عانت شعوبنا الخليجية من الحرب العراقية - الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي، وعاشت معها استنفاراً أمنياً مقلقاً، توقّف عنده ركب التنمية ولم تستعد أنفاسها إلاّ بعد توقُّف الحرب عند (لا غالب ولا مغلوب)، توقّفت عندها أطماع النظام الإيراني في العراق واستبشرنا عودة الأمن والاستقرار إلى المنطقة.
لكن آمالنا ذهبت أدراج الرياح بعد الغزو الأميركي للعراق والسماح للنظام الإيراني بالتمدُّد فيه والتدخّل المباشر في شؤونه الداخلية. عبّر عن خيبة الأمل هذه وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل رحمه الله منتقداً«السياسة الأميركية، التي سلّمت العراق للنظام الإيراني، بعد أن فشل على مدى 8 سنوات في احتلال العراق، ولم تحترم إرادة شعوب الخليج وحكوماتها في التصدّي لأطماعه وسياساته العدوانية، لينكشف الغطاء عن ضبابية المواقف الأميركية العدائية تجاه النظام الإيراني، والتي يلخّصها كاريكاتير صحيفة الغارديان، إذ يقول فيه النظام الإيراني لنظيره الأميركي:«أنت الشيطان الأكبر فيرد الأميركي: أنت منبع الإرهاب» ويعطي كل منهما ظهره للآخر، بينما يصافحان بعضهما بين رجليهما.
لم يؤدِ اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني بغارة أميركية، إلى إعلان إيران الحرب على الولايات المتحدة، كما لم تعلن إيران الحرب على الكيان الصهيوني، الذي يشتبه بأن الموساد وراء اغتيال عالمها النووي محسن فخري زادة، فمصلحة إيران تتطلّب تجنّب الحرب غير المتكافئة والحفاظ على وجودها في العراق وسورية ولبنان، الذي يُمثّل لها متنفساً اقتصادياً يقاوم سياسة الحصار الأميركي، الذي لا يعلم كيف يؤتي ثماره، مع السماح لها بهذا التمدّد الذي يبعث فيها الحياة، والذي ينظر إليه على أنه من متناقضات السياسة الأميركية، التي لا تخدم استقرار المنطقة العربية، حيث تشعل فيها الصراعات الطائفية لتصب في مصلحة الكيان الصهيوني.
من المفارقات العجيبة أن إيران اليوم أُريد لها أن تلعب دور الفزّاعة في المنطقة العربية، وقد مارست الدور بامتياز في سورية والعراق ولبنان واليمن، لتعلن الولايات المتحدة عن الحاجة إلى إنشاء تحالف عربي - إسرائيلي لمواجهة التهديد الإيراني، وهي محاولة هدفها التطبيع مع الكيان الصهيوني، وفك عزلته في منطقتنا العربية لا أكثر، تحت تهديد خيال المآتة الإيراني الذي نصبه الأميركان في مزارعنا العربية.