لم يمرّ شهر على دخول جو بايدن البيت الأبيض، حتى وجد نفسه وإدارته غارقين في مواجهة ضد إيران، التي لا ترحم الرئيس الأميركي الذي قدّم نفسه على أنه سيكون أكثر إنصافاً تجاهها من سلفه الرئيس السابق دونالد ترامب.
وفي ظلّ هجوم نفذه «مجهولون» على قاعدة أميركية في أربيل، وراح ضحيته متعاقد أجنبي، وفي وقت شن الحوثيون في اليمن هجوماً للسيطرة على مدينة مأرب، في اليوم نفسه الذي أتمت فيه وزارة الخارجية إجراءات رفعهم عن لائحة التنظيمات الإرهابية، وفيما تتواصل هجمات المتمردين في اليمن على مواقع داخل السعودية، بدا بايدن عاجزاً حائراً، وهو ما قدم للجمهوريين فرصة لانتقاده ومقارنته بسلفه ترامب.
وزاد في الطين بلّة أن بعض التصريحات الصادرة عن البيت الأبيض أوحت وكأن بايدن سيتفادى الرد على أي من الاستفزازات الإيرانية، وأنه سيتمسك بالديبلوماسية مهما كان الثمن، وهو ما يعني أن المفاوضات مع الإيرانيين ستصبح حاجة للرئيس الأميركي للخروج من مأزقه، وستعطي طهران القدرة على إملاء شروطها مقابل تعليق هجماتها في عموم المنطقة.
وأمام الاهتزاز الواسع الذي تفرضه طهران عبر الشرق الأوسط، ووسط ارتباك بايدن، اقتصرت ردود أفعال إدارته على بيانات أثارت حملة من التهكم، خصوصاً في صفوف الجمهوريين، الذين راحوا يقارنون - عبر وسائل إعلامهم ووسائل التواصل الاجتماعي - بين انضباط إيران في زمن ترامب، وانفلاتها في زمن بايدن.
فقد أعلنت الإدارة إحالة استهداف القاعدة الأميركية في شمال العراق، على التحقيق، للتأكد من هوية من يقفون وراء الهجوم. وقالت الناطقة باسم البيت الأبيض جين ساكي، في مؤتمرها اليومي مع الصحافيين، إن «رئيس الولايات المتحدة والإدارة يحتفظان بالحق في الرد في الوقت المناسب الذي يختارانه»، وهو التصريح الذي أثار سخرية أميركيين كثيرين، إذ قارنوا بينه وبين ما دأب المسؤولون الإيرانيون على تكراره، لناحية «تهديداتهم الفارغة» بالرد على ضربات إسرائيل ضد أهداف إيرانية في سورية.
ولفت انتباه المراقبين أن ساكي بدت وكأنها فضحت نوايا الإدارة، بغض النظر عمّا ستظهره التحقيقات، إذ قالت إن «الديبلوماسية هي أولوية هذه الإدارة»، في التعامل مع طهران وبقية دول العالم، وأشارت إلى نية واشنطن استشارة حلفائها «في كل أنحاء العالم».
بدوره، قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن إنه تحدث هاتفياً مع رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي حول التحقيقات اللازمة لكشف هوية المعتدين ومكافحة «العنف المتطرف».
ولفت مراقبون إلى أن الكاظمي لم ينجح حتى الآن في الكشف عن هوية أي معتدين في بغداد، حتى ممن ينفذون عمليات اغتيال ووجوههم ظاهرة على كاميرات المراقبة، فكيف له أن يساعد في الكشف عن هوية المسؤولين عن شن هجمات ضد مناطق في كردستان الخارجة أصلاً عن سيطرة الحكومة الفيديرالية المركزية في بغداد.
وعلّق الباحث في معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى مايكل نايتس على الهجوم على القاعدة في أربيل، بالقول إن «إدارة بايدن تواجه الآن المهمة الصعبة المتمثلة في صياغة رد محسوب، على شرط أن يكون حازماً، كما يجب عليها أن تتخذ بعض القرارات الكبيرة حول كيفية ردع مثل هذه الهجمات على الأميركيين وعلى شركاء الولايات المتحدة في المستقبل».
وأضاف نايتس أن «المعلومات الاستخبارية السرية الأميركية تميل إلى التعرف بسرعة كبيرة على مستوى التورط الإيراني، الأمر الذي سيصل إدارة بايدن ويظهر دور طهران في الحادث».
وتابع أنه «سواء كانت إيران تنوي إجراء مثل هذا الاختبار أم لا، فإن النتيجة واحدة»، وهي أنه «يجب على إدارة بايدن، إما صياغة رد يبدو حازماً وقادراً على الردع، أو ستعاني من فقدان مبكر للمصداقية في نظر الشركاء الإقليميين».
وختم نايتس بأن «الحكومة الأميركية تواجه مأزقاً دقيقاً في العراق، الذي كان دائماً ساحة ممكنة لاختبار مبكر لإدارة بايدن».
وحتى لا تترك إدارة بايدن أي شك في أن طهران ستجبرها على العودة،«ذليلة»، إلى الاتفاقية النووية، جاء زحف الحوثيين على مأرب، وهو ما دفع الناطق باسم وزارة الخارجية نيد برايس إلى إصدار تصريح قال فيه إنه «ان كان الحوثيون جديين بالتوصل إلى تسوية عبر المفاوضات، فعليهم وقف كل أنواع التقدم العسكري».
تصريح برايس دفع المعلقين الأميركيين الى التشكيك في أن لدى إدارة بايدن خطة واضحة في اليمن. وتساءل معلقون: «هل يعقل أن وزارة الخارجية تتساءل حول نوايا الحوثيين بعدما قامت برفعهم عن لائحة التنظيمات الإرهابية، لا قبل رفعهم»؟
واعتبروا أن من الغريب أن يأمر بلينكن برفع الحوثيين عن لائحة الارهاب، وفي الوقت نفسه تتساءل وزارته حول مدى جدية الميليشيات اليمنية في التوصل إلى تسوية عبر المفاوضات.
في سياق متصل، كتب الباحث في «مجلس الأطلسي» نبيل خوري أن الصراع في اليمن هو«داخلي على السلطة... هكذا بدأ الصراع، وهكذا يجب أن ينتهي».
وقال«بدأ الحوثيون صراعهم الذي دام ست سنوات ضد الحكومة المركزية للرئيس الراحل علي عبدالله صالح في عام 2004. وعندما سقطت حكومته بسبب انتفاضة 2011، مهّد ذلك الطريق أمام الحوثيين للسيطرة على العاصمة صنعاء في 2014، وفي وقت لاحق، قاموا بمحاولة فاشلة للسيطرة الكاملة على اليمن».
وأضاف خوري: «اليوم، يسيطر الحوثيون على ما يقرب من 25 في المئة من أراضي اليمن، ولكنهم يحكمون 80 في المئة من السكان البالغ عددهم 29 مليون نسمة».
وختم بالقول: «ستطالب المجموعة الحوثية، على أقل تقدير، بدور رئيسي في أي حكومة مستقبلية، (وستطالب) بالوصول إلى ميناء بحري لمنطقتها».