لم يكن ينقص لبنان الذي يُسابق انفجارَ ما يشبه «قنبلة فراغية» من صناعة أزماته المتشابكة وتفنُّن طبقته السياسية بتوسيع «الحزام الناسف» من حول البلد المتهالك، سوى أن يسدّد «كورونا» ضربةً مفاجئة للزيارة التي كانت مقرَّرة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لبيروت في 22 و23 ديسمبر الجاري، لتتبدّد قطرةُ الضوء بأن ينجح «سيد الاليزيه» في تحفيز المعنيين لبنانياً على تَدارُك ما يشبه «التحطّم الانتحاري» عبر النأي بالبلاد عن جبهات المنطقة الباردة والمشتعلة.
ورغم أن لا أحد في بيروت كان يتوهّم بأن الأيام الفاصلة عن الزيارة الملغاة «كورونياً» لماكرون كانت ستدفع الأطراف الوازنة إلى خطواتٍ - تأخّرت حتى الساعة نحو 4 أشهر - في اتجاه الإفراج عن الحكومة الجديدة التي حددت لها باريس والمجتمع الدولي «دفتر مهمة» وسلّة مواصفات كمدخل لاستعادة لبنان «خيمة» الدعم الخارجي، إلا أن محطة الرئيس الفرنسي كانت منتظرة لقياسٍ «ميداني» لمنسوب غضب «سيد الاليزيه» من العبث بمبادرته وطريقة تعبيره عن هذا السخط، سواء عبر جدول لقاءاته أو حتى بعض المواقف المباشرة التي لم يبخل فيها سابقاً حين اتّهم الطبقة السياسية بـ «الخيانة الجماعية» على خلفية عدم الوفاء بتعهداتهم بتأليف حكومة إصلاحية.
وإذا كانت زيارة ماكرون «طارتْ» قسرياً وسط استبعاد أن تحصل قبل تسلُّم جو بايدن الرئاسة في 20 يناير المقبل، فإنّ أوساطاً مطلعة عبّرتْ عن اقتناعٍ متزايدٍ بأن الأسابيع الفاصلة عن هذا التطور قد تكون حُبلى بتطوراتٍ مخيفة لبنانياً وخصوصاً في ضوء السيناريوهات المتواترة عبر قريبين من فريق 8 آذار عن أعمال أمنية بتوقيع «خلايا نائمة» وأشكال أخرى، في ما بدا وفق الأوساط نفسها، أقرب إلى رمي المسؤولية عما سيكون أكثر منه من باب اعتبار ذلك حافزاً رئيسياً لسدّ مَنافذ «الرياح الساخنة» بدءاً من تسهيل تأليف حكومة تنال الرضا العربي والغربي.
وإذ كانت زيارة الرئيس المكلف سعد الحريري للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي مساء الاربعاء، استقطبت الاهتمامَ خصوصاً بعد الأبعاد الطائفية التي أُعطيت للخلاف بين الحريري والرئيس ميشال عون حول التشكيلة الكاملة التي قدّمها الأول، واعتبرها الثاني مُخالِفة لشروط الشراكة الحتمية في التأليف، برز موقف عربي على الموجة نفسها مع المقاربة الغربية للواقع عبّر عنها الأمين العام المساعد للجامعة العربية السفير حسام زكي الذي قام بزيارة استطلاعية لبيروت «للتعرّف على الوضع».
وقال زكي، الذي لم يحمل معه أي مبادرة، بعد زيارته عون «لست متأكداً أن استخدام مصطلح الحصار الاقتصادي والسياسي هو توصيف يعكس الوضع (...) الآن عندما ينظر المراقب من الخارج يرى ان هناك تعاملاً يشبه التعامل العادي مع أي وضع عادي لتشكيل حكومة، وكأن البلد لا يمر بأزمات حقيقية تهدد كيان الدولة ذاتها، كما نسمع من جميع السياسيين. القيادات اللبنانية عليها كل المسؤولية، من أجل إخراج البلد من هذه المنطقة الصعبة والدقيقة. وعندما يخرج سياسياً منها بتشكيل الحكومة المفترض، فإننا نتمنى ان يفتح ذلك الطريق امام كل مَن يريد ولديه نية مخلصة لمساعدة لبنان، إن كان عربياً أو أجنبياً».
في المقابل، برز كلام عالي النبرة لعون شدّد فيه على «مسؤولية الدول العربية في مساعدة لبنان على تجاوز الظروف الصعبة التي يمرّ بها لأنه تحمل الكثير في سبيل القضايا العربية وفي مقدمها قضية فلسطين».
ولم تحجب هذه التطورات الأنظار عن التحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت التي اتخذت منحى آخَر أمس، مع تعليق القاضي فادي صوان التحقيقات لعشرة أيام، وهي المهلة القانونية التي على المحقق العدلي أن يقدّم خلالها جوابه على طلب كفّ يده الذي قدّمه الوزيران السابقان المدعى عليهما غازي زعيتر وعلي حسن خليل «للارتياب المشروع» وتعيين محقّق آخر والذي أحيل على محكمة التمييز الجزائية.