شاهدت قبل أيام برنامجا عن كيفية استخراج النفط على قناة الـ «BBC» وعن ضرورة مراعاة عدم تلويث البيئة خلال هذه العملية، ومن المعلوم أنه مهما كان الحرص إلا أن عملية استخراج النفط تلوث البيئة ولكن بنسب تتفاوت حسب الاحترازات والاحتياطات التي يتقيد بها مستخرجو النفط، وللحقيقة توقفت عند هذا البرنامج وسألت نفسي: كيف يتم استخراج النفط في بلدنا النفطي، وكيف تتم المحافظة على البيئة؟
أعلم أن هناك محاولات من القائمين على استخراج النفط في الكويت للحد من التلوث ولكن هل هذه الاحترازات التي يتقيدون بها كافية؟ فشركة «نفط الكويت - koc»، وهي الشركة المعنية بالاستكشاف والإنتاج للنفط بشكل حصري، دائماً ما تعلن عن مشاريعها للحفاظ على البيئة... وتوارد لذهني مباشرة مشروع المليون نخلة الذي أعلنت عنه الشركة قبل حوالي ثلاثة أعوام ولكن المشروع تبخر ولم يتم الإعلان عنه فيما بعد، وإن كانت الشركة بالفعل استوردت نخلاً وبدأت في زراعته في مناطق عدة، لكن كل ما قرأنا عنه وقتها لا يزيد على 50 ألف نخلة، فأين ذهب هذا المشروع؟
حاولت الاستفسار من بعض العاملين في الشركات النفطية وبالتحديد «نفط الكويت»، وسألت صديقة لي تعيش في منطقة الأحمدي عن الأوضاع الصحية لديهم، وعن الجو المحيط فأكدت لي أن الأمر سييء للغاية، وأن التلوث البيئي مستشر وغالباً ما ترتفع سحب الدخان في المنطقة والناتجة عن استخراج النفط، وقال لي أحد الأقرباء ان الشركة، «نفط الكويت»، تنشر في إصداراتها الصحافية عن الفلاتر التي تحد من انبعاث الغاز في سماء الكويت، ولكنه أكد لي أن ما ينشر ليس هو الحقيقة الكاملة لأن هذه الفلاتر لا تعمل بالشكل المطلوب.
ما نراه بشكل مستمر من سلوكيات حكومية تجاه البيئة، وبالتحديد من مستخرجي النفط، وما نسمع عنه يحدث في المناطق النفطية في البلاد، وما يحدث بالفعل من تسربات نفطية، وعدم اتخاذ الاحتياطات القصوى أثناء عملية الإنتاج يجعلنا نعيش في حالة قلق على مستقبلنا ومستقبل أبنائنا. وإن كان النفط نعمة من الله عز وجل وخير ما بعده خير؛ لكننا نخشى أن تتحول النعمة إلى نقمة مع مرور الأعوام، فلا شك أن حالات السرطانات على اختلاف خطورتها استشرت في الكويت بشكل عام، وفي المناطق الملوثة بشكل خاص كالأحمدي والفحيحيل.
الغريب في الأمر أن النواب وأعضاء المجلس البلدي كلهم يتشدقون خلال حملاتهم الانتخابية بالمحافظة على البيئة، وبالأخص في الانتخابات الأخيرة سواء مجلس الأمة أو البلدي، ولكننا لم نر منهم هذا الاهتمام الذي أبدوه بعد وصولهم للكرسي، وألهتهم أشياء أخرى لا أعتقد أنها أشد أهمية من البيئة، فموضوع البيئة مرتبط أساساً بصحة الإنسان، والإنسان بلا صحة لا يعنيه لا التعليم، ولا الإسكان ولا البطالة، ولا قضية البدون، ولا الرياضة، وبقية المشاكل الأخرى التي يتناولها النواب هذه الأيام، ولا حتى محاور استجواب البراك لوزير الداخلية.
نريد أن تفعل مؤسسات البلد أدواتها وأدوارها تجاه البيئة، نريد أن تهتم تحديداً شركة «نفط الكويت» بالبيئة وبالانتاج الآمن للنفط... وليس من خلال نشرها لموضوعات متواضعة في مطبوعاتها تلك التي أصبحت هشة وتتناول موضوعات ركيكة صياغة وأسلوباً وفكراً، حتى في المطبوعات باللغة الانكليزية. ونريد من الشركة أن تمضي في مشروعاتها التي توقفت بهذا الخصوص كالمليون نخلة التي تبخرت فلم تصل حتى إلى 100 ألف نخلة، كما نريدها أن تتخذ أقصى الاحتياطات الممكنة في استخراج النفط والغاز.
أين الهيئة العامة للبيئة، وأين المؤسسات المعنية بهذا الأمر، بل أين وزارة الصحة من كل هذا العبث الذي يكلفها الكثير والكثير في علاج الحالات السرطانية، والحالات التي تعاني مشاكل بسبب التلوث سواء المعاناة من الربو، أو المشاكل في الجهاز التنفسي أو غيرها، وكنت أتمنى بدلاً من أن تعلن وزارة الصحة أخيرا عن انشاء مركز جديد للسرطان أن تعلن عن القضاء على المشاكل البيئية التي تسبب السرطان من الأساس... أليس كذلك؟
ونتمنى من لجنة الأولويات الحكومية البرلمانية التي تعقد اجتماعاتها هذه الأيام أن تضع البيئة كأول محور، وأول أولوية في سلم الأولويات الذي يتم الاتفاق عليه حالياً بين الحكومة والمجلس.


د. حنان المطوع
كاتبة كويتية