الجميع - من دون استثناء - يعرف الحديث الشريف: (القضاة ثلاثة: اثنان في النار، وواحد في الجنة)، ومعلوم حسب ما روي في الأثر أنه متى ما صلح حال القضاء صلح حال البلد والعباد.
وقد روي عن الأصمعي قوله، إنه كان عند هارون الرشيد يوماً، حين أراد البعض أن يتخلّص من قاضٍ منصف اسمه عافية بن يزيد، حيث دخل مجلس الهارون يتظلّم منه، وأنه في شدة التسامح في قضائه بين المتخاصمين.
استدعى هارون الرشيد القاضي، ولما حضر سأله عن سيرته في القضاء وطال المجلس، وعطس الهارون فشمته كل من كان في المجلس إلا القاضي، فقال له هارون: مالك لم تشمتني كما فعل القوم؟ وقال القاضي: لم أشمتك لأنك لم تحمد الله... هنا قال هارون للقاضي: ارجع إلى عملك وقضائك، فمن لم يسامح في عطسة لن يسامح في غيرها ! ونتذكر أحد الخلفاء عندما غيّر معظم الولاة وأبقى والياً واحداً وعندما سئل عن السبب كان رده: سألت عن القضاء فوجدته عادلاً ! القصد من هذه المقدمة، أن العدل أساس الحياة، وهو الأساس في كل شيء حتى على مستوى العلاقات الإنسانية.
بمعنى، أنك على المستوى الفردي تمتلك قاضياً في ذاتك، وهو من يحكم على أدائك، فإما أن تكون عادلاً في حكمك عند تعاملك مع الآخرين وعند تصويتك لمرشح، وعند أدائك لمهام عملك وعند تعاملك حتى مع الإشاعات التي تردك تحت عنوان «منقول» ! الإشاعات المغرضة تكثر وأعداء الكفاءات في تزايد، لأننا - مع الأسف - في آخر الزمان، حيث يكذّب الصادق ويخوّن الأمين.
نعيش بهرجة زائدة، ونجامل اجتماعياً خلال موسم الانتخابات وعند اختيار القيادات... وهذه المجاملة قد تصدر حكم الاختيار منك لقيادي سواء نائب أم وزير أو من هو في مستواهم، ممن توكل إليهم قضاء حاجات الناس والحكم بين الناس... وهي بلا شك في الغالب تفتقر إلى مفهوم العدل والمساواة، التي نصّ عليها الدين الإسلامي ومذكورة في الدستور الكويتي، فيكون البعض قد اختار النار، أعاذنا الله وإياكم منها ! كن عادلاً مع نفسك، ومن أنت مسؤول عنهم واحسن الاختيار... و«العمر يا شامان» ! الزبدة: إنه العدل ابتداء من استقلال القضاء والفصل بين السلطات، وتوفير الأرضية الصالحة لثقافة سليمة للأفراد والمؤسسات.
الغريب إلى حد الاشمئزاز أن البعض ينعت المطالبات بالإصلاح بأنها ضرب من الخيال «كلام فاضي»، لأن ثقافته أغرته معطياتها على تفشي الفساد والواسطة... بمعنى «نائب خدمات وبس» أو قيادي «يسلّك أموره»، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
خافوا الله في البلد... وتذكروا الحديث الشريف للرسول صلى الله عليه وسلم الذي جاء فيه: «إنما أهلك الذين من قبلكم، أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد».
وتذكروا أن الإصلاح يحتاج إلى المصلحين، بدعم من أصحاب القرار، ولا يستثنى أحد ولا يوجد مصطلح «عفا الله عمّا سلف»... الله المستعان.
terki.alazmi@gmail.com Twitter: @Terki_ALazmi