من وجهة نظر المعنيين بالشرق الأوسط، يبدو قيام الرئيس المنتخب جو بايدن بتعيين وكيل وزير الخارجية السابق بيل بيرنز مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي اي) متمحوراً حول إيران. إذ سبق لبيرنز أن كان واحداً من اثنين ممن شاركوا في المفاوضات الأميركية السرية في مسقط، والتي أفضت إلى الاتفاقية النووية.
لكن المقربين من فريق بايدن يعتبرون أن اختيار بيرنز، الذي سبق أن عمل سفيراً في موسكو ويتقن الروسية، هو جزء من خطة بايدن لمواجهة القرصنة الإلكترونية الروسية للشبكة الأميركية.
قبل أسابيع، أعلنت وكالات فيديرالية متعددة أن «هاكرز» قاموا باختراق الكومبيوترات الخاصة بها، بما في ذلك أجهزة أكثر من وكالة استخبارات، في مسعى - يبدو أنه روسي - لانتزاع هويات عملاء استخبارات أميركيين يعملون سراً داخل روسيا. كما حاولت موسكو اختراق شبكة وزارة الطاقة الأميركية، وهي المسؤولة عن ترسانة الولايات المتحدة النووية، للحصول على الشيفرة النووية أو على أسرار أخرى.
ويطلق العارفون في واشنطن لقب «الإطفائي» على بيرنز، بسبب لجوء الحكومة إليه لتولي الأزمات المعقدة، وهو غالباً ما ينجح بتذليلها. وسبق لبيرنز أن عمل في منصبه، كرجل ثانٍ في وزارة الخارجية، في إدارات جمهورية وديموقراطية، وهو يتمتع باحترام وتأييد من الحزبين، ومن المتوقع أن تكون المصادقة على تعيينه سهلة في مجلس الشيوخ.
ايران ستكون جزءاً من الملفات المتعددة التي ستمر على مكتب بيرنز في «سي آي اي»، وهو لا شك سيلعب دوراً محورياً في التقييم الذي ستقدمه الوكالة حول تطورات البرنامج النووي الإيراني، ومدى خطورته أو عدمها.
ويقول من سبق أن عملوا مع بيرنز أنه أحد أكبر المتمسكين بعدم «تسييس التقارير الاستخباراتية»، أي تقديم المعلومات من دون محاولة التأثير في قرار السياسيين.
وكان بيرنز أحد المعارضين للحرب الأميركية في العراق، لضعف مصداقية التقارير الاستخباراتية حول أسلحة الدمار الشامل، بحسب أحد احتجاجاته.
الدور الثاني الذي تلعبه الوكالة، التي سيتسلمها بيرنز، يتمحور حول ملاحقة مطلوبين، حول العالم، ممن تصنفهم الولايات المتحدة «إرهابيين». وتعمل وكالات الاستخبارات على تحديث معلوماتها بشكل دوري حول أماكن تواجد وتنقل كل من تصنفهم واشنطن بمثابة أعداء.
ويوم أمر الرئيس دونالد ترامب بتصفية قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني، كانت العملية مبنية على «العيون الساهرة» لـ «سي آي اي» بملاحقة قاسم سليماني وغيره، وهي التي قدمت «فرصاً» مكّنت إحداها الجيش من ضربه.
لكن على حساسية دور الوكالة ورئيسها، إلا أن دور بيرنز لن يكون كبيراً داخل العاصمة الأميركية، إذ ان بايدن اختار افريل هاينس، لإدارة الأمن القومي، وهو المنصب الذي يعطي من يشغله عضوية في اجتماعات الحكومة، أي أن هاينس أعلى تراتبيا من بيرنز، الذي سيقدم تقاريره إليها، وهي التي تقرر ما الذي يتم عرضه على السلطة السياسية.
أما هاينس، فشخصية مثيرة للاهتمام والجدل، إذ سبق لها، في أدوار سبق أن لعبتها في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، أن صممت برنامج «تصفية الأعداء» باستخدام مسيّرات، في المناطق التي لا تكون الولايات المتحدة منخرطة في حرب فيها، مثل اليمن أو العراق، وهو البرنامج نفسه الذي استخدمه ترامب لتصفية سليماني.
وسبق لهاينس أيضاً أن رفضت دعوات الديموقراطيين لمحاسبة مسؤولي «سي آي اي» في مناسبتين: الأولى على اثر قيامهم بإتلاف أشرطة الفيديو التي تم تسجيل عليها عمليات تعذيب معتقلين في سجون الوكالة خارج أميركا، والثانية على اثر قيام عاملين في الوكالة باختراق شبكة «لجنة الاستخبارات» في مجلس الشيوخ، التي كانت تحقق في موضوع اتلاف الأشرطة.
وتاريخ هاينس يشي بأنها - على غرار بيرنز - لا تتأثر كثيراً بالآراء السياسية، إذ أن إتلاف أشرطة الفيديو حدث في زمن إدارة الرئيس السابق جورج بوش، أما اختراق شبكة لجنة مجلس الشيوخ فحصل في زمن الرئيس السابق باراك أوباما، وطال لجنة كان يديرها الديموقراطيون برئاسة السيناتور عن ولاية كاليفورنيا دايان فاينستاين.
في المرتين، عمدت هاينس الى حماية موظفي الوكالة لاعتبارها أنهم كانوا ينفذون الأوامر، وأن المسؤولين الفعليين هم في رأس السلم التراتبي، أي السلطة السياسية الحاكمة.
كذلك وقفت هاينس في صف مديرة «سي آي اي» الحالية جينا هاسكل، ابان تعيين الأخيرة، ووصفتها بأنها «محترفة»، في محاولة لإبعاد صفة الحزبية عن وكالات الاستخبارات، ان في زمن أوباما أو في زمن ترامب، وقريباً في زمن بايدن.
وكانت هاينس من أبرز الداعين - في إدارة أوباما - الى «الاستدارة شرقاً»، أي جعل الشرق الأدنى، خصوصاً الصين وكوريا الشمالية، أولوية تتصدر على الشرق الأوسط.
ومن الخطط التي قدمتها هاينس مناورات على سيناريوهات، منها مقتل زعيم كوريا الشمالية، وانهيار النظام، والخطة المطلوبة للتعامل مع حالة من هذه النوع. ويتضمن السيناريو الاستعانة باليابان وكوريا الجنوبية لإدارة المرحلة الانتقالية التي تلي انهيار نظام كيم جونغ أون.
ويعتقد الخبراء أنه وقد صارت هاينس مديرة كل وكالات الاستخبارات، فهي قد تصمم كذلك خططاً للطوارئ في حال انهيار أنظمة أخرى حول العالم تطلب اهتماماً أميركياً، من دون أن تجبر واشنطن على التدخل عسكرياً لمنع تحول هذه الدول إلى «فاشلة» أو «مرتع للإرهاب».