... جميع الأصابع تتجه نحو إسرائيل، بل يمكن القول إنها وجهت أصابع الاتهام إلى نفسها في عملية اغتيال العالم الإيراني محسن فخري زاده، يوم الجمعة الماضي شرق طهران.
والسؤال الذي لا بد منه: هل نجحت إسرائيل في نسف المشروع النووي أو الصاروخي لإيران؟ وهل ستتأخر طهران في غياب فخري زاده، وتالياً ستخسر مشروعها النووي أو الصاروخي، أم الاثنين معاً؟ لقد أصبح مجموع العلماء الإيرانيين الذين اغتالتهم إسرائيل خمسة، بمن فيهم فخري زاده.
إلا أنها أنتجت منذ عام 2010 (تاريخ بدء اغتيال علمائها) وحتى هذا العام صواريخ ذكية مجنحة وصواريخ بالستية وصواريخ أرض - أرض وسطح - سطح ضد السفن وطائرات مسيرة مسلحة تجتاز أكثر من 1500 كيلومتر بتوجيه الأقمار الاصطناعية.
وبعدما ألغى الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاتفاق النووي، رفعت إيران مستوى التخصيب النووي ليتجاوز النسبة التي كانت عليها عام 2015 عندما توقفت عن التخصيب المتقدم التزاماً منها بالاتفاق مع الدول 5+1.
نجحت إسرائيل وأميركا، باغتيال اللواء قاسم سليماني والعالم فخري زاده، في إحراج إيران وضربها معنوياً لأن كل هدف في هذا المستوى من المسؤولية يعتبر رصيداً لإيران وتعتز به.
ولكن شطبهما لم يقتل أي مشروع، خصوصاً فخري زاده لأنه كان يعمل مديراً لمركز الأبحاث حيث يعمل فيه عشرات من العلماء.
وقبل اغتيال سليماني، كانت إيران تعيش حالاً سياسية متذبذبة حيث الانتقادات كانت تتراكم ضدها من الداخل، وكان فريق المعتدلين ومناصريه أقوى بكثير ويتمتع بشعبية تستطيع إحداث تأثر كبير في السياسة الايرانية في الداخل والخارج.
بعد اغتيال سليماني التفَّ أكثر الناس حول الحكومة والبرلمان والقيادة خصوصاً حول قادة الحرس الثوري، الذي أتقن دوره بعد إسقاط الطائرة الأميركية المسيرة، الأغلى في العالم في العام الماضي، فوق المياه الإيرانية، وعزز ذلك الشعور الوطني وليس الشعور الإسلامي.
وثمة من يعتقد أنه بعد اغتيال فخري زاده، التف من بقي خارج الدائرة التي ترفض أي تنازل لأميركا وأي اتفاق معها، وأصبح الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف وحيدين في صف الانفتاح على الولايات المتحدة وأوروبا، اللذين لم يتفقا مع بعضهما البعض حول الملف النووي وطريقة إدارته، إلا أن أوروبا لم تفعل أي شيء لاحترام الجزء الذي تعهدت به خوفاً من انتقام ترامب.
ومن الطبيعي أن يقود إيران في المرحلة المقبلة رئيس جمهورية بعيد كل البعد عن الاعتدال تجاه أميركا وأوروبا من دون أن يكون القصد بالضرورة هو معاداتهما.
فالهدف عدم التنازل خطوة واحدة في أي ملف خارج الاتفاق النووي وعدم البحث في أي شأن آخر من دون أن يكون هناك أمل من عدمه في التوصل إلى اتفاق إلا بعد إزالة كل العقوبات على إيران التي جاءت باتفاق باراك اوباما عام 2015.
وستظهر الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو المقبل نتائج السياسة الأميركية وحصارها على هوية الرئيس المقبل.
لم يربح بنيامين نتنياهو شيئاً على المستوى الداخلي لأن تحالفه مع وزير دفاعه بيني غانتس، فشل، وسيكون على موعد مع انتخابات جديدة مجهولة النتائج، وهو يواجه تظاهرات يومية منذ أشهر أمام منزله تطالب بالإطاحة به ومحاكمته بتهم الفساد والرشوة، بينما هو يفعل المستحيل للبقاء خارج السجن.
