| علي الرز |
يستحسن النظر سريعا الى توقيت مقال «ديرشبيغل» عن تورط «حزب الله» في اغتيال الرئيس رفيق الحريري اكثر من النظر الى تفاصيل المقال والحبكات البوليسية وغير البوليسية التي تقفز من متون حروفه. فالتوقيت يدل على الجهة المستفيدة منه والغايات المرجوة والاهداف المتوقعة... وكلها تصب في خانة التصويب على سير المحكمة الدولية وعملها.
تماما مثل الحصبة الالمانية، اتى مقال المجلة الالمانية. «فيروس» عابر مفاجئ ينتقل بوسائل مختلفة فيشوش على وظائف الجسم ويرفع الحرارة ويشوه الوجه ويغير القسمات ويزرعها بالبثور... واخطر ما فيه انه اذا اصاب المرأة الحامل فقد يقضي على الجنين في بطنها أو يسقطه.
هل كان المطلوب من المقال ان يفعل ذلك كله في جسد المحكمة؟ ربما، لكنه في النهاية يبقى مقالا من عشرات المقالات التي كتبت شرقا وغربا عارضة عشرات القصص المتناقضة لقضية استشهاد الرئيس الحريري وبادئة بشريط فيديو رديء الانتاج والحبكة يظهر فيه شخص اسمه احمد ابو عدس سيتضح لاحقا من سير التحقيق انه ليس الرجل الذي كان في الشاحنة القاتلة وانه ربما كان ضحية «المخرج» الذي وضع صورته امام الكاميرا ثم وضع جسده لاحقا في مكان آخر.
المقال الالماني يقول ان «حزب الله» هو من اغتال الحريري، وان عناصر النخبة من الحزب خططوا وراقبوا ونفذوا واشتروا بطاقات هاتفية كان يجب ان تستخدم حصرا في لحظة واحدة ولأمر محدد، لكن رأس الخلية التي نفذت اخطأ واجرى مع صديقته مكالمة عاطفية ساخنة من احد هذه الارقام، الامر الذي ادى الى اكتشاف امره وامر رفاقه. ايضا قصة رديئة الانتاج والحبكة تثبت ان من كتبها لا يعرف شيئا عن «حزب الله» ولا يدرك انه مدرسة أمنية واستخباراتية تمكنت من التفوق على اكبر مدرسة امنية واستخباراتية في المنطقة اي مدرسة العدو الاسرائيلي، وان اخطاء كالتي ذكرت لا يرتكبها هاوٍ فكيف بمحترف بل برأس الخلية.
هذه نقطة واحدة فقط ضعيفة في الشكل كي لا ينسينا الابحار اكثر خطورة التغاضي عن المضمون وهو هنا المبدأ، اي كيف يمكن ان تزرع في مجتمع منقسم الى درجة التفتت فكرة تجد من يؤيدها او يعارضها مع العلم انها في الاساس خط احمر اخلاقي وسياسي ووجداني ووطني. نعم «حزب الله» تحت سقف النقد السياسي طالما انه جزء من التركيبة السياسية اللبنانية، وتحت سقف التعارض لابعد مدى مع بعض مواقفه الداخلية خصوصا لجهة قيادة الفريق الذي شل البلاد وعطل الحكومة وأخر انتخاب رئيس للجمهورية واحتل العاصمة في اليوم «المجيد» او «الاليم» او «الحزين»، ولكن الحزب الذي قاوم اسرائيل وهزم اسرائيل وزرع في ارض العروبة علما مضيئا عام 2000 لا يمكنه قتل هذا الانتصار بجريمة اغتيال ضد الرجل الذي يعرف الحزب اكثر من غيره كم كان حارسا عاقلا للمقاومة.
