وكأنه ما كان ينقص سنة 2020 لتكتمل، قبل أن تنتهي برحيل رجل قاد العالم برجله، قدم ذهبية، وفردتا حذاء رياضي صنعت منه أيقونة في النجاح، الذي يراه البعض نسبياً، فهناك نجاحات يعتبرها البعض فشلاً، خذ عندك مارادونا!
يروي لي سياسي كويتي معروف كيف كان يحث أبناءه على التعليم أثناء تدريسهم، بطرح مارادونا كرمز للفشل الدراسي، وكان يقول لهم: من لا يملك شهادة سينتهي به المطاف مثل مارادونا، يفني عمره في مطاردة الكرة، فلم يكن الأب من عشاق كرة القدم بالتأكيد، لكنّ أبناءه لم يشبهوه، فجاءت النتيجة عكسية، تركوا الدراسة والتعليم، وتراجع مستواهم وانخفضت معدلاتهم، وحين سألهم عن السبب أجابوه: نريد أن نصبح مثل مارادونا!
قدّم مارادونا رداً على السؤال الشهير: تعرف إيه عن المنطق؟ إن الحب لا منطق له، فالذين أحبوه، أحبوه ناجحاً ومطروداً، ومدمناً، ومريضاً، وهنا يتجلى الفرق الواضح بين الحب والقبول، نحن لا نقع في غرام الشخص الذي انتقينا مواصفاته، نحن نعشق عيوب الشخص الذي أحببناه ونحبه في كل حالاته... مثل مارادونا.
رحل مارادونا في سن الستين، لم يعش حياة طويلة، لكنه عاش حياة عريضة، خلّف بعده الكثير من النجاحات والإخفاقات، صنع تاريخاً حافلاً جعله أسطورة، لدرجة أن الكثيرين ظنوا أن عمره المعلن غير صحيح أو غير دقيق، بدا أكبر من الستين بكثير عطاء لا شكلاً.
لم يمت مارادونا متأثراً بعمليته الخطيرة التي أجراها لاستئصال ورم في الدماغ، بل فارق الحياة لتوقف قلبه عن الخفقان، تاركاً لمحبيه أيقونة تخفق بالحياة رغم الرحيل المبكر.
تعددت الأسباب والموت واحد، لكن الناس ليسوا متساوين في الموت، فهناك من يعيش طويلاً مثل مارادونا، وهناك من يموت وهو على قيد الحياة مثل كثيرين.
وبين كل ركلات مارادونا التي قدمها في حياته الرياضية، ستبقى الركلة الأخيرة عالقة في الأذهان، والتي قام بها قبل رحيله بشهر، أثناء احتفاله بعيده الستين، مختصراً المسافة بين الحياة والموت في شهر!