من غير المتوقع أن تفضي محاكمة دونالد ترامب الثانية، والتي افتتحها مجلس الشيوخ الثلاثاء وتستمر حتى الاثنين، إلى إدانة قضائية تمنعه من الترشح مستقبلاً، وهو ما يعني أن المحاكمة ليست فعليا حول الرئيس السابق، بل حول مستقبل الحزب الجمهوري، وهويته، وشكل معارك الانتخابات الحزبية التمهيدية التي ستسبق الانتخابات النصفية العام المقبل، والانتخابات الرئاسية في 2024.

غالبية القادة الجمهوريين ترغب الإطاحة بترامب، لكنها لا تعرف مدى الشعبية التي يحافظ عليها. ولو كان هؤلاء القادة متأكدين من أن ترامب فقد شعبيته، لانقضوا عليه، ولصوّت أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين لمنعه من الترشح لولاية رئاسية ثانية.

لكن التردد الجمهوري مرده الى الخوف من شعبيته داخل الحزب الجمهوري، ما يعطيه المقدرة على الانتقام من كل من يصوّت ضده بالإيعاز لمناصريه بالتصويت لمنافسين من يسير ضده داخل الحزب، وتالياً ينتزع مقاعد الكونغرس من معارضيه.

وبلغ خوف بعض الجمهوريين من ترامب أن 11 من أعضاء مجلس الشيوخ صوتوا ضد النظام الداخلي الذي توافق عليه الحزبان ومحامو ترامب لتحديد مجرى سير المحاكمة.

ومن الجمهوريين هؤلاء برز ثلاثة على الأقل، هم جوش هاولي وتيد كروز وماركو روبيو، ممن لديهم طموحات الترشح للرئاسة.

وسبق لكروز وروبيو أن ترشحا في الانتخابات التمهيدية للرئاسة، والتي سحقهما فيها ترامب، بعد أن أشبعهما إهانات، فاتهم كروز أن والده كان متورطا باغتيال الرئيس السابق جون كنيدي، فيما كال لروبيو سلسلة من الشتائم والإهانات.

مع ذلك، يزايد السيناتوران على محامي ترامب في الذود في الدفاع عنه في وجه محاكمته في مجلس الشيوخ.

لكن من معارضي ترامب من يتمتعون بشعبية مضمونة ويضمنون بقائهم في مقاعدهم التشريعية حتى لو حاول اقتلاعهم، ومن هؤلاء المرشح الجمهوري السابق للرئاسة السيناتور ميت رومني، الذي يمثل ولاية يوتاه ذات الغالبية المورمونية.

ولأن رومني، مورموني، ومقعده في مجلس الشيوخ مضمون، فهو يبني مواقفه باستقلالية عما إذا كانت ستثير غضب ترامب أم لا.

ومثل رومني، أربعة أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ ممن سيصوتون إلى جانب الديموقراطيين، يوم الاثنين، في محاولة لحرمان ترامب من الترشح مستقبلا لأي منصب في الدولة. لكن فرض حظر سياسي على ترامب يتطلب غالبية الثلثين في المجلس، أي 67 عضواً، وهو ما يعني أن الديموقراطيين والجمهوريين ممن سيصوتون لإدانة ترامب سيبلغ عددهم 55 فقط، وهو ما يضمن تبرئة ترامب في محاكمته بتهم التحريض على العنف الذي أدى لاجتياح مؤيديه مبنى الكونغرس يوم 6 يناير.

ومازال ترامب متمسكا بروايته عن حصول تزوير في الانتخابات الرئاسية التي أقيمت في الثالث من نوفمبر، وهو على الرغم من خروجه من البيت الأبيض وانتقاله للسكن في ولاية فلوريدا الجنوبية، لايزال يرفض توقيع اسمه على انه «الرئيس السابق» على غرار ما يفعل الرؤساء الأميركيون السابقون الذين يفتتحون مكتباً يسمونه مكتب الرئيس السابق، مثل بيل كلينتون وجورج بوش وباراك أوباما.

كذلك، يرفض ترامب تسمية جو بايدن بالرئيس، وهو ما بدا جلياً في المطالعة التي أرسلها محامو ترامب إلى مجلس الشيوخ كدفوع شكلية ضد محاكمته، وأشاروا في المطالعة إلى بايدن بتسميته «نائب الرئيس السابق».