فعلها ام لم يفعلها؟ هنا يتحقق الهدف السريع والاولي للمقال الالماني. اي «التشويش على وظائف الجسم ورفع الحرارة»، حتى ولو اوجدت ممارسات الحزب الداخلية على مدى الاعوام السابقة مناخا من الاستياء لدى شريحة كبيرة من المواطنين سنة وشيعة ومسيحيين ودروزا. لكن هذا التشويش تحول ايضا زرعا شيطانيا من خلال الحملة الاسرائيلية التي تعاملت مع مقال وكأنه حكم محكمة ما يعني الدخول في مراحل التشويه وتغيير القسمات تمهيدا لحصاد الفتنة.
عشرات المقالات المتناقضة كتبت عن اغتيال الحريري وعن غيره من القضايا المتعلقة بـ «لبنان ما بعد الاغتيال». احدها في صحيفة سورية اتهم سعد الحريري بقتل والده، وبعضها في صحف اميركية واوروبية مرموقة تحدث عن دعم تيار «المستقبل» بالمال والعتاد لاعضاء «القاعدة» و«فتح الاسلام» الذين ارسلتهم سورية من سجونها الى شمال لبنان، وبعضها في صحف اسرائيلية تحدث عن اتصال مسؤولين في الغالبية اللبنانية بالرئيس الاميركي السابق جورج بوش يطلبون منه ان «يأمر» ايهود اولمرت باجتياح لبنان عند بدء حرب تموز.
وباستثناء ما كتبته الصحيفة السورية لانه لا يرقى حتى الى مستوى النكتة السمجة، تفاعل «حزب الله» والمعارضة مع «كلام الجرائد» الى درجة الاقتراب من الفتنة قيد شعرة واحدة. وهل ينسى احد الخطاب الشهير لسماحة السيد حسن نصر الله في حشود وسط بيروت حين صار يستشهد بمقالات اسرائيلية لتوظيفها ضد الغالبية اللبنانية ويكشف ان هذا المسؤول او ذاك اتصل وتجسس واعطى احداثيات، والجمهور يهلل والسيد يعده بالمزيد.
جرد «حزب الله» غالبية اعضاء الغالبية من وطنيتهم وانتماءاتهم بل ومن دينهم احيانا استنادا الى مقال في «هآرتس» او «معاريف» او «نيويوركر»، ومع ذلك تعامل مع ما كتبته «ديرشبيغل» بحساسية مفرطة وهو على حق في ذلك لان لبنان يدخل منعطفا تلتقي عند تقاطعاته متغيرات اقليمية ودولية، اما مصلحة الغالبية فهي في النظر الى المقال الالماني بعين «حزب الله» نفسها، لانه مقال يشبه الحصبة الالمانية في اخطر مراحله، اي في وفاة الجنين او اسقاطه اذا كانت المرأة حاملا... ولا يوجد سوى طرف واحد يريد لجنين الحقيقة ان يسقط من المحكمة من خلال تعدد الروايات والتشويش والتشويه.
alirooz@hotmail.com
يستحسن النظر سريعا الى توقيت مقال «ديرشبيغل» عن تورط «حزب الله» في اغتيال الرئيس رفيق الحريري اكثر من النظر الى تفاصيل المقال والحبكات البوليسية وغير البوليسية التي تقفز من متون حروفه. فالتوقيت يدل على الجهة المستفيدة منه والغايات المرجوة والاهداف المتوقعة... وكلها تصب في خانة التصويب على سير المحكمة الدولية وعملها.
تماما مثل الحصبة الالمانية، اتى مقال المجلة الالمانية. «فيروس» عابر مفاجئ ينتقل بوسائل مختلفة فيشوش على وظائف الجسم ويرفع الحرارة ويشوه الوجه ويغير القسمات ويزرعها بالبثور... واخطر ما فيه انه اذا اصاب المرأة الحامل فقد يقضي على الجنين في بطنها أو يسقطه.
