إذا كنت عميلاً متعثراً، «فرداً أو شركة» ولم تدفع أقساطك لشهرين متتالين وأكثر، فلا تستبعد أن يأتيك اتصال من الجهة التمويلية، تبلغك بأنه إذا سدّدت أقساطك المتأخرة، فستحصل على خصم من قيمة قسطك المقبل، يتراوح بين 5 و10 في المئة، حسب تبويب قرضك.
بالطبع، هذا التحرك لا يشكل ظاهرة تشمل كل الجهات التمويلية، لكنه صدر بالفعل من إحدى شركات التمويل المحلية، التي فاجأت عملاءها المتعثرين لشهرين وأكثر، بهذا العرض، الموزع على أكثر من شريحة، فإذا كان العميل فرداً بإمكانه قبول التسوية المكتومة، بدفع أقساطه المتأخرة، والحصول على 5 في المئة من قيمة قسطه المستحق عن شهر يناير.
أما إذا كان العميل المتعثر عبارة عن شركة، أوضحت مصادر مقربة لـ«الراي» أنه كلما كانت فترة تعثرها في السداد أطول، تستطيع أن تحصل على أعلى ميزة خصم ممكنة في هذه المبادرة، والتي تصل 10 في المئة من قيمة القسط المقبل المستحق من مديونيتها، بغض النظر عما تشكله.
سداد المتأخر
ومن باب التبسيط، إذا كان عميل شركة التمويل التي قادت هذا التحرك عبارة عن فرد، وعليه قسطان متأخران، وهما على سبيل الاستدلال نوفمبر وديسمبر، بقيمة إجمالية تبلغ 1000 دينار، ما يعني أن قسطه المقبل عن يناير 500 دينار، فهنا يقُدّم له عرض بخصم يبلغ كحد أدنى 50 ديناراً من قسطه المستحق عن يناير، إذا سدد المتأخر عليه بالكامل.
وحسب المصادر، فإن مبادرة شركة التمويل في هذا الخصوص تمتاز بأنها مرنة، ويمكن أن ترفع نسبة الخصم على ألا يتجاوز ذلك نسبة 10 في المئة، سواءً كان العميل فرداً أم شركة.
ومحاسبياً، تعد الشركات المتعثرة أو التي تواجه تعقيدات موقتة الأكثر استفادة من مثل هذه التسويات على أساس أن أقساطها عادة ما تكون مرتفعة نسبة إلى حجم مديونياتها، ما يعني أن أي خصم ستحصل عليه سيقلل من كلفتها على الأموال، كما أن القبول بهذه التسوية الودية، سيحميها من تبويبها في خانة المتعثرين، قضائياً، ومحاسبياً، ومن ثم تفادي الإدراج في القوائم السوداء للعملاء غير المنتظمين في السداد، والذين يواجهون عادة صعوبات واسعة في الحصول على تمويلات جديدة، أو إعادة هيكلة مديونياتهم.
جدوى الخصم
وبعيداً عن جدوى هذا الخصم بالنسبة للعملاء، طرحت هذه المبادرة استفهاماً كبيراً حول الأسباب التي دفعت شركة التمويل لتقليل أرباح محفظتها التمويلية، بهذه الطريقة؟ تحليلياً، لا يبدو أن هذه الشركة تسعى لزيادة حصتها السوقية من محفظة القروض المحلية، ولذلك تقوم باستقطاب الزبائن بعروض تحفيزية غير تقليدية، خصوصاً أن المستفيدين من هذه المبادرة هم عملاؤها بالفعل، والمتعثرون تحديداً، وليس الجدد الذين يمكن أن يزيدوا من وزن المحفظة، كما تفعل بعض البنوك عندما تعمل على مغازلة شريحة معينة من عملاء المصارف المنافسة، بمنحهم مزايا استثنائية، من قبيل تقديم جزء من القرض بفائدة حسنة، والذي يتجاوز في بعض الحالات 10 آلاف دينار، فما السر إذاً؟
تعثرات واسعة
إلى ذلك، يفك مسؤولون مصرفيون شيفرة السر في هذا الخصوص، بأحد الاحتمالين، الأول أن الشركة صاحبة هذه المبادرة الاستثنائية تواجه موجة واسعة من التعثرات، سواءً على صعيد قطاع الأفراد، أو الشركات، ولذلك تسعى إلى رفع قيمة مبالغها المحصلة في هذه الظروف الاستثنائية التي لا تزال تتضمن تسريحات للموظفين، وتوقف لأعمال بعض الشركات بالعديد من القطاعات.
ولفتوا إلى أن الشركة قد تستهدف تقليل حجم الديون غير المنتظمة، لأن ارتفاعها سيؤدي إلى تآكل رأسمال المحفظة، منوهين إلى أن وتيرة أزمة العملاء المتعثرين المتضررين من الأزمة، عقب عودة استقطاع الأقساط التي توقفت 6 أشهر، بسبب تداعيات أزمة كورونا، بدأت تأخذ منحى تصاعدياً لدى العديد من الجهات التمويلية.
