أكد المغرب ليل الجمعة، أن المعبر الحدودي في منطقة الكركرات العازلة في الصحراء الغربية، «أصبح مؤمناً بشكل كامل» عقب عملية عسكرية، اعتبرت «جبهة بوليساريو» أنها أنهت وقف إطلاق النار بين الجانبين المعمول به منذ 30 عاما، وأن «الحرب بدأت».
وأكدت وزارة الخارجية المغربية صباح الجمعة، أن العملية تأتي بعد إقفال «جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب» (بوليساريو) منذ 21 أكتوبر، الطريق الذي تمرّ منه خصوصا شاحنات نقل بضائع من المغرب نحو موريتانيا وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء.
وأفادت القيادة العامة للقوات المسلحة في وقت لاحق مساء، بأن «معبر الكركرات أصبح الآن مؤمنا بشكل كامل من خلال إقامة حزام أمني يؤمن تدفق السلع والأفراد».
وأضافت: «خلال هذه العملية فتحت الميليشيات المسلحة لبوليساريو النار على القوات المسلحة الملكية التي ردت عليها، وأجبرت عناصر هذه المليشيات على الفرار من دون تسجيل أي خسائر بشرية».
وجددت التأكيد أن العملية تمت «وفقا لقواعد تدخل واضحة تقتضي تجنب أي احتكاك بالأشخاص المدنيين». ولم يعلن المغرب عن وقوع أي معارك مع «بوليساريو»، سواء في الكركرات أو غيرها من المواقع العسكرية على طول الجدار الذي يفصل قواته عن مقاتلي الجبهة على نحو 2700 كيلومتر، منذ نهاية الثمانينات. وتابعت القوات المسلحة في بيان، ان «عناصر بوليساريو أقدمت عمدا على إحراق معسكر الخيام الذي أقامته، وعمدت إلى الفرار على متن عربات من نوع (جيب) وشاحنات نحو الشرق والجنوب تحت أنظار مراقبي بعثة الأمم المتحدة (مينورسو)». وكان وزير الخارجية ناصر بوريطة أكد لـ«فرانس برس»، أنّ «الأمر لا يتعلق بعملية هجومية إنما هو تحرك حازم إزاء هذه الأعمال غير المقبولة»، مشدداً على أن عناصر بعثة الأمم المتحدة المكلفة مراقبة الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار «مينورسو» والموجودين على الأرض «سجلوا عدم حدوث أي احتكاك مع المدنيين». وأكد العاهل المغربي محمد السادس الأسبوع الماضي «الرفض القاطع (...) لمحاولة عرقلة حركة السير الطبيعي بين المغرب وموريتانيا، أو لتغيير الوضع القانوني والتاريخي شرق الجدار الأمني». في المقابل، قال زعيم «بوليساريو» إبراهيم غالي، إن الجبهة أنهت وقف النار المستمر منذ 29 عاما مع المغرب. وأعلنت وزارة دفاع «بوليساريو» في بيان ليل الجمعة، إن قواتها نفذت «هجمات مكثفة» على مواقع الجيش المغربي في المحبس وحوزة وأوسرد والفرسية. ويمكن أن يؤدي انهيار الهدنة، التي أكد المغرب أنه ينوي الالتزام بها، إلى إشعال حرب عصابات كامنة منذ وقت طويل في المنطقة الصحراوية النائية وتفاقم الخلافات المستمرة منذ عقود بين المغرب والجزائر التي تستضيف الجبهة. وكان السفير الصحراوي لدى الجزائر عبدالقادر الطالب عمر صرح لـ«فرانس برس»، بأن غالي بعث رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس طلب فيها عرض المسألة على مجلس الأمن.
وشدد على أنه «مع فتح ثلاث ثغرات في الجدار العازل، ليس هناك عودة إلى الوراء. لم يعد يوجد وقف لإطلاق النار».
ويفصل الجدار الذي أقامه المغرب بين المقاتلين الصحراويين والمنطقة التي تسيطر عليها المملكة، وتحيط به المنطقة العازلة وعرضها خمسة كيلومترات من الجهتين.
وفي الأمم المتحدة، أعرب غوتيريس عن «الأسف» لفشل جهوده «لتجنب تصعيد»، بينما دعت كل من الجزائر، التي تدعم «بوليساريو»، وموريتانيا المعنية هي الأخرى بالنزاع، إلى «ضبط النفس» و«الحفاظ على وقف النار».
وحضت إسبانيا، القوة الاستعمارية السابقة في الصحراء الغربية، «الأطراف على استئناف عملية التفاوض والمضي نحو حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين».
مستعمرة إسبانية سابقة
الصحراء الغربية منطقة صحراوية شاسعة على الساحل الأطلسي لأفريقيا ومستعمرة إسبانية سابقة يُسيطر المغرب على 80 في المئة منها، ويقترح منحها حكماً ذاتياً تحت سيادته، في حين تطالب «بوليساريو» المدعومة من الجزائر، باستقلالها. وتعادل الصحراء الغربية مساحة بريطانيا لكنها قليلة الكثافة السكانية وتنعم باحتياطيات الفوسفات ومناطق الصيد الغنية.
وطالب المغرب باستعادة السيادة على المنطقة عندما كانت تحت الحكم الاستعماري الإسباني.
في الوقت نفسه، شكّل بعض الصحراويين الذين يعيشون هناك «جبهة بوليساريو» للضغط من أجل الاستقلال. وعندما رحلت إسبانيا، ضم المغرب الصحراء وشجّع آلاف المغاربة على الاستقرار. في المقابل، شنّت «بوليساريو» حرباً إلى أن توسطت الأمم المتحدة في وقف إطلاق النار عام 1991.
وسيطر المغرب على نحو أربعة أخماس الإقليم.
كما تضمّنت الهدنة الوعد بإجراء استفتاء غير أن ذلك لم يحدث بسبب خلافات حول كيفية تنفيذها ومَنْ سيُسمح له بالتصويت.
ويؤكد المغرب أن له حقوقاً في المنطقة تعود إلى قرون، وأنه منذ ضمها، ضخ مبالغ كبيرة من المال لتحسين الظروف المعيشية في الصحراء الغربية، مضيفاً أن أقصى ما يمكن أن تقدمه للصحراء الغربية هو الحكم الذاتي داخل المغرب.
في حين شكّلت «بوليساريو» حكومة في مدينة تندوف الجزائرية عام 1975، وتمكّنت من الانضمام للكيان السابق للاتحاد الأفريقي، لكنها لم تحظ باعتراف. وعلى مدى جولات عديدة، أخفقت محادثات أجرتها الأمم المتحدة بشأن مستقبل الصحراء الغربية بين المغرب و«بوليساريو» والجزائر وموريتانيا في التوصل لاتفاق. وفي أكتوبر الماضي، حضّت الأمم المتحدة الأطراف المعنية على العمل للتوصل إلى «حلول سياسية واقعية وعملية ودائمة بناء على حلول وسط».
واعتبرت تلك الصياغة مثيرة للشكوك في ما يتعلق باحتمالات إجراء الاستفتاء. ويتركز التصعيد الجديد في منطقة الكركرات، وهي نقطة عبور بين الصحراء الغربية وموريتانيا، في منطقة منزوعة السلاح تراقبها قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وتقوم بدوريات منتظمة فيها.
وشهدت منطقة الكركرات في الماضي توترات خصوصاً مطلع العام 2017. وفي حين تحتج «بوليساريو» على حركة العبور عبر هذه النقطة إلى المغرب وتعتبرها غير قانونية، يعتبر الجانب المغربي المعبر حيوياً للتبادل التجاري مع أفريقيا جنوب الصحراء.
واندلع النزاع الأخير بعدما عمدت «بوليساريو» إلى إغلاق المعبر في أكتوبر الماضي، وعلق نحو 200 سائق شاحنة مغربي هناك، ووجهوا الأسبوع الماضي نداء استغاثة إلى كل من الرباط ونواكشوط، قالوا فيه إنهم عالقون عند الكركرات، بعدما منعتهم «بوليساريو» من العبور.