... إنه الذهول التام يخيّم على الكواليس الديبلوماسية في لبنان الذي يستعدّ لزمن «المطر الأسود» فيما مظلات الأمان الخارجية التقليدية التي لطالما شكّلت «واقي الصدمات» له في أحلك أزماته سُحِبتْ الواحدة تلو الأخرى، لتبقى البلادُ عالقةً بين سُحُب العاصفة الإقليمية التي تشي بجولاتٍ عاتية في الأسابيع السبعة المقبلة وبين حسابات الأطراف الوازنة في الداخل التي تمرّ فوق أنقاض دولةٍ تتقلّب فوق مؤشراتٍ كارثية.

ولم تَعُد الدوائر الديبلوماسية، تتكبّد حتى عناء رصْدِ يوميات «تنويم» ملف تأليف الحكومة الجديدة الذي تبرز محاولاتٌ لحصْر خلفيات تعثّره بخلافٍ مستحكم بين الرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل مع التعمية على خفاياه العميقة المتعلقة بزجّ البلاد في أتون الانهيار الكبير في غمرة تَحرُّك «الصفائح العملاقة» في المنطقة التي تبدو على مشارف تحوّلات تاريخية.

وجاء هذا المناخ المستقى من أوساط ديبلوماسية على «الموجة نفسها» لاستغراب مصادر مطلعة إشاحة بيروت بنظرِها عن التطوّر النوعي الذي شكّله قرار الإمارات العربية المتحدة وقْف إصدار تأشيرات جديدة لمواطني 13 دولة بينها لبنان وعدم مبادرة السلطات للاستفسار عن حيثيات هذه الخطوة، خصوصاً أنها تزامنت مع انكفاءٍ ديبلوماسي خليجي عبّرت عنه التقارير المتزايدة عن إمكان إرجاء الإمارات تعيين سفير لها خلفاً لحمد الشامسي (عُيّن سفيراً في القاهرة) في موازاة مغادرة السفير السعودي وليد بخاري قبل فترة في إجازة لم يُعرف متى تنتهي.

وفي وقت دانت وزارة الخارجية «جريمة» اغتيال العالم الإيراني محسن فخري زاده، داعيةً «إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس»، شخصتْ الأنظار إلى مسألتيْن ذات بُعد خارجي ويمكن اعتبارهما مؤشراً لما ينتظر لبنان على مفترقات المنطقة: * الأولى تبلُّغ لبنان تأجيل الجولة الجديدة من المحادثات مع إسرائيل غداً بوساطة أميركية بشأن ترسيم الحدود البحرية حتى إشعار آخر ومن دون تحديد الأسباب.

وفيما نُقل عن مصدر أمني أن الجانب الأميركي هو مَن طلب التأجيل وأن «الوسطاء الأميركيين سيجرون اتصالات ثنائية مع الجانبين»، وأن «سبب التأجيل هو رفض إسرائيل للمقترحات اللبنانية» خصوصاً المطالبة بمساحة إضافية (عن مساحة الـ860 كيلومتراً مربعاً المتنازَع عليها) تبلغ 1430 كيلومتراً مربعاً تشمل جزءاً من حقل «كاريش»، لم تتوانَ المصادر المطلعة عن ربْط هذا التطور بالمناخات المشحونة في المنطقة والتي يُتوقَّع ان تتصاعد وتيرتها في الطريق إلى خروج الرئيس دونالد ترامب من البيت الأبيض، لافتة إلى أن الإفراج عن مفاوضات الترسيم البحري اعتُبر أساساً بمثابة «خطِ تبريدٍ» أرساه «حزب الله» ومن خلفه إيران مع ترامب في ما لو فاز بالانتخابات، و«خط شبْكٍ» مع الرئيس المنتخب جو بايدن بحال هزم مُنافِسَه، وتالياً فإن «تعليق»هذا الحبْل في هذا التوقيت ينطوي على أبعاد سياسية تُلاقي مجمل المرحلة الساخنة في المنطقة.

كما شهدت الأجواء اللبنانية، أمس، تحليقاً كثيفاً للطيران الحربي الإسرائيلي، على علو متوسط ومنخفض، حيث نفذت غارات وهمية.

* والثانية المؤتمر الدولي (عبر الفيديو) لمساعدة لبنان إنسانياً الذي دعت إليه فرنسا غداً بالتعاون مع الأمم المتحدة وسيحضره الرئيس ميشال عون الذي سيخاطب الدول المانحة، فيما البلاد تجترّ أزمة تشكيل الحكومة الجديدة التي رمت باريس بثقلها الديبلوماسي لمحاولة حلّها عبر مبادرتها التي صارت بمثابة «إطار دولي» للتعاطي مع الأزمة المالية ومَخارجها الممكنة والقائمة على تشكيل حكومة اختصاصيين من غير الحزبيين، يريدها المجتمع الدولي والعرب أيضاً إشارةً أولى إلى أن عجلة الحُكْم في لبنان بدأت تدور بغير هدفِ التكيف مع إمساك «حزب الله» بمفاصل القرار والتسليم به.

ولم يكن عابراً عشية المؤتمر أن يبرزَ تبادُل ضمني لكرة المسؤولية عن«الجدار المسدود» الذي مازال ملف الحكومة يصطدم به مع أجواء عن زيارةٍ قد تحصل قبل الأربعاء، للحريري لقصر بعبدا لتقديم تشكيلة بالأسماء.

وفيما حاول بعض الأوساط إشاعة أن أي زيارة للرئيس المكلف للقصر مع مسودة تشكيلة متكاملة أو «رؤية للحكومة بالأسماء والحقائب» سيحرص الحريري على ألًا تحمل طابع التحدي لعون «لأن المطلوب أكل العنب» في نهاية المطاف وليس حرْق المَراكب، رفض عون، أمس، تقارير تحدّثت عن دور لباسيل في مسار التأليف وتعقيداته.

وإذ اعتبر بيان صدر عن مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية أن المعلومات عن دور لباسيل «كاذبة وتتكرر بتنسيق واضح من جهات معروفة ولأهداف لم تعد خافية على أحد، والتشكيل يتم بالاتفاق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف ولا دور لأي طرف ثالث فيه»، أعلن باسيل انه «لم يضع شرطاً او يفرض معادلة، بل كل ما طالب به التيار تحديد معايير واحدة يعتمدها رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف ليحدد التيار الحر ‏على أساسها موقفه من الحكومة مشاركة أو رفضاً».