بعد أسبوعٍ من مناورات «السهم القاتل»، أعلنت إسرائيل أن الهدف الأساسي ركّز على الجبهة الشمالية لمواجهة احتمال تَقَدُّم «قوات الرضوان» إلى داخل المستوطنات المتاخمة للحدود. وقد تم «تَبادُل رسائل» بين إسرائيل و«حزب الله» لا يفهمها إلا الطرفان والمتابعان لخططهما العسكرية. فما هي هذه «الرسائل» غير المباشرة بين العدوين اللدودين؟ كشفت إسرائيل في هذه التدريبات بالدرجة الأولى حقيقةً جديدة وهي خشيتها الجدية من تقدُّم «قوات الرضوان». وتالياً فهذا إن دلّ على شيء، فعلى تتبُّع إسرائيل القريب لتطور القدرات العسكرية لدى الحزب بشكل عام وقوّاته الخاصة (الرضوان) بشكل خاص في الحرب السورية.

وليس من الصدفة أن يوافق الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله على بث حلقات من الحرب الحية التي خاضها رجاله في الجبال المتاخمة للبنان وسورية واستعادة مدينة القصير واستخدام الطائرات المسيّرة وتكتيك حرب المدن وحرب قمم الجبال والتمهيد الناري والاستطلاع وتجميع الأهداف في بنك المعلومات ودرْس العمليات ومتابعة تقدم القوات مباشرةً عبر شاشات ضخمة داخل غرف عمليات «حزب الله».

وأراد نصرالله كشْف بعض ما كان يستخدمه الحزب في الأعوام الماضية، وهو لم يكشف عن الكثير من القدرات الأخرى التي تعمّد إبقاءها طيّ الكتمان بسبب التكتيكات التي يستخدمها في حروبه، وبالأخص العبوات الليلية والرؤية الليلية التي يتمتّع بها ويستعملها أثناء قتاله، والقدرات الجوية الأخرى. وتعلم إسرائيل جيداً أن سلاح الطائرات المسيّرة البدائي الذي أظْهره برنامج «أسرار التحرير الثاني» ما هو إلا نموذج عما يملكه الحزب في حال اندلاع الحرب مع إسرائيل.

وكانت رسالة نصرالله للداخل اللبناني ليُظْهِر قدرات قوّته ومنْع أي فكرةٍ تهدف إلى حرب أهلية داخلية، وأيضاً إلى الخارج ليقول إنه أصبح يقود جيشاً بالمعنى الكامل للكلمة وأن المعركة مع إسرائيل لن تكون نزهةً للجيش الإسرائيلي.

أما حقيقة ما قاله رئيس الأركان الاسرائيلي عن استحداث فرقة جديدة رقم 99 و«وحدة الأشباح» المتعدّدة الأبعاد فما هو إلا ردّ على «حزب الله» لإنشائه وحدة مختلطة من «قوات الرضوان» وقوات أخرى اختصاصية منذ أكثر من عام ونصف العام ونشْرها قبل أشهر قليلة على الحدود اللبنانية.

وقد تعمّد «حزب الله» - كعادته - إظهار تدابيره الجديدة، وهذه طريقته لإبعاد شبح الحرب برسالة غير مباشرة وكأنها تقول لخصمه: «انظُر ما لدينا من قوات وقدرات فالأفضل لك التفكير ملياً قبل إقدامك على مغامرة حرب جديدة».

وقد اعترف الجيش الإسرائيلي بأن قواته البرية لن تكون جاهزة إلا العام 2022 خصوصاً بعدما أنهى مناوراته الدفاعية المبنية على فرضية اختراق الحدود. وهي تضمنت - بحسب المراقبين العسكريين - كيفية الالتفاف والعزْل ومنْع التمدد وتطهير القوات المهاجمة ومحاصرتها والقضاء عليها في الأماكن التي استطاعت احتلالها.

وهذا يؤشر إلى اقتناعٍ إسرائيلي بأن الحدودَ ستُخرق وأن قواتٍ هجوميةً قِتاليةً ستدخل المستوطنات والمنازل وتشتبك مع القوات الإسرائيلية، للمرة الأولى، ليس على الأراضي اللبنانية.

ويرى المراقبون «انها لعبة شطرنج تعتمد فيها إسرائيل على القوات الجوية بالدرجة الأولى لتمهيد الطريق أمام القوات البرية والقضاء على الأهداف العدوّة لشلّ قدراتها وإرسال الطائرات المسيّرة التي تمثّل العمود الفقري للحرب المقبلة وهي تحمل صواريخ متعددة الوظائف (ضد المدرعات وضد الأفراد). وبمراقبة المناورات الإسرائيلية يُدْخِل الطرف المُواجِه إجراءات لحماية طرق الإمداد والبحث عن الثغر وتقديم الخطط البديلة أثناء عملية الافتراق ولتأمين الانسحاب».

وتعتقد إسرائيل في فرضيتها للحرب الجديدة أن كل مطاراتها ستُقصف بالصواريخ الدقيقة، وتالياً هي تحاول الحصول على بضعة أسراب من مقاتلات «اف - 35» العمودية الإقلاع لعدم حاجة طائرات الجيل الخامس لمدارج طويلة وللمحافظة على التفوّق العسكري في الشرق الأوسط.

ويحاول الطرفُ المُقابِل إيجاد معادلة جديدة لمجابهة إسرائيل في الحرب المقبلة - التي لا يريد أحد وقوعها ولكن الاستعداد لها وكأنها حاصلة غداً - بإيجاد محميات تحت الأرض واتباع معادلة الإخفاء وإيجاد إنذار مبكّر لمجابهة قدرات العدو المتقدّمة في الذراع الجوية.

ومن الطبيعي ألا يستخدم «حزب الله» أسلحته أيام السلم، ولا يُظهرها إلا في المعارك الحقيقية. فمفاجآت حرب 2006 كانت أساسية في تحييد سلاح البحرية (قصْف صاروخ C-802 وإصابة البارجة ساعر - 5 مقابل شاطئ بيروت)، وسلاح المدرعات (صواريخ كورنيت الليزرية في وادي الحجير). وتالياً فإن من غير المعلوم ما هي مفاجأة ملاقاة «السهم القاتل».