اليوم امتحان للحياة السياسية الكويتية. أن تكرم فيه أو تهان فأمر يتعلق بمستوى الأداء السياسي للنواب عموماً وللنواب المستجوبين خصوصاً.
اليوم امتحان، وليكن استجواب وزيرة التربية مناسبة حقيقية للارتقاء بالممارسة البرلمانية إلى آفاق جديدة تعيد لمجلس الأمة حضوره التشريعي الرقابي بدل إبقائه أسير صورة التأزيم والتصعيد والمناكفات والسجالات. وليقتد المستجوبون بالمساءلة الراقية التي قدمها زميلهم الدكتور حسن جوهر لوزير التربية السابق الدكتور مساعد الهارون عام2002.
 والأحد امتحان كبير أيضاً، حيث سيلتقي صاحب السمو الكتل النيابية لإعادة التذكير بالضوابط ومبدأ فصل السلطات والحدود الدستورية وأهمية التعاون بين المجلس والحكومة لما فيه مصلحة للكويت والكويتيين، خصوصاً أن الفرص المالية والنفطية والاقتصادية يجب أن تستغل الآن قبل أن تعبر مجدداً مدارها الزمني وننتظر عودتها عقداً أو عقدين.
أخي النائب
امتحان اليوم كبير، وامتحان الأحد كذلك. ولا يمكن لكويتي حريص على تطوير النظام السياسي والديموقراطية إلا أن يكون منحازاً تماماً للدور الأساسي المنوط بممثلين منتخبين من قبل الشعب، وخائفاً في الوقت نفسه على التجربة. ومن منطلق الحرص والخوف لا بد من كلام اقرب الى بلاغ من مواطنين.
أولاً، لا بد من القول ان الاستجواب حق لأي نائب، وهو حق مكفول دستورياً ومطلوب شعبياً حتى تستقيم مسيرة الإدارة وتتحصن القرارات الاساسية من الشطط والانحراف والتطرف، لكن الاستجواب ليس هراوة سياسية وظيفتها الأولى والأخيرة الإطاحة بالوزير بل هو أداة دستورية لمساعدته ومساعدة السلطة التنفيذية على التصحيح إذا وجد خلل بعيداً من التجريح والمصالح الانتخابية وتصفية الحسابات الشخصية... ولنتذكر أننا جميعنا كويتيون ولا نحتاج دروساً ومحاضرات في الالتزام بالقيم والثوابت الدينية والوطنية.
وثانياً، إن التعاون لا يعني التنازل، بل يعني التكامل لمصلحة الكويت، وهنا يمكن الفرز بين «قامة» المسؤول الحقيقي الهادف إلى تحقيق المصلحة العامة و«شخصية» السياسي الذي يريد تحقيق مكاسب ظرفية.
وثالثاً، يجب أن يدرك النائب المنتمي إلى «حدس» أو الحركة السلفية بمختلف أطيافها، أو «العمل الوطني» أو كتلة العمل الشعبي أو المستقلين او اي قبيلة او طائفة أنه منتم إلى الكويت قبل ذلك كله، وأن الوطن فوق كل الانتماءات الأخرى مهما كانت أساسية. النائب مرشح عن دائرته لكنه يمثل الأمة جمعاء حين ينتخب، وعند الظروف المصيرية تحضر الكويت وتتقلص الانتماءات القبلية والحزبية والطائفية والمناطقية والسياسية.
 وبقدر حرصنا على مجلس الأمة واستمرار مسيرته بقدر ما نتمنى حصول قراءة نيابية دقيقة للواقع الذي آلت إليه الأمور في المجلس وصورة البرلمان أمام الناخبين. هذه القراءة تتطلب على المدى الطويل تصحيحاً لمسيرة العمل ومراجعة ذاتية قائمة على تحقيق هدف المصلحة العامة، وتحتاج على المدى القصير المرحلي أن يقوم النواب الخمسون بـ «فزعة رجل واحد» للكويت من خلال تقييم سريع للممارسة والسلوك والعمل فوراً على إعادة الاستقرار إلى العلاقة بين السلطات والسماح بدوران عجلة التنمية والمشاريع.
أخي النائب
اليوم امتحان والاحد امتحان، فلقاء صاحب السمو في مثل هذه الظروف ليس بروتوكوليا عاديا وانما هو لقاء مفصلي ستتحدد على اساسه التزامات وتعهدات. وعلى اعضاء السلطة التشريعية الكرام ان يضعوا في اعتبارهم ان كل كويتي يتطلع الى ان يلاقي النواب ارادة القيادة العليا للبلاد بارادة مماثلة، والنيات الطيبة بنيات مماثلة، والروحية الديموقراطية وسعة الصدر بمسؤولية في الممارسة وتغليب للمصلحة العامة على كل المصالح الاخرى.
نريد للبرلمان ان يكمل ولايته، وللتعاون مع الحكومة ان يكمل مسيرته، وللعلاقة بين السلطات ان تكمل توازنها، ولعجلة التنمية ان تكمل دورانها... ولن يتحقق ذلك الا اذا حصلت المراجعة التصحيحية الذاتية من قبل النواب الافاضل انفسهم على المديين، الآني للخروج من الازمة الراهنة وتبديد الاحتقان السياسي، والمستقبلي لتطوير النظام السياسي وارساء الاسس الكفيلة لتثبيت الاستقرار.
 مجلس الامة هو القلب النابض بالحرية والديموقراطية... وازالة بعض السدود وفتح بعض الشرايين المغلقة كفيلان باطلاق دورة دموية جديدة تتوزع على الجسد الكويتي برمته لتنشيط وظائفه.
أخي النائب، أمل الكويتيين عليك في الامتحانين كبير فلا تخذلهم، والامل بلاغ بان تسمو المسؤولية الوطنية والممارسة الحضارية فوق كل الامور... اللهم إنا بلغنا فاشهد.

جاسم بودي