جعل الله سبحانه وتعالى العبادة باباً مفتوحاً إلى التوبة، لسعة رحمته بهم وعظيم فضله عليهم، فكانت التوبة سبباً في نجاتهم وفوزهم في حياتهم الدنيا والآخرة، فالتوبة من المعاصي والذنوب جميعها من أحب الأعمال وأجلها عند الله، ومهما عظمت ذنوب العباد فإن التوبة تمحوها، إذ يتلقاها الله بالقبول فيغفر الذنب.

وقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه أن النبي عليه الصلاة والسلام في ما يرويه عن ربه عز وجل قال: (الله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي، وأنا ربك. أخطأ من شدة الفرح).

وطريق التوبة إلى الله يبدأ بحمل النفس على الطاعة والاستقامة، ثم مجاهدتها وترغيبها في ما أعده الله للصالحين من عباده من هداية إلى السبيل الحق، قال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سُبلنا وإن الله لمع المحسنين).

ويجدر بمن سلك طريق التوبة أن يعلم أن رحمة الله واسعة، فلا يتسلل اليأس إلى قلبه.

فمن أقبل على الله بالتوبة أقبل الله عليه برحمته الواسعة، وبدّل سيّئاته حسنات، قال تعالى: (إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدّل الله سيّئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً).

كيفية الثبات على التوبة:

التوبة شعور بالندم على ما وقع، وتوجه إلى الله تعالى، وكفّ عن الذنوب وأداء عمل صالح يحقق التوبة بالفعل، فالتوبة تتضمن إقبال التائب على الله، ورجوعه إليه والتزام طاعته، والإخلاص في النية أولاً، ثم عقدها والعزم على عدم العودة إلى الذنب مجدداً، إذ إن عقد القلب على التوبة وترك التردد، يعين المسلم على الثبات، فلا يصح من التائب أن يتقلب حاله بين التوبة والمعصية، فيكون تائباً في ليلة ومصرّاً على الذنب في ليلة أخرى.

وما يعين المسلم، توكله على ربه حق التوكل، مع لزوم الطاعات والأعمال الصالحة، كالإكثار من الصيام واتباع الوسائل التي تشحذ العزيمة وتزيد الإقبال على الله سبحانه وتعالى، ومنها:

1 - المداومة على قراءة القرآن الكريم والحرص على العمل بما جاء فيه.

2- ترك الإصرار على المعصية، فتكون التوبة في القلب قبل أن ينطق اللسان بها.

3 - الإكثار من الأعمال الصالحة والاستزادة من الطاعات (فرائض ونوافل)، فهذا يزيد القلوب إيماناً وثباتاً.

4 - الإكثار من ذكر الله إذ ينبغي على المسلم أن يجعل لسانه دائماً رطباً بذكر الله، لأن ذلك ما يعينه على الثبات في المواقف الحرجة والظروف الصعبة التي تتطلب إيماناً راسخاً.

5 - الدعاء، وهو أنفع الوسائل للزوم التوبة والتوفيق فيها.

6 - الابتعاد عن أسباب المعاصي وتجنب سُبل الوصول إليها، وما ينبغي على المسلم اجتناب رفقاء السوء.

7 - تذكر الموت، بأن يجعل المسلم الموت ونهاية الأجل، نصب عينيه، فيحمله ذلك على التفكير في ما اقترفه من الذنوب في حياته، ويبادر إلى التحلل والتوبة منها، ويكثر من الاستغفار والإنابة، ويعلم أن الفضل في توبته مرده إلى توفيق ربه، فيشكره على ذلك ويتفكر في ما أعده الله للصالحين.

8 - استشعار مراقبة الله سبحانه وتعالى، وتعظيم خشيته في القلب، وتذكير النفس دائماً بفضل التوبة عند الله.

9 – مجالسة الصالحين والأتقياء، وعدم الالتفات إلى وساوس الشيطان، حينما يثبط النفس عن الالتحاق بركب الصالحين.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.