على وقع تصاعد الأزمة بين الحكومة العراقية والميليشيات المدعومة من إيران، وفي وقت يزور وفد عراقي طهران، شدد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، أمس، على أنه «لن يسمح بتهديد حرية العراقيين عبر السلاح المنفلت بالتحرك وتهديد حرية المواطن وأمنه وثقته بالعملية الانتخابية»، محذراً من أن «العراق على مفترق طرق».

وفي السياق، أشار الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، إلى «تنسيق متواصل بين بغداد وطهران»، مؤكداً أن إيران «لن تجر خلافاتها إلى منطقة أخرى (في إشارة الى العراق) ولا تتردد لحظة في الدفاع عن مصالحها».

وقال الكاظمي، في تصريحات نشرتها «وكالة الأنباء العراقية» الرسمية، «أنا رئيس وزراء مستقل ولا أنتمي لأي كتلة سياسية، والمهمة المركزية لحكومتنا هي إجراء انتخابات مبكرة باعتبارها حكومة استثنائية بكل المقاييس... حكومتنا نتاج لحراك شعبي من جهة ومطلب للمرجعية والقوى السياسية التي تنشد التغيير من جهة أخرى».

ورأى أن «الحكومات المتعاقبة منذ العام 2003 جعلت من الفترة الانتقالية فترة مستديمة، وهذا يُعد من أكبر الأسباب التي جعلت الآليات (الانتخابية) عقيمة. نحن الآن على مفترق طرق ونحن جادون لإتمام المهمة التاريخية التي أنيطت بنا».

وتابع الكاظمي: «لدينا فرصة للنجاح في استعادة ثقة الشعب بالدولة والنظام السياسي والآليات الديموقراطية بإقامة انتخابات نزيهة وعادلة من شأنها أن تحقق استقرار البلد.

نحتاج من القوى السياسية والبرلمان حسم موضوع المحكمة الاتحادية لكي نستكمل متطلبات العملية الانتخابية بالكامل».

وجاءت تصريحات الكاظمي بعد يوم على تداول وسائل إعلام محلية، أنباء عن إصدار القضاء مذكرات ضبط بحق شخصيات عسكرية ومدنية، بينها المسؤول الأمني في «كتائب حزب الله» أبوعلي العسكري، «على صلة بالمجموعات التي تطلق الصواريخ» على المباني الديبلوماسية والعسكرية في بغداد، خصوصاً المنطقة الخضراء، والمحافظات الأخرى.

وقال مصدر أمني، إن «من المتوقع أن يكون أبوعلي العسكري خارج العراق الآن».

وتداول ناشطون نسخة من وثيقة صادرة عن القضاء، تشير إلى أمر اعتقال بحق «العسكري»، واسمه حسين مؤنس.

يأتي ذلك بينما أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية أن وفداً عراقياً برئاسة مستشار رئيس الوزراء يزور طهران، من دون ذكر اسم رئيس الوفد، لكن مصادر عراقية أوضحت أنه «أبوجهاد الهاشمي» المقرّب من إيران، وأن الزيارة «تتعلق بتصاعد التوتر الإيراني - الأميركي ومواصلة الميليشيات العراقية الموالية لطهران استهدافها لمؤسسات عراقية ومنشآت وقواعد أميركية بينها سفارة واشنطن في بغداد».

وقال خطيب زاده، إن إيران «تؤكد على سياسة حُسن الجوار، ولم تسعَ أبداً لنقل نزاعها مع أي طرف إلى منطقة أخرى»، مشدداً على رفض «أي اعتداء على الأماكن الديبلوماسية والسكنية»، ومذكّراً بتعرّض منشآت ديبلوماسية إيرانية في العراق، لهجمات.

واعتبر الناطق أن توقيت ومضمون تصريحات وتغريدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو عن دور إيران في قيام الميليشيات العراقية بمهاجمة المصالح الأميركية، «مشبوهة ومضللة»، قائلاً: «نحن لا نسعى للتوتر وندافع بكل قوتنا عن مصالح إيران الوطنية والولايات المتحدة ستكون مسؤولة عن أي عمل عدائي».

وأكدت مصادر سياسية عراقية لـ«الجزيرة» «وجود تفاهم وتواصل مستمر» بين الحكومتين، وأن «الإيرانيين أبلغوا العراقيين أن هناك قراراً بعدم التصعيد في المنطقة».

وأضافت أن الحكومة العراقية «لا تتهم» إيران بالتصعيد معها إثرَ الهجمات الصاروخية على المنطقة الخضراء.

وتحدثت «الجزيرة» عن «وجود حراك ديبلوماسي لتفادي أي تصعيد في المنطقة»، وأن زيارة قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري إسماعيل قاآني إلى بغداد الأسبوع الماضي، تأتي «في إطار حرص الحكومتين على تجنب التصعيد الأيام الأخيرة من فترة الرئيس دونالد ترامب».

كما حذّرت إيران من تجاوز «خطوط حمر» متعلقة بأمنها في الخليج بعد تقارير صحافية عن تحركات لغواصة إسرائيلية باتجاه المنطقة.

وأعلنت البحرية الأميركية الأسبوع الماضي، أن غواصة نووية أبحرت في مضيق هرمز، في خطوة اعتبرت عرضاً للقوة مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لاغتيال اللواء الإيراني قاسم سليماني بضربة أميركية في العراق، وبعيد ذلك، نقلت تقارير صحافية أجنبية عن وسائل إعلام إسرائيلية، أنباء عن عبور غواصة إسرائيلية قناة السويس في طريقها إلى الخليج أيضاً.

وقال خطيب زاده، «يدرك الجميع ما يعنيه الخليج بالنسبة لإيران. ويدرك الجميع سياسات الجمهورية الإسلامية في إيران في مجال الأمن والدفاع الوطني، ويعرفون جيداً إلى أي حد سيكون الخطر مرتفعاً في حال أرادوا تجاوز الخطوط الحمر لإيران».

ولم تؤكد إسرائيل أو تنفي رسمياً التقارير عن تحرك غواصتها.

وقال خطيب زاده: «بعثنا عبر قنوات مختلفة برسائل للحكومة الأميركية ولأصدقائنا في المنطقة، لئلا يندفع النظام الأميركي الحالي نحو مغامرة جديدة في المنطقة في أيامه الأخيرة في البيت الأبيض».

ولم يحدد هذه القنوات. وأضاف: «نحن لا نبحث عن التوتر، لم نبحث عنه، ولن نبحث عنه، لا سيما في المنطقة. لكن ليس لدينا أدنى شك في الدفاع عن بلدنا»، مبديا أمله في أن «يتمكن العقلاء في واشنطن من ضبط التوترات».

من ناحية ثانية، أعلن مجلس القضاء الأعلى في العراق، أن التحقيقات في اغتيال نائب رئيس «الحشد الشعبي» أبومهدي المهندس والجنرال الإيراني قاسم سليماني في بغداد أوائل العام الجاري، «وصلت إلى مراحل متقدمة»، لافتاً إلى أن «قراراً قضائياً سيصدر خلال أيام بحق المتورطين في الجريمة».

من جهته، أكد الحرس الثوري مجدداً، أن «الانتقام القاسي» لاغتيال سليماني «آت في الطريق».