عندما تكتشف قضية ما، وتدور حولها الشبهات وعلامات الاستفهام يتم اللجوء عادة إلى ديوان المحاسبة بحكم استقلاليته وحياديته لاستجلاء الحقيقة، ولكن عند الغمز و اللمز في الديوان ويصبح تحت سيف التشكيك والريبة، ينبري السؤال الآتي: ما الجهة البديلة والموثوق بها والتي تتمتع بالمصداقية، وفي الوقت نفسه هي بمنأى عن الاتهامات والمصالح وبإمكانها القيام بالمهام الفنية والمالية والإدارية والقانونية بالشكل الكامل الوافي، في حال طرحت موضوعات معينة أو مشروعات خلافية بين الحكومة والبرلمان؟
فهل من المناسب الذهاب إلى مجلس الأمة على اعتبار انه الخيار البديل؟ لا يمكن ذلك لأسباب عدة، أولاً: أن مجلس الأمة يمثل طرفاً وقد يكون خصماً مقابل الحكومة. ثانياً: هناك اتهامات متبادلة بين النواب أنفسهم سراً وعلانية. ثالثاً: العديد من الأعضاء لديهم منافع تجارية وارتباطات حزبية. رابعاً: مجموعة من الأعضاء ليسوا موضع ارتياح من قبل الشعب. خامساً: عدد من الأعضاء محترفين في استغلال نفوذهم السياسي والبرلماني لتحقيق مصالحهم الخاصة. سادساً: بعض القضايا شائكة فنية معقدة تحتاج إلى خبراء ومتخصصين يملكون الدراية ولهم القدرة على الإلمام والمعرفة والفهم، الأمر الذي يعجز عنه المجلس... وغير ذلك، وفضلاً على ذلك فإن المجلس بطبيعته هو قاصر ويحتاج لديوان المحاسبة ليعينه ويستند على تقاريره، وبناء على ذلك يتضح أن خيار مجلس الأمة ليس منطقياً وغير مقبول ولا محل له بعد خيار ديوان المحاسبة.
كثير من الناس فقدوا الثقة في الحكومة، ومعظم الكويتيين لا يترجون الأمل والإصلاح من وراء مجلس الأمة، والآن اهتزت الثقة كذلك في جهاز ديوان المحاسبة والقائمين عليه، حتى الإعلام الخاص بات معظمه مرتعاً خصباً للشهرة السريعة والسمعة الزائفة والمكاسب غير المشروعة. إذاً ماذا تبقى لنا؟
نحن هنا لسنا في معرض المؤيد أو الضد تجاه ديوان المحاسبة أو الضجة الصاخبة حوله في الآونة الأخيرة، إلا أن هناك سؤالاً مهماً و جوهرياً ولغزاً محيراً ومبهماً يدور في الأذهان ويعلو في الخيال، فيبحث العقل عن إجابات واضحة حاسمة مقنعة لكل ما قيل ولا يصل إليها، وهو: ما سر الصمت المطبق الذي يلف أعضاء اللجنة العليا لديوان المحاسبة؟
وبالأخص السادة الأفاضل عبدالعزيز العدساني، وحسين الحريتي، ومحمد المطير، أمام هذا الهجوم العنيف والحملة الشرسة متعددة الاتجاهات، حيث لا سبيل للمتابع إلا أن يخلص إلى واحد من احتمالين: أن كل الآراء وردود الفعل المضادة والتي نسمعها هي صحيحة، أو أن الأمر يتضمن خفايا حساسة مستورة وعليه يؤثر هؤلاء الثلاثة السكوت، كمن فمه مليء الماء ولا يستطيع النطق.
ما هو مهم الآن وفي ظل هذه الظروف الصعبة والتجاذبات البرلمانية والتصريحات الإعلامية هو كيفية إغلاق هذا الملف الخطير بشكل مناسب لمصلحة الكويت والنظام الديموقراطي والأداء الرقابي السليم، وقد يتحقق ذلك عبر اجتماع عاجل وعلى مستوى عال يضم ممثلين لأعضاء مجلس الأمة مع قياديي ديوان المحاسبة (والحكومة إن لزم الأمر) للتباحث حول آخر المستجدات، والاطلاع على الحيثيات الدقيقة كافة من خلال إيقاف الصراعات الموجودة، ووضع النقاط على الحروف واتخاذ قرارات جريئة، تفادياً لأي مزيد من التدهور في هذا الجهاز الرقابي المهم، تمهيداً لاستعادة مكانة الديوان المعهودة كملاذ آمن يثق به الجميع، إذ لا أحد يود أن تستشري حالة الاضطراب السياسي المتمثلة في اللا استقرار الحكومي، واللا استقرار البرلماني، لنرى لاحقاً اللااستقرار في ديوان المحاسبة أيضاً، الذي انقلب حاله بعد ما كان حَكَماً أصبح متهماً!


شاكر عبدالكريم الصالح
كاتب كويتي
sh-al-saleh@windowslive.com