هل كان المطلوب من المقال ان يفعل ذلك كله في جسد المحكمة؟ ربما، لكنه في النهاية يبقى مقالا من عشرات المقالات التي كتبت شرقا وغربا عارضة عشرات القصص المتناقضة لقضية استشهاد الرئيس الحريري وبادئة بشريط فيديو رديء الانتاج والحبكة يظهر فيه شخص اسمه احمد ابو عدس سيتضح لاحقا من سير التحقيق انه ليس الرجل الذي كان في الشاحنة القاتلة وانه ربما كان ضحية «المخرج» الذي وضع صورته امام الكاميرا ثم وضع جسده لاحقا في مكان آخر.
المقال الالماني يقول ان «حزب الله» هو من اغتال الحريري، وان عناصر النخبة من الحزب خططوا وراقبوا ونفذوا واشتروا بطاقات هاتفية كان يجب ان تستخدم حصرا في لحظة واحدة ولأمر محدد، لكن رأس الخلية التي نفذت اخطأ واجرى مع صديقته مكالمة عاطفية ساخنة من احد هذه الارقام، الامر الذي ادى الى اكتشاف امره وامر رفاقه. ايضا قصة رديئة الانتاج والحبكة تثبت ان من كتبها لا يعرف شيئا عن «حزب الله» ولا يدرك انه مدرسة أمنية واستخباراتية تمكنت من التفوق على اكبر مدرسة امنية واستخباراتية في المنطقة اي مدرسة العدو الاسرائيلي، وان اخطاء كالتي ذكرت لا يرتكبها هاوٍ فكيف بمحترف بل برأس الخلية.
هذه نقطة واحدة فقط ضعيفة في الشكل كي لا ينسينا الابحار اكثر خطورة التغاضي عن المضمون وهو هنا المبدأ، اي كيف يمكن ان تزرع في مجتمع منقسم الى درجة التفتت فكرة تجد من يؤيدها او يعارضها مع العلم انها في الاساس خط احمر اخلاقي وسياسي ووجداني ووطني. نعم «حزب الله» تحت سقف النقد السياسي طالما انه جزء من التركيبة السياسية اللبنانية، وتحت سقف التعارض لابعد مدى مع بعض مواقفه الداخلية خصوصا لجهة قيادة الفريق الذي شل البلاد وعطل الحكومة وأخر انتخاب رئيس للجمهورية واحتل العاصمة في اليوم «المجيد» او «الاليم» او «الحزين»، ولكن الحزب الذي قاوم اسرائيل وهزم اسرائيل وزرع في ارض العروبة علما مضيئا عام 2000 لا يمكنه قتل هذا الانتصار بجريمة اغتيال ضد الرجل الذي يعرف الحزب اكثر من غيره كم كان حارسا عاقلا للمقاومة.
فعلها ام لم يفعلها؟ هنا يتحقق الهدف السريع والاولي للمقال الالماني. اي «التشويش على وظائف الجسم ورفع الحرارة»، حتى ولو اوجدت ممارسات الحزب الداخلية على مدى الاعوام السابقة مناخا من الاستياء لدى شريحة كبيرة من المواطنين سنة وشيعة ومسيحيين ودروزا. لكن هذا التشويش تحول ايضا زرعا شيطانيا من خلال الحملة الاسرائيلية التي تعاملت مع مقال وكأنه حكم محكمة ما يعني الدخول في مراحل التشويه وتغيير القسمات تمهيدا لحصاد الفتنة.
عشرات المقالات المتناقضة كتبت عن اغتيال الحريري وعن غيره من القضايا المتعلقة بـ «لبنان ما بعد الاغتيال». احدها في صحيفة سورية اتهم سعد الحريري بقتل والده، وبعضها في صحف اميركية واوروبية مرموقة تحدث عن دعم تيار «المستقبل» بالمال والعتاد لاعضاء «القاعدة» و«فتح الاسلام» الذين ارسلتهم سورية من سجونها الى شمال لبنان، وبعضها في صحف اسرائيلية تحدث عن