بغض النظر عن تفاني أكثر الإدارات الأميركية في خدمة إسرائيل، إلا أن نتنياهو يحاول إفساد الأمور على الرئيس المنتخب جو بايدن قبل وصوله إلى البيت الأبيض، ليتسبب بحرب أو أقله بتشدد إيراني لا مثيل له بعد كل ما فعله لدفع ترامب الى تمزيق الاتفاق النووي.
في كل الأحوال، لن يجد بايدن الطريق معبدة لإعادة الاتفاق النووي إلى مساره.
بل من المؤكد أنه سيجابه مقاومة إسرائيلية شديدة وكذلك مقاومة داخلية من الصقور من الطرفين الجمهوري والديموقراطي للمطالبة بإدخال تعديلات سترفضها إيران من دون شك.
وتعتبر أوروبا أن اغتيال فخري زاده لن يؤخر إيران من الحصول على التكنولوجيا النووية الكاملة، وهو ما تؤكده مصادر على بينة من الأوضاع في إيران لـ«الراي» عبر القول، إن «طهران لو أرادت الوصول إلى الطاقة النووية العسكرية لفعلت ذلك ولما تجرؤ كل من إسرائيل وأميركا على اغتيال أي عالم نووي أو لواء عسكري».
ويقول بايدن، إنه سيعود إلى الاتفاق النووي، إذا التزمت طهران بنوده. ويرد البرلمان الإيراني بأن «التصعيد يقابله التصعيد» وان على طهران إثبات في الأيام المقبلة أن تطور صناعتها النووية وإنتاج تخصيب متقدم هو الرد التقني، وأن الرد الانتقامي سيحصل في حينه.
وكان مجلس الشورى أقر التعديلات، بالعمل على التخصيب الأعلى (20 في المئة) وتعليق البروتوكول النووي. وقد رفضت الحكومة هذا القرار، واعترضت عليه من خلال تلميح روحاني بأن هذه الخطوة ستفقد إيران حلفاءها الذين وقفوا معها مقابل التشدد الأميركي برفض الاتفاق.
لدى الحكومة الإيرانية بضعة أشهر في الحكم تتناغم من وجود بايدن في الرئاسة، لتقول له إن البديل عن الاتفاق النووي هو الخروج الكلي من أي اتفاق.
إلا أن قرار البرلمان غير ملزم للحكومة، لأن المرشد الأعلى قد سلم الملف النووي للمجلس الأعلى للأمن القومي.
وفي حال الخلاف بين المجلس الأعلى ومجلس صيانة الدستور، يذهب القرار النهائي إلى مجمع تشخيص النظام الذي يصبح القرار أي قرار الزامي في كل ما يصدر عنه.
إذاً، ربح التشدد بوجه إسرائيل مع احتمال كبير بأن تذهب طهران إلى الدورة النووية الكاملة.
فهل هذا ما يريد نتنياهو تحقيقه بقتل فخري زاده؟
وقال إن التحقيقات «تجري من كل الجوانب، وسيتم إعداد طبيعة الرد بعد انتهاء التحقيقات».
أميركياً، نقلت «سي إن إن»، من ناحية ثانية، عن مسؤول أميركي، أن إسرائيل تقف خلف اغتيال فخري زاده، لكنه رفض الكشف عن تفاصيل حول ما إذا كانت إدارة ترامب على اطلاع مسبق على العملية.
ولم تتزايد وتيرة التهديدات للمصالح الأميركية في المنطقة، لأن إيران اتهمت إسرائيل بعملية الاغتيال، وفق المسؤول، «لكن الأميركيين يعتقدون أن الإيرانيين لم ينتقموا بعد لمقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني، وهذا ما تراقبه أجهزة الاستخبارات الأميركية في الوقت الراهن»، بحسب ما أضاف.
وفي نيويورك، وبعد بضع ساعات من اغتيال فخري زاده، طالبت طهران مجلس الأمن، بإدانة الواقعة واتخاذ إجراء مع من يقفون وراءه، لكن ديبلوماسيين رجحوا ألا تلقى الدعوة آذاناً صاغية.
وربما يناقش المجلس المكون من 15 عضواً الواقعة في جلسة مغلقة، إن طلب أحد الأعضاء ذلك، أو ربما يوافق بالإجماع على إصدار بيان بشأن الأمر.