أما التفسير الثاني، المحاسبي أيضاً والمرتبط بالاعتبار الأول، فهو أن هذه الشركة تسعى للحد من حاجتها لبناء المخصصات الاحترازية، أقله عن 2020.
فوفقاً للتعليمات الرقابية في خصوص بناء المخصصات، تكون البنوك وشركات التمويل في حاجة لبناء مخصصات إضافية على ديونها المتعثرة بواقع 100 في المئة في أكثر من حالة، منها إذا انتقل الخلاف على القرض إلى المحكمة، أو إذا توقف العميل عن سداد أقساطه لمدة 90 يوماً متصلة، دون أي مؤشرات أو مساع تؤشر إلى جدية التوصل إلى تسوية قريبة مع العميل.
تضخم محتمل
هذا يعني محاسبياً أن الشركة صاحبة المبادرة تواجه تضخماً محتملاً في بند مخصصاتها عن العام الحالي، ما يثير لديها المخاوف من أن يقود ذلك إلى اضطرارها لتكوين مستويات تلتهم غالبية الأرباح المحققة عن هذه السنة الصعبة، إن لم تكن جميعها، وفي هذه الحالة يلفت المصرفيون إلى أن الجهة التي تواجه مثل هذه الإشكالية عليها أن تضحي بجزء من أرباح فوائدها، مقابل الحد من حاجتها من المخصصات المكونة احترازياً.
ولعل ما يعطي هذا التوجه وجاهة أكثر لدى بعض الجهات، التشدد الذي يبديه «المركزي» في مسألة بناء المخصصات الاحترازية، حيث أكد على ضرورة التوسع في تكوين مستوياتها عن 2020، بما يسهم في رفع جدارة الملاءة المالية للجهات التمويلية في مقابلة أي انكشافات حصلت أو قد تحصل في المستقبل القريب أو المتوسط، في ظل الظروف الاستثنائية، إلى الدرجة التي لا يمانع أن يكون هذا التوجه على حساب أي بند آخر في الميزانية، وفي مقدمته الأرباح السنوية، حتى لو استدعى التحفظ التخلي نهائياً عن إعلان نمو بالأرباح بـ2020 مقابل تدعيم المصدات.
زيادة مطردة في الديون غير المنتظمة
يرى مسؤولون مصرفيون أن جميع البنوك وشركات التمويل قامت بعد عودة الأقساط بجرد محافظها الائتمانية، وذلك في مسعى منها للتفتيش عن أي تعثرات طارئة استجدت عليها بسبب تداعيات «كورونا»، مشيرين إلى أن بعض الجهات تواجه زيادة مطردة في مستويات ديونها غير المنتظمة.
ويلفتون إلى أنه إذا كانت الحالة العامة لجهة انتظام الديون مستقرة، ولا توجد أي مخاطر مقلقة حتى الآن، إلا أنه لا يمكن تجاهل حقيقة أن معدلات التعثر شهدت تصاعداً منذ بدء العودة إلى استقطاع الأقساط، لا سيما مع الإغلاقات وإجراءات الحجر، سواءً كان جزئياً أو كلياً، وما ترتب عليهما من تسريحات لشريحة واسعة من الموظفين، وخفض رواتب أخرى، أما بالنسبة للشركات، فجزء منها تعرض لضغوط كبيرة في تدفقاته النقدية إلى الحدود التي قللت قدرة بعض الشركات على الالتزام بدفع أقساطها.
المخصصات خفضت أرباح البنوك 51 في المئة
سجلت البنوك الكويتية في الأشهر الـ9 الأولى من 2020 أرباحاً إجمالية بلغت 365.453 مليون دينار، متراجعة بنحو 51 في المئة، مقارنة بمستواها في الفترة المقابلة من العام الماضي عندما بلغت 744.707 مليون.
وحقّقت البنوك العشرة إجمالي إيرادات تشغيلية بلغت 2.023 مليار دينار في 9 أشهر من هذا العام مقارنة بـ2.143 مليار في الفترة ذاتها من 2019، بانخفاض 5.62 في المئة، فيما زادت مخصصاتها خلال الفترتين بنحو 60.3 في المئة، وذلك من 491.619 مليون دينار إلى 788.142 مليون.
وجاء هذا الأداء نتيجة تداعيات فيروس كورونا، خصوصاً خلال الربعين الأول والثاني من العام الحالي، والتي أثّرت في مختلف الأسواق والقطاعات، في حين حققت البنوك قفزة في نتائجها خلال الربع الثالث، مقارنة بالربع الثاني، بنحو 329.6 في المئة، لتسجل إجمالي أرباح بلغت 146.337 مليون دينار مقارنة بـ34.063 مليون في الربع الثاني، وذلك نتيجة لما تخلله الربع الثالث من تسريع لإجراءات العودة للحياة الطبيعية وفتح الأسواق.