أكدت اللجنة الوطنية للكتابة في الولايات المتحدة الأميركية - هل كنت تعلم أن هناك شيئاً اسمه اللجنة الوطنية للكتابة؟! - أن هناك نتائج كارثية للكتابة الرديئة في أميركا، على الأعمال التجارية والمهن والمعلمين والمستهلكين والمواطنين.
إن الكتابة الرديئة للتقارير والمذكرات والإعلانات والرسائل تكلفنا الوقت والمال، إنها جلطات في جسد الأمة، فتدفق المعلومات مسدود، والمشكلات الحساسة تبقى بلا حلول، وفرص الإصلاح والكفاءة تدفن.
في البداية عزيزي القارئ، لقد استغربت وجود لجنة وطنية للكتابة، وتساءلت عن أهمية الكتابة للدرجة التي تجعل اللجنة الوطنية تُفرد له دليلاً وتضع له معايير من أجل كتابة توسّع أفق المجتمع والمؤسسات والدولة.
وبمناسبة انتخابات مجلس الأمة، فإن المُراقب للشعارات الانتخابية المنتشرة في إعلانات الشوارع، وبعض التغريدات المنتشرة في «تويتر»، وبعض الكتابات مدفوعة الثمن أو الخدمة، وبعض الحملات الإعلامية التي خرجت بها لجان المرشحين، والكثير جداً من التصاريح المكتوبة والمنقولة من أوراق... إن المُراقب لكل ذلك سيعرف ويتأكد أننا نعاني - بلا شك - من الكتابة الرديئة.
إن الكتابة الرديئة، ليست مجرد تذوق أدبي يمكن أن نختلف أو نتفق عليه، بل هي تكرار وإعادة إنتاج المشاكل نفسها التي سبّبت هذا الشكل الرديء، دائرة تعيد إنتاج نفسها، بلا حلول أو بدائل، وأهم صفاتها أنها تكشف عن البنية الفكرية لكاتبها، وتخلق مساراً مشابهاً لمستقبلها، فتتحول إلى فعل اجتماعي رتيب يحمل حيزاً كبيراً من التنفيذ وحيزاً قليلاً من التفكير والتأمل، وإلا فما معنى أن يقول أحدهم: «وبعد التوكل على الله، ومشاورة الأهل والأصدقاء، قررت أن أخوض انتخابات مجلس أمة 2020م»... هكذا بلا خيال سياسي أو خيال كتابي، أو حتى خيال فقط.
يُعرف الخطاب السياسي بأنه كل ما يتم تداوله من المواد المقروءة والمسموعة والمُشاهدة، والمواد التي تُنتج وتستهلك بين الجموع.
وفي أي خطاب اجتماعي أو اقتصادي أو حتى سياسي... دائماً في البدء كانت الكلمة، ثم كان كل شيء بعدها، وتكمن خطورة الكتابة الرديئة في كونها تُخفي آثارها على المدى القريب، للدرجة التي جعلتها تُوصف بأنها... جلطة في جسد الأمة، تظهر آثارها في عدم البناء والتراكم الإيجابي والوصل بين نقطتين، وفي عدم تدفق للمعلومات وتجديد الرؤى وخلق التطلعات. ليست المسألة في هبوب العاصفة، بل في ما تحمله العاصفة داخلها من أخشاب وشفرات وزوايا حادة وانعدام للرؤية، وإهدار للطاقة والفرص... ونحن نمتاز بإهدار الفرص.
كانت الكويت رائدة في صناعة الكلمة عبر القوة الناعمة، المتمثلة في عالم المعرفة ومجلة العربي والمسرح والإنتاج الفني، ورائدة في الأوقاف والاستثمار فيها، ورائدة في الصناديق التنموية، والصناديق الاستثمارية، ورائدة في الرعاية الاجتماعية ودور الديوانية عبر التاريخ، وفي صناعة القوانين والتشريعات والدراسات الأكاديمية الجامعية والأكاديميين والممارسين للعمل السياسي والنقابي، رائدة في اختيار المقيمين الذين يعملون فيها، وفي قطاع الرياضة والترفية وتخطيط المدن والشوارع.
ما تحاول اللجنة الوطنية للكتابة أن تقوله... هو أن كل شيء يبدأ بالكتابة الرديئة... وينتهي كل شيء بوضع يليق بتلك الكتابة، أما ما نسيت أن تقوله فهو أن كل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.
@Moh1alatwan