| حنان عبدالقادر |
استبرق أحمد تلك البنت... التقيتها ذات حلم، كان يجمعنا خجل واحد، وأحلام متشابهة، تكتب على استحياء، وتخطو خطواتها الأولى بثقة لا تخلو من تواضع يحيلك الى أجوائها؛ لتحتضن عوالمها في حب شديد، وتكتشف أنك أمام فتاة مسكونة بوطن، بعالم شجي شديد الحساسية والرهافة، يحلق في سمواتها قلب شفيف، وروح أشد بياضا من نورات قطن بلادي الذي أحن له كثيرا، ولم يبق منه سوى طيف، ومحض ذكرى، انها السمراء الكويتية، التي تحمل في طيات روحها حلما بالوطن اليوتوبيا، بالانسان الانسان، تسكن بسمتها الهادئة فراشات طمأنينة وأمل في غد وردي... انها القاصة الكويتية استبرق أحمد، التي استطاعت بحضورها، ونقاء روحها، أن تحرز المركز الأول في الانتخابات الأخيرة لرابطة الأدباء، صدرت لها مجموعة قصصية بعنوان «عتمة ضوء»، حازت بها جائزة ليلى العثمان في دورتها الأولى، لكنها لم تكن المجموعة الأولى التي تصدر للكاتبة، فقد سبقتها مجموعة صدرت بشكل غير رسمي كهدية من شقيقتيها في يوم ميلادها عام 2002، بعنوان «القطرات الأولى من سديم»، كانت مجموعة مطبوعة من ست نسخ فقط، لم تصل ليد القارئ العام، واستقرت في يد الخاصة الذين دفعوا بالكاتبة الخجول أن تصدر مجموعتها الرسمية الأولى.
وعن عالمها الأسري الذي تحتفي به كثيرا كاتبتنا، تقول: «والديَّ، واخوتي، وأخي، دائرة القراءة الأولى، النص الأول للدفء، للحب، لتكويني.
وعن الأم في حياتها تحديدا قالت: «ليس ثمة من يساوي الأم في عمق تفانيها، انها مطر الرحمة، أحمل أمي في تصرفاتي كافة، حين سوّرت المنيّة والدي رحمه الله هبطت على كتفها جبال أكبر من المسؤولية. وفي حرصها الذي لا يغفو، بنت مزيداً من بيوت الصدق والمحبة. مضت أما وأختا وصديقة، تحيطنا برهافة رعايتها. كانت تهمس دائماً أن نخلّد والدنا بحسن التعامل، التميز، تفهّم الآخرين، السمعة الطيبة. لا أدعي أننا حققنا كل ما أرادت، لكننا لا نزال نحاول ونسعى الى أن تفخر بنا.
في حوارية معها، كان لها هذا البوح:
القارئ مكتشف، يملك تراكم قراءات تجيز له تداول النص في سلّة استنتاجاته واضافاته، فهو يمرر النص في دوحة التفسيرات والتأويلات فتأتي النتائج بما يليق برؤيته، فلكلينا القدرة على صنع نص لأننا نملك وسائله ومراتبه ومرتقاه.
> تزايل بعض نصوصك روح الشعر، وربما السرد الروائي، بم تفسرين ذلك؟
- في بداياتي، كنت أحسبني أنصت الى نداء الشعر، وأحاول ترصده، لكنني وجدت السرد يملؤني، ومن لحظة الكشف تلك التمست البداية الحقيقية لقلمي، وجاء الجزم بأن «القصة» هي مساري وليس الشعر، السرد اغرمت به، في سبره للمكامن، تسجيله لخشبة الحياة، بقدرته على استيعاب محاولاتي، هذياناتي، تحولاتي، متلقية صداه استحسانا او استهجانا أمام الآخر كاتبا، قارئا، ناقدا، والأطر الجامعة من علاقات واشكاليات.
أما بالنسبة للسرد الروائي فهناك من يرى في بعض نصوصي القصصية امكان الارتحال الروائي، لكن القص عندي له لذة وأراضٍ ذات خصوصية، له حيله ومساراته وحضوره.. الأهم هو الفكر، ووضعها ضمن اطار سردي قادر على احتوائها، انني أنتظر الكتابة التي تدفعني الى القصة أو الى الرواية دون وجود الحاح لحتمية الانتقال، فلا هوس يحدوني الى التقليل من كتابة القصة التي أحب أحجياتها، ولا الى مقارنتها بالرواية.
> الكاتب الجاد على الساحة الأدبية، في رأيك هل له وجود؟
- ثمة من يقدّم نصه على نفسه من جهة، ومن يقدّم نفسه على حساب نتاجه من جهة أخرى، فالكاتب الحقيقي موجود بندرة، لكن نقيضه قائم بكثرة، وأي كتابة سردية تظهر تباينات بين من يشتغل على نصه بأدوات ثرية بتراكم المعرفة والخبرة والجديّة، وبين من تجده يجهض سبل اختراق التجديد في نصّه المقبل.
> للناقد دور ايجابي في القاء الضوء على النص، ماذا يحتاج الكاتب منه؟
اننا بحاجة الى جهود تخلو من التملّق والمجانية المجحفة، نحتاج نقاداً محترفين يلاحقون النصوص الابداعية ويلمسون مواطن الجمال من خلال كتابة حيّة ونابضة بالموضوعية.
> أين تجد استبرق أحمد ذاتها الحقيقية؟ وماذا يشغلها؟
- أجد ذاتي في الكتابة، وأخوض شيئاً من التجريب، قد أوفق فيه أو يصادفني الاخفاق، وفي بحثي عن ذاتي جاء ركوني الى هذا الأسلوب من الكتابة حالياً. أما أوجه الشبه والاختلاف فانني أتركها للقارئ المتربص بنصي، فهو من يملك الاجابة، ولعل أبرز ما أنشغل به هو تخلف مجتمعاتنا بشكل يدعو الى الرثاء، ويفسح المجال من جهة أخرى لطغيان الاستهلاكية على الجوانب المعرفية والانسانية لدينا، بحيث لم يعد بالامكان العثور على مجتمع عربي يقوم ببناء انسانه فعلياً، كما أن ضيق أطر الحرية الآخذ في التزايد أمر مقلق جداً في ظل هجمة الجناح الدوجماطيقي الاسلامي والسياسي الهادف الى تقزيم الفكر المخالف ما يؤثر في النهاية على صيغ وتداعيات المنجز الابداعي.
وعن جائزة ليلى العثمان التي حصدها كتابها في دورتها الأولى قالت: هذه الجائزة من الجوائز الفاعلة والمهمة، فهي احد التحركات والتجمعات التي تسعى صادقة الى اعلاء الشأن الثقافي، انبثقت من منتدى المبدعين الجدد في رابطة الأدباء برعاية الشيخة باسمة الصباح الذي ساهم في ظهور أصوات كتابية عدة وما زال يعبّد الطريق ويفتح المجال لأسماء شابة كثيرة، ترتكب أسئلتها ولا تكف تبحث عن اجاباتها، عبر اللجوء الى لغة حية ومحصلات تكتنز بالاختلاف والتباين ما جعل المتلقي يخوض مغامرة التعرف على هذه الكتابات من خلال الأمسيات والنشر، وهذا ما توافر لي مع البقية من الأعضاء حين كانت هذه التجارب/ الأحجار هي الوسيلة لتهشيم الجليد الكائن.
هي وهج لافت تأتي به مثل هذه الجوائز الجادة، حين تقابل تجربة ما بالاحتفاء الذي يستحضر معه التوجس والقلق، فالجوائز لها بهجتها وعبؤها أيضاً، وتكمن أهميتها في أنها تخلق التنافس الحاضر ما بين النتاجات الابداعية المتنوعة، وفي ذلك انعكاس ايجابي على جودة النص المبدع وثراء المشهد الثقافي.
وفي النهاية... تقول استبرق: يخبرنا رولان بارت: «الكتابة تخيف. انها تنمو مثل بذرة وتهدد بافشاء السر»، وفي ذلك صدقٌ متناهٍ،، فهي كلما تنامت احالتك الى الكشف عن حقيقة رؤيتك، منجزك.
ستكون دائما مهيئا للالتقاط، لايقاد بصيرتك، صياد أكثر احترافا لجمع أخلاط متعددة من أجل تمريغ بياض الورقة المحايدة بحبرك الفاعل.
نحن الكتّاب ملزمون بالتحدث عن العالم ومحاولة تشييد عوالمنا، فثمة أمور مطمورة ومتحركة، عبر الأزمنة والأمكنة كافة، قد تسفر عن وجهها القبيح أو تخفيه، بينما الكاتب يستشعرها ويطرحها، معالجاً المسكوت عنه.

* كاتبة وصحافية مصرية
aahanaan@hotmail.com