في هذه الأثناء، برزت شخصية أخرى من معارضي ترامب من الجمهوريين، وهي النائب عن ولاية وايومينغ وابنة نائب الرئيس السابق ديك تشيني، ليز، والتي تشغل المنصب الثالث في تراتبية الكتلة الجمهورية في مجلس النواب.

وكانت تشيني واحدة من بين عشرة جمهوريين في الكونغرس ممن صوتوا لصالح إدانة ترامب ومحاكمته مرة ثانية، وهو ما أثار غضب أنصار الرئيس السابق، الذين دعوا لطردها من الحزب وانتزاع منصبها القيادي ومقعدها النيابي.

لكن التصويت على التراتبية داخل الكتلة الجمهورية في الكونغرس تتم بطريقة سرية، فحازت تشيني على 145 صوتاً مؤيداً لحفاظها على منصبها، مقابل 61 من النواب الجمهوريين ممن اقترعوا ضدها، وهو تصويت حاز اهتماماً كبيراً في الأوساط الأميركية، اذ أظهر أن غالبية الكتلة الجمهورية تقترع ضد ترامب في الكونغرس عندما يكون الاقتراع سرياً، وتقترع معه، علناً، ما يعني أنها تعارض الرئيس السابق سراً، لكنها تؤيده علناً خوفاً من عنف أنصاره، أو من إمكانية نجاح هؤلاء الأنصار في القضاء على مستقبلهم السياسي.

هكذا، بدأت تشيني تبرز في مقام الزعيم المضاد لترامب، وهي تصور نفسها على أنها تقود الاعتدال وحركة تصحيحية داخل الحزب للإطاحة بالرئيس السابق وقبضته على الحزب، ما يعني أنه إن نجحت تشيني في مساعيها، فهي قد تترشح للانتخابات الرئاسية عن حزبها.

تشيني توجهت لمناصري الحزب بدعوتهم لعدم «احتضان الرئيس السابق».

وقالت «لا يمكننا ببساطة التغاضي عن النظر إلى الماضي، أو التظاهر بأنه لم يحدث، أو محاولة المضي قدما».

وتابعت: «لسنا حزب كيو أنون (نظريات المؤامرة التي يتداولها الجمهوريون عبر وسائل التواصل الاجتماعي)، (ولسنا حزب) معاداة السامية أو منكري الهولوكوست أو تفوق البيض أو نظريات المؤامرة».

وختمت تشيني: «هذا ليس ما نحن عليه، بل نحتاج أن نؤكد أننا كجمهوريين نحن حزب الحقيقة، وأننا صادقون بتقديمنا رواية لما حدث بالفعل في العام 2020».

إلى ذلك، وفي اليوم الأول من المحاكمة، قدم الديموقراطيون عرضاً يؤكد دستورية محاكمة رئيس سابق صار مواطنا عادياً.

وعرض النائب عن ولاية ميريلاند جايمي راسكين، وهو الذي يقود فريق الادعاء، فيلماً أظهر فيه تصريحات ترامب، ومزجها بتصرفات الغوغاء التي اجتاحت مبنى الكونغرس وارتكبت أعمال عنف.

وتوجه راسكين للشيوخ، الذين تحولوا إلى هيئة محلفين، بالقول: «لن تسمعوا مني محاضرة دستورية لأن القضية التي سأقدمها أمامكم مبنية على الوقائع فحسب، وعلى تسلسل الأحداث وترابطها».

بدوره، نأى البيت الأبيض بنفسه عن المحاكمة وأحداثها لاعتقاد بايدن أن الموضوع لا يعني رئاسته، وأنه سيستهلكها ان انغمس في المعمعة، وسيلطخ صورة بايدن بصفته الرئيس الجامع الذي يسعى لإنهاء الانقسام وإعادة الوئام بين الأميركيين في مرحلة ما بعد ترامب.

وفي ولاية جورجيا، أعلنت نيابة دائرة فولتون، أمس، فتح تحقيق جنائي مع ترامب، في قضية محاولته إلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية.