أدى قسطه للعلا ورحل بهدوء. أسابيع فصلت بين غيابه ووداع والده أمير الإنسانية الشيخ صباح الأحمد وكأنّه يقول للقدر راضياً: مهما قسوت فسألتقي بمَن أحب.
بهدوء رحل، وبعكس حضوره الممتلئ نشاطاً وحيوية لاستعجال إنجازات طال انتظارها. لم يرد أن يكون عابراً في حكومات عابرة بل أراد ترك بصمة إصلاحية، وفتح الباب للآتين بعده كي يكملوا المسير.
لم يكن عابراً ولا تقليدياً ولا بيروقراطياً. أفكاره وأحلامه وطموحاته تختلف كثيراً عن دائرة «كتابنا وكتابكم».
تريدون مركزاً مالياً؟ فليكن إقليم الشمال الاقتصادي.
تريدون إنهاء عُقدة الاعتماد على النفط؟ فليكن تحويل الجُزر والموانئ والمناطق المحيطة بها مراكز دولية للتصنيع وإعادة التصدير.
تريدون الخروج من الطريق الذي أقفلته الملفات النائمة؟ فلتفتح طريق الحرير الإقليمية الدولية.
تريدون الإصلاح ؟ لتنشأ إذاً إرادة وطنية شاملة لمحاربة الفساد وإحالة الملفات كلها إلى القضاء العادل.
رجل خدم وطنه في مختلف المواقع التي شغلها، مهّد لثقافة التغيير إعلامياً قبل عقدين، وبقي مجاهراً بآرائه وأفكاره لاحقاً، وعندما تسلّم المنصب الوزاري أراد ترجمة ما يؤمن به عملاً تنفيذياً، فهو ليس طالب سلطة أو منفعة ولا يمكنه أن ينسجم إلّا مع نفسه، لذلك خاضَ مباشرة في ملفات الإصلاح الصعبة مُؤمناً بأنّ تجفيف البحيرة، ولو أخذ وقتاً أطول، فهو أفضل من رمي حجر كبير فيها لتحريك مياهها الآسنة.
لم يمهله القدر، وإن كان ، رحمه الله ، يتحدّى آلامه ومتاعبه ويواصل العمل وكأن المرض لم ينهكه. ثم أثقلت وفاة والده الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد كتفيه ولم يعد قادراً على مواجهة تعب الجسد وتعب النفس في الوقت نفسه... إلى أن اختاره العلي القدير إلى جواره.
عندما كانوا يتحدّثون أمام المغفور له الشيخ صباح الأحمد عن ابنه ناصر وكيف أنه يجسّد شعلة الشباب كان الشيخ صباح يبتسم ويقول «إن ناصر لديه أحفاد وتجاوز السبعين ومع ذلك لا يتحدّث عنه الناس إلا بصفته رمزاً شبابياً»... وفي ذلك كل الصدق لأن الشباب الذي آمن به الشيخ ناصر يعني التجدد الدائم في الفكر والتخطيط والتنفيذ والرؤية والممارسة السياسية.
رحمك الله يا «شيخ الشباب» وأسكنك فسيح جناته وألهم محبيك الصبر والسلوان... والقدرة على مواصلة مسيرة الإصلاح والتطور الاقتصادي.