ينص الدستور الكويتي في مواده من الأولى إلى الخامسة على أن الكويت دولة عربية تدين بالإسلام، وبأنها إمارة حكمها متوارث في ذرية مبارك الصباح، وتنص المادة السادسة منه على أن نظام الحكم في الكويت ديموقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً، ويتابع في مادته السابعة مؤكداً أن العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع، والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين.
حرص الدستور على تكريس هذه المفاهيم الحضارية الرائعة، وتوثيق الحقائق التاريخية الكويتية التي ارتبطت بنشأة الكويت وتكوينها في عهد ما قبل الدولة الحديثة - أي بنحو 370عاما مضت، وفي ضوئها وعلى هديها يكون فهم وتأسيس العمل السياسي في الكويت سواء التنفيذي أو التشريعي، أو بناء وتشكيل الرأي العام للأمة وأسلوب ممارستها لحقها في إبداء الرأي والإصلاح أو المعارضة بالمفهوم المعاصر، ومؤكداً ومثمناً للأسس التي تقوم عليها العلاقة بين المواطن والدولة وبينه وبين الأمة.
إن ما يجري في الكويت من أحداث أو تصعيد متعمد لأحداث جرى تحويرها، يخرج على الأطر الدستورية وقيم الدولة العامة، ويهدد انسجام المجتمع الممتد عبر مئات السنين، بعد محاور مواجهة ساخنة بين مكوناته وطبقاته المتجانسة والمتكافلة من جانب، ومصدر لكيل الاتهام للحكومة وللدولة بالعجز عن تحقيق طموحات الأمة، فبعد نجاح الـ41 مرشحاً جديداً في نيل شرف تمثيل الأمة في الفصل التشريعي الـ 16 فوجئ الكويتيون بمساعٍ حثيثة منهم تهدف إلى إسقاط الرئيس الحالي للمجلس، وتنحيته عن منصبه في حملة منظمة ضده شهدت اجتماعات تشاورية للنواب، انتهت بتزكية أحدهم خلفاً له، إلا أن انتخابات الرئاسة الفعلية - التي جرت الأسبوع الماضي - شهدت نجاح الغانم وسقوط مشروع الـ41 عضواً.
فقد تبيّن إخلال المتعاهدين بوعدهم وقسمهم على الوفاء باتفاق الإطاحة بالغانم.
لم يقبل منظمو المواجهة بنتائج الممارسة الديموقراطية الفعلية، واندفعوا في حماسة يطلقون الاتهامات التي طالت الجميع، بتسهيل نجاح الرئيس في الانتخابات العلنية المذاعة على الهواء، ولم ينج من تخوينهم أحد خارج تجمعهم.
كانت سيطرة المحتجين على وسائل التواصل الاجتماعي واضحة وكثيفة، بدرجة غير مسبوقة، مكنتها من أن توحي للمتابعين أن الأمة كلها تدعم موقفهم، فأرهبت الخصوم وصمت الجميع، واستمروا في نشر العداء ضد معارضيهم والتهديد بحشد الرأي العام بغرض إبطال الجلسات، وإشاعة مناخ حل المجلس لتفويت فرصة الرئاسة على الرئيس الغانم.
ورغم إنكارنا للحدة والاستعلاء ومحاولات الإقصاء في أسلوب عملهم، إلا أننا لا ننكر عليهم حقهم في الرأي والرؤية طالما كان ذلك في إطار الثوابت الكويتية والالتزام بدستور البلاد، ولكن لا نقبل حدة وشدة التصعيد وجفوة الخطاب وخلوه - وهو الأهم - من أي مبرر أو غاية أو نتيجة إيجابية في وقت البلاد فيه في أشد حالاتها حاجة للوحدة الوطنية وتضافر الجهود للخروج بها من مصاعب خطيرة لا سلطان لها عليها، خصوصاً أن خطر السيطرة على جائحة فيروس كوفيد 20 المتطور في تصاعد، واحتمالات نجاح الطعوم في السيطرة عليه لم تتأكد بعد، بالإضافة الى العجز المتراكم في الميزانية والكساد العالمي المتوقع زيادة حدته وتعقيد حلوله.
إن ما تشهده الكويت أمراً جللاً، و هو أقرب لشيوع الفوضى وخسارة الأمن و الأمان، لذا فعلى الدولة مسؤولية إشاعة الشعور بالتغيير إلى الأفضل للمجتمع، فتباشر مثلاً في مشروع تنموي عملاق مثل السكك الحديدية، وبناء الطرق أو المدن، أي كلما رفع أحدهم سيفاً فإن على الدولة اعتراضه بدروع الإنجاز، ورغم إيماننا المطلق بأهمية تعديل وإلغاء القوانين المقيدة للحريات والتوصّل إلى صيغة تفاهم مع قيادات المعارضة الحالية في الخارج، لتسود روح السماحة والصفح، التي تميز نظام الحكم في الكويت، إلا أنه لا ينبغي الموافقة عليه الآن حتى لا تكون سابقة انتصار لإرادة الفوضى والغوغائية، وعلى عقلاء هذه الأمة الجلوس مع المحتجين ومحاولة تحويل مطالبهم من المشاعر السلبية العامة، والشعور بالغبن، إلى مطالب عملية تصب في مصلحة البلاد، كتنويع مصادر الدخل بالتصنيع وتبني اقتصاد المعرفة، وتشجيع الاستثمار الأجنبي وتحديداً الاتفاقية مع جمهورية الصين الشعبية، وتكويت القطاع الخاص بعمالة مؤهلة متخصصة، يوفرها توجيه التعليم و الآليات الأخرى مثل التوسع في المشاريع الفردية.