شهد العام 2020 زحمة بطولات دولية على صعيد كرة القدم، أبرزها كأس أمم أوروبا و«كوبا أميركا»، أسفرتا عن تمخّض بطلين، بطبيعة الحال: أولهما نجح في نقل سطوته العالمية إلى الساحة القارية، وثانيهما عاد مكلّلاً بالغار بعد غياب طويل عن منصات التتويج امتد 27 عاماً، فيما آلت جائزة «الكرة الذهبية» التي تمنحها مجلة «فرانس فوتبول» لأفضل لاعب في العالم، إلى نجم لا ينتمي إلى إحدى «الدول العظمى».
أقيمت النسخة 16 من بطولة أمم أوروبا للمرة الأولى هذه السنة في 12 مدينة تنتمي إلى 12 دولة من دول الاتحاد الأوروبي للعبة، بمشاركة 24 منتخباً، وتوّجت فرنسا بطلةً، وإن بصعوبة، بعد فوزها على إنكلترا في النهائي على استاد «ويمبلي» في لندن بركلات الجزاء الترجيحية بعد انتهاء الوقتين الأصلي والإضافي بالتعادل السلبي.
ونجحت فرنسا في تقاسم زعامة «القارة العجوز» بثلاثة ألقاب مع كل من ألمانيا، بطلة 1972 و1980 و1996 وإسبانيا بطلة 1964 و2008 و2012، بعدما سبق لها التتويج مرتين في 1984 و2000.
امتد «يورو 2020» بين 12 يونيو و12 يوليو، وسبق للرئيس السابق للاتحاد الأوروبي للعبة، الفرنسي ميشال بلاتيني، أن صرح بأن استضافة 12 مدينة مختلفة للمنافسات ما هو إلا حدث «رومانسي» يحدث لمرة واحدة، للاحتفال بالذكرى 60 لولادة البطولة.
واستضاف «ويمبلي» أيضاً منافسات الدور نصف النهائي، فيما كان النهائي الثاني الذي يشهده الملعب نفسه، بنسخته الجديدة، بعد نهائي نسخة 1996 التي عاشت تتويج ألمانيا باللقب على حساب جمهورية تشيكيا 2-1.
وشهدت هذه النسخة استخدام تقنية حكم الفيديو المساعد «VAR» للمرة الأولى في تاريخ البطولة، كما ارتفعت قيمة الجوائز المالية المقدمة من الاتحاد الأوروبي بواقع 49 مليون يورو، حيث بلغ مجموعها ما يقارب 317 مليوناً، بينما بلغ في نسخة 2016 ما يقارب 268 مليوناً.
لقب طال انتظاره من أوروبا إلى أميركا الجنوبية، حيث نجح نجم برشلونة الإسباني، الأرجنتيني ليونيل ميسي، في منح بلاده لقبها الدولي الأول منذ 1993 من خلال قيادتها إلى النقطة الأعلى من منصة التتويج في بطولة «كوبا أميركا 2020» والتي استضافتها بالمشاركة مع كولومبيا بين 12 يونيو و12 يوليو.
وتألق ميسي بشكل كبير بعدما سجل هدفي منتخب بلاده في مرمى غريمه البرازيلي في المباراة النهائية للنسخة 47 من البطولة، والتي تابعها 46692 متفرجاً اكتظت بها مدرجات «استاديو ميتروبوليتانو روبرتو ميلينديز» في بارانكيلّا (كولومبيا).
ولا شك في أن الأرجنتين ضربت ثلاثة عصافير بحجر واحد، فقد تغلبت على غريمتها البرازيل، وعادت إلى منصات التتويج بعد طول غياب، ونجح نجمها ميسي أخيراً في تحقيق حلمه المتمثل في إحراز لقب على الأقل مع «راقصي التانغو».
وكان «ليو» يحتاج إلى هذا اللقب كي يحظى بمودة الشعب الأرجنتيني الذي لطالما تغنّى بدييغو أرماندو مارادونا بعدما قاد «بلاد الفضة» للتتويج بكأس العالم 1986 في المكسيك، وعاب على «البرغوث» تألقه المدوي مع فريق برشلونة مقابل فشله المطلق مع المنتخب... قبل «كوبا أميركا 2020».
وتوّج ميسي هدّافاً للبطولة بستة أهداف، متقدماً على زميله السابق في برشلونة، ولاعب باريس سان جرمان الفرنسي الحالي، نيمار دا سيلفا (5).
شارك في البطولة 12 منتخباً وُزِّعت على مجموعتين ضمت الأولى الأرجنتين، أستراليا، بوليفيا، الأوروغواي، تشيلي والبارغواي، والثانية كولومبيا، البرازيل، قطر، فنزويلا، الإكوادور والبيرو.
ورفعت الأرجنتين رصيدها من الألقاب إلى 15 معادلةً الأوروغواي في المركز الأول، فيما تحتل البرازيل المركز الثالث بتسعة ألقاب.
«الأخضر واليابس» من الألقاب الجماعية إلى أبرز الجوائز الفردية، «الكرة الذهبية»، التي كانت من نصيب اللاعب الذي لا يختلف اثنان على أحقيته فيها: البولندي روبرت ليفاندوفسكي الذي «أكل الأخضر واليابس»، مع فريقه بايرن ميونيخ الألماني، في الموسم الفائت.
فقد انتزع «العملاق البافاري» الخماسية المتمثلة في الدوري والكأس الألمانيين ودوري أبطال أوروبا وكأس السوبر الألمانية وكأس السوبر الأوروبية.
وعلى الصعيد الشخصي، أضاف النجم البولندي ألقاب هداف الـ«بوندسليغا» (34 هدفاً) وكأس ألمانيا (6 أهداف) ودوري الأبطال (15)، وأصبح ثاني لاعب فقط في التاريخ يقود فريقه إلى الفوز بثلاثية، بينها لقب دوري الأبطال، ويتصدر قائمة الهدافين في البطولات الثلاث في الموسم ذاته.كما لم يترك أيَّ جائزة فردية إلا وخطب ودّها، فقد فاز بجائزة أفضل لاعب في العالم من قبل الاتحاد الدولي (فيفا) متفوقاً على البرتغالي كريستيانو رونالدو وميسي، وجائزة أفضل لاعب في أوروبا من قبل الاتحاد الأوروبي (يويفا) متقدماً على منافسيه البلجيكي كيفن دي بروين وزميله حارس المرمى الألماني مانويل نوير، فضلاً عن تتويجه بجائزة «غلوب سوكر» على حساب رونالدو وميسي أيضاً، خلال مؤتمر أبو ظبي الرياضي الدولي، في الإمارات، قبل أن يضيف إليها «الكرة الذهبية» متفوقاً على رونالدو ونوير.صحيح أنّ جائزة «الحذاء الذهبي» التي تمنح سنوياً كانت من نصيب لاعب لاتسيو الإيطالي، تشيرو إيموبيلي، والذي تفوق على ليفاندوفسكي بهدف (35 مقابل 34)، بيد أن الدوري الإيطالي يشتمل على 38 مباراة يخوضها كل فريق، بينما يقتصر الدوري الألماني على 34 مباراة، وهو ما يعطي الأول فرصة أكبر لهزّ الشباك، مقارنةً بالثاني.
عالم افتراضي في عالمٍ وسنةٍ من دون فيروس «كورونا»، كان لكلّ ما قيل آنفاً، ربما، أن يجد طريقه إلى أرض الواقع، بيد أن ما قيل لا يغدو عن كونه فصول افتراضات.
والواقع مرير، فقد أدت الجائحة إلى تأجيل «يورو 2020» وربما، تجميد حلم فرنسا بتحقيق ثنائية «كأس العالم - كأس أوروبا» للمرة الثانية في تاريخها بعد «1998 و2000».
ففي 17 مارس الماضي، أعلن الاتحاد الأوروبي للعبة عن تأجيل موعد البطولة إلى العام المقبل بسبب تفشي «كورونا» في «القارة العجوز»، وبذلك ستقام بين 11 يونيو و11 يوليو 2021، وهو ما تم تأكيده رسمياً في 17 يونيو الماضي، بيد أنها ستحتفظ باسم «يورو 2020».
من جهته، أعلن الاتحاد الأميركي الجنوبي للعبة (كونميبول)، في 17 مارس، تأجيل «كوبا أميركا 2020» بسبب تفشي الوباء، لتقام في العام المقبل، كما هو متفق عليه في الأرجنتين وكولومبيا، وذلك في الفترة من 11 يونيو إلى 10 يوليو، على أن تحمل اسم «كوبا أميركا 2021».
أما «الكرة الذهبية» فقد جرى حجبها هذه السنة من قبل مجلة «فرانس فوتبول»، للمرة الأولى منذ ولادتها في 1956، مع العلم أن ليفاندوفسكي كان المرشح الأول لانتزاعها، وهو عاتَبَ المجلة في حوار خاص معها على عدم تراجعها عن قرارها، كما فعل «فيفا» الذي عاد ليمنح جوائز «الأفضل».
وأعلنت «فرانس فوتبول»، في 19 يوليو الماضي، عدم منح «الكرة الذهبية» للعام 2020، نظراً إلى الظروف التي فرضتها الجائحة.
وبررت الخطوة بسلسلة من الأسباب، معتبرة أن «عاماً فريداً إلى هذا الحد لا يمكن ولا يجب، أن يتم التعامل معه كعام اعتيادي. في لحظات الشك، الامتناع أجدى من التشبث»، ورأت أن المساواة تقتضي منح «الكرة الذهبية» بناءً على قواعد مقارنة متكافئة، وأن ذلك لن يكون ممكناً «في ظل وقف مواسم البعض بشكل قاطع» واستكمال مواسم آخرين.
كان هذا حصاد العام 2020، لكن «عن بُعد»... على شاكلة حياتنا في الـ12 شهراً الماضية.