فيما اتفق خبراء محليون وعالميون على أن تأثير الانتخابات الرئاسية الأميركية على اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي سيكون هامشياً، فقد نصحوا بضخ استثمارات حكومية مباشرة لخلق فرص عمل في القطاع الخاص، مع ضرورة إصلاح التعليم. كما رأوا أن الولايات المتحدة مهتمة أكثر بتهديدات الصين وروسيا، فقامت بسحب معظم قواتها من منطقة الخليج، محذرين من أن الانسحاب الكامل من شأنه توفير الفرص لروسيا وغيرها للتدخل.

واستضاف مركز ريكونسنس للبحوث والدراسات، بالتعاون مع نادي هارفارد الكويت، في 30 أكتوبر الماضي، ندوة «التغيرات المحتملة في العلاقات الخليجية - الأميركية عقب الانتخابات الرئاسية»، شارك فيها خبراء دوليون ومحليون، وأسندت إدارة النقاش إلى مديرة مبادرة سكوكروفت للشرق الأوسط في المجلس الأطلسي عضو المجلس الاستشاري لمركز ريكونسنس كيرستن فونتنروز.

وعكست نقاشات الندوة مجموعة من وجهات النظر، حول جوانب مختلفة من علاقات الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك الطاقة والأمن والتنمية الاقتصادية، مع التركيز على التحولات السياسية المحتملة، عقب الانتخابات.

وقدم ديفيد دي روش والدكتور عباس كاظم، لمحات واضحة حول تطور الأهمية السياسية والعسكرية للخليج، وكيف يمكن أن تتحول سياسة الولايات المتحدة تجاهها بالمستقبل، بينما تحدث الشيخ نواف السعود وفيصل الحمد، أكثر حول آثار وتداعيات التحولات في الظروف الاقتصادية بالمنطقة.

وحض المشاركون على ضرورة إحداث نقلة نوعية في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وذلك من خلال إجاباتهم عن أسئلة كل من مديرة النقاش، وأيضا المشاهدين.



التحول في التركيز الأمني

على الرغم من أن كلا الطرفين (الجمهوري و الديموقراطي) أشار أخيراً إلى وجود اهتمام بتقليص التواجد العسكري للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إلا أن دي روش وكاظم، جادلا بأن الانسحاب الكامل غير مرجح وغير حكيم.

ورأى دي روش أن الولايات المتحدة مهتمة أكثر بتهديدات الصين وروسيا خارج الخليج، وأن سياستها الأمنية الإقليمية عكست هذا التحول في الغالب حيث سحبت معظم، ولكن ليس كل قواتها.

ولاحظ أن أحد الاستثناءات الرئيسية، اعتماد الولايات المتحدة المستمر على تواجد حاملات الطائرات في مياه الخليج والقواعد العسكرية الدائمة بالقرب من إيران، والتي وصفها بأنها أطلال خطيرة لسياسات الإدارات الأميركية السابقة.

وقال إنه يجب استبدال هذا الوضع غير المرن، بتواجد لوجيستي ضمن شبكات كبرى أكثر قوة، مثل سكك حديد تمتد من البحر الأحمر إلى الخليج.

من جهته، تحدث كاظم بشكل مباشر أكثر عن التحولات المحتملة في العلاقات الأميركية - العراقية، وكيف يمكن أن تؤثر على المنطقة ككل. وقال إذا فاز الرئيس ترامب، فمن غير المرجح أن تتغير سياسات الولايات المتحدة، وسيظل العراق «عنواناً فرعياً» للسياسة تجاه إيران، بل وقد تعزز إعادة انتخاب ترامب عدداً من التحديات التي يواجهها العراقيون في الامتثال للعقوبات التجارية في ظل حملة «الضغط الأعلى» الحالية.

في المقابل، من المرجح أن تلجأ إدارة بايدن إلى تخفيف التوترات مع إيران، الأمر الذي سيكون له تأثير طيب في جميع أنحاء العراق. لكن مع ذلك، فقد قام نائب الرئيس بايدن سابقاً بدعم مجموعة متنوعة من المواقف الأقل شعبية، بما في ذلك الغزو العراقي العام 2003 ومشروع تقسيم العراق جغرافياً.



الاقتصاد الخليجي في مفترق طرق

ربما كان أهم تأثير محتمل للانتخابات الأميركية تم ذكره خلال الندوة، هو التحول في سياسة الطاقة.

ورأى الشيخ نواف السعود أن سياسة الإدارات الأميركية تجاه الخليج ظلت متسقة إلى حد ما، بصرف النظر عن التغيرات في نبرة التصريحات، كما أشار إلى أن خطة بايدن للحد من التنقيب في الأراضي الفيديرالية، وفرض لوائح أشد لمكافحة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ستقلل من حصة السوق الأميركية، وستزيد من كلفة إنتاج الكهرباء بما قد يصل إلى ثلاثة أضعاف التكلفة الحالية.

وأشار إلى زيادة شعبية الاعتماد على السيارات الكهربائية، وقال «إذا تم تنفيذ وعود بايدن، فإن الزيادة الناتجة في كلفة الكهرباء ستحافظ على استدامة محرك الاحتراق الداخلي». ولهذا السبب، فهو لا يشعر بالقلق حيال توقعات إنتاج النفط في الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي، على المدى الطويل.

وبصرف النظر عن هذه النقطة، اتفق الشيخ نواف، مع فيصل الحمد، على أن تأثير الانتخابات على اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي سيكون هامشياً.

وركز الحمد بشكل أكبر على التحديات التي جلبتها جائحة «كورونا»، والتي قال إنها كشفت عن قضايا موجودة مسبقاً، مثل بطالة الشباب واختلال الموازنة الحكومية.

وحض على ضخ استثمارات حكومية مباشرة بحذر لخلق فرص عمل في القطاع الخاص، إلى جانب سياسة للإصلاح التعليمي.

وأشار إلى البدائل في مجالات الخدمات اللوجستية والتكنولوجيا والطاقة الخضراء، حيث إن مختلف القطاعات في الكويت وبقية دول مجلس التعاون، هي في وضع جيد للاستفادة منها.



الآراء الشعبية والإجراءات الحاسمة

اهتم كل الناطقين بالأسئلة التي قدمها المشاهدون، بدءاً من موضوعات مثل الوجود الروسي في الشرق الأوسط، إلى تأثير إمكانية التنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط. وكان الموضوع الرئيسي المتكرر، هو الدور المركزي المتزايد للرأي العام في الشرق الأوسط.

وأشار الدكتور كاظم على وجه الخصوص إلى أنه بغض النظر عن الأشكال المتنوعة للحكومة الموجودة في العالم العربي، فإن كلاً منها أصبح يُظهر انفتاحاً نحو التمثيل الشعبي، لكن وفقاً لوتيرته الخاصة. وباستثناء الأجيال الأكبر سناً من الكويتيين الذين ما زالوا يحتفون كثيراً بمقدم الولايات المتحدة للدفاع عن البلاد العام 1991، فإن أغلب العرب (وخاصة الشباب العربي) ينظرون بشكل نقدي ومتزايد حول ما إذا كان بإمكانهم الاستفادة من أي علاقة سواء مع إدارة ترامب أو بايدن.

وعند سؤالهم عن كيفية عرض مفهوم أهمية استمرار العلاقات الخليجية وإعادة تشكيلها أمام من يفوز في الانتخابات، أوضح الناطقون الطرق التي يمكن أن تلعب بها مجالات اهتمامهم دوراً في ذلك، فقد أكد الكولونيل دي روش أنه على الرغم من أن روسيا غير قادرة حالياً على توفير الأمن المستدام للمنطقة، فإن الانسحاب الأميركي الكامل قد يوفر لها أو لأي جهات خبيثة أخرى فرصة للتدخل.

من جهته، أكد فيصل الحمد أهمية الوضوح بين الشباب العربي، حول كيف يمكن لعلاقة مع الولايات المتحدة أن تفيدهم، لا سيما في مكافحة بطالة الشباب.

وحض كاظم على التحول من العلاقات القائمة على النفط والأمن إلى علاقات أكثر إنتاجية واحتراماً للطرفين، والتي قد تركز أكثر على التعليم أو التكنولوجيا.

وأكد الشيخ نواف أن الطلب على المحروقات سيستمر في العقود المقبلة حتى مع زيادة اللجوء إلى الطاقة المتجددة. ونظراً لأن دول التعاون تنتجها بتكاليف نقدية وبيئية أقل من أي جزء آخر في العالم، فإنه يعتقد أنها ستظل لاعباً مهماً في مجال الطاقة العالمي في المستقبل المنظور.