يرى الكثير من الكويتيين أن الأحكام المتعلقة باقتحام المجلس وقضايا الرأي عموماً، جاءت قاسية ضد المدانين، ومن ثم تقتضي الحقيقة ويلزمنا الإنصاف التأكيد على أن هذا التشدد لا يعود إلى القضاة أنفسهم، وإنما للتشريعات التي حكموا بموجبها وما يعتريها من قصور، فلم يُترك مجال أمامهم لتخفيف الأحكام.
المثير للدهشة، أن من شاركوا في الانتخابات البرلمانية بنجاح من رموز المعارضة السابقة وأعضائها، لم يعمدوا إلى تعديل هذه القوانين، رغم مطالباتهم المستمرة بالعفو العام عن زملائهم، والتي تصطدم بكون القضاء سلطة مستقلة لا سلطان للسلطة التشريعية ولا التنفيذية عليها - المواد 50 و 53 من الدستور - وكان سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد - طيب الله ثراه - قد وضع مخرجاً من هذه الضائقة الدستورية، يحقق مطلب العفو من دون الإخلال بمكانة الدستور والسلطة القضائية، وهو تقديم اعتذار شفهي لسمو الأمير، يكتفي به سموه كدليل على حسن النيّة ويصدر عفوه السامي عن طالبه، وهو ما استفاد منه عدد من قيادات وأعضاء المعارضة السابقة.
إن الدولة أمام استحقاقات واجبة الأداء يجب، أن تكون في مقدمة اهتماماتها، فلا بد من معالجة عجز الميزانية المتكرر بسبب انخفاض عائدات مبيعات النفط، واستنزاف الرواتب والدعوم لما بين 70- 90 في المئة من الدخل القائم على بيع النفط، وفي ظل تنامي التوجه لاستخدام بدائل للطاقة المنتجة من النفط - وتحديداً كوقود للسيارات - فإن العجز مرشح للزيادة والاستمرار، خصوصاً عند بلوغ إنتاج الدولة الذروة النفطية Oil Peak المتوقع منتصف القرن الحالي.
إن السبيل الفعّال للخروج من هذه الأزمة هو زيادة الدخل، عن طريق تنويع مصادره كالتوسع في الصناعات النفطية وتبني اقتصاد المعرفة والبحث العلمي، والتوسع في المشاريع الصغيرة والمتوسطة والاهتمام بالاستثمار الأجنبي، والوصول مع العراق إلى صيغة تفاهم تعجّل بتشغيل سككه الحديدية، تمهيدا لتنفيذ طريق الحرير الصيني الجديد.
ولقد أوصت العديد من المؤسسات المالية الدولية ووكالات تقييم الائتمان الكويت بتكويت القطاع الخاص، على أن يكون ذلك وفق برنامج تأهيلي وتدريبي متكامل، يشمل توجيه التعليم لإنتاج عمالة فنية مدربة تلبي للقطاع الخاص احتياجاته، وأوصى بعضها بتجزئة الدينار، مع استمرار دعمه لمواجهة الزيادة السنوية في باب الرواتب.
إن على الحكومة العزوف عن التهديد بتطبيق النظام الضريبي، وتقبل حقيقة ارتباط الرضا المجتمعي عليه بالارتفاع في مستوى الخدمات، وأداء الأجهزة الحكومية وتطوير وتأهيل البنية التحتية، وإعداد جهاز ضريبي مؤهل وفعّال لقيادة التطبيق الفعلي للجباية.
فما نشرته الصحف المحلية عن نية الحكومة الاعتماد على القطاع الخاص، في توفير 45 في المئة من الدخل القومي GDP، هو طموح صعب التحقيق، لضخامة المشاريع اللازمة التي تنتج هذه النسبة من الدخل، وبلا شك أن مسؤولية القطاع الخاص الأولى في هذه المرحلة، هي تكويت عمالته للمساهمة في بند الرواتب والأجور، الذي يستنزف الميزانية العامة، ومن نافلة القول التأكيد على ضرورة مواكبة التصدي الجاد للفساد، مع أي عملية تطوير أو إصلاح مالي.