
لكن نهاية العام الماضي، وافقت «حماس» على المرحلية، فأحرجت عباس وأجبرته على الدعوة الى الانتخابات، التي أعلنت الأمم المتحدة أن موفدها الى العملية السلمية تور ونسلاند سيقوم بمراقبة نزاهتها.
وأعلنت حركة «الجهاد الإسلامي» عزوفها عن المشاركة في الانتخابات بسبب رفضها المواثيق التي أفضت الى قيام السلطة الفلسطينية، وتاليا الانتخابات، والتي تعترف بوجود دولة إسرائيل.
على أن الخبراء الأميركيين يعتقدون أن إجراء الانتخابات على مراحل، خصوصاً التشريعية قبل الرئاسية، يبقي في أيدي عباس القدرة على نسف الرئاسية اذا لم تأت التشريعية في مصلحته.
ومن الأعذار التي يمكن التحجج بها لإلغاء الانتخابات الرئاسية، هي قيام إسرائيل بمنع فلسطينيي القدس الشرقية من المشاركة فيها، على اعتبار أن إجراء الانتخابات من دون هؤلاء الفلسطينيين هو بمثابة تنازل السلطة عن القدس الشرقية.
ويشير الخبراء الى أن عباس قام بخطوة «تفخيخ» الانتخابات الرئاسية بشكل يجبر إسرائيل على حرمان المقدسيين من التصويت فيها، اذ قام بتغيير المرسوم الاشتراعي الذي أصدره لاجراء الانتخابات باستبدال تسمية «رئيس السلطة الفلسطينية» بتسمية «رئيس دولة فلسطين».
وبموجب اتفاقيات أوسلو، المطلوب من إسرائيل رعاية تصويت المقدسيين في انتخابات اختيار «رئيس السلطة الفلسطينية» لا «رئيس دولة فلسطين».
ويمكن لإسرائيل الاشارة الى أن تغيير التسمية، وموافقتها عليه، هو بمثابة إجبارها على الموافقة على تبني اسم «دولة فلسطين»، وهو ما لا تقبله من دون التوصل إلى تسوية نهائية مع الفلسطينيين.
على عكس الأوروبيين الذين مارسوا ضغوطات كبيرة على عباس تحت طائلة وقف تمويلهم السلطة، لم تكن واشنطن متحمسة للانتخابات، اذ هي صارت تدرك - بناء على التجارب الماضية - صعوبة الحفاظ على الاستقرار، وهي تفضّل بناء القدرات الفلسطينية وتعزيز العلاقة مع الإسرائيليين، قبل الخوض في عملية انتخابية محفوفة بكل أنواع المخاطر.
وفي هذا السياق، يقول الباحث في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» غيث العمري إن «الانتخابات التي تعيد حماس إلى داخل السلطة أو تعطيها إمكانية السيطرة عليها يمكنها أن تعرض للخطر سعي عباس لإعادة العلاقات مع الولايات المتحدة».
ويعتقد أن «من المتوقع حالياً أن تقوم إدارة بايدن بعكس بعض جوانب سياسة (الرئيس السابق دونالد) ترامب تجاه السلطة الفلسطينية»، خصوصاً لناحية «إعادة بعض المساعدة الاقتصادية».
ويضيف العمري أن «إجراء انتخابات فلسطينية من شأنه أن يثير قضايا قانونية وسياسية تؤدي إلى حد كبير إلى تعقيد عودة العلاقات الفلسطينية مع واشنطن، كما قد تثير توترات مع الأردن ومصر، اللتين تنظران إلى حماس بريبة كبيرة، وعبّرت عن مخاوفها من الانتخابات مباشرة لعباس».
ويشير العمري إلى أن الاستطلاعات تشير إلى أن «ثلاثة أرباع الفلسطينيين يرغبون في إجراء انتخابات... ومع ذلك، فشلت مبادرات مماثلة في الماضي بسبب العوامل التي لم تتغير اليوم».
وما يساهم في زيادة التعقيدات «عدم استعداد حماس وفتح للتنازل عن سلطة حقيقية في أراضيهما، وهو ما من شأنه أن يعمق أزمة الشرعية الفلسطينية الحالية بدلاً من حلها»، بحسب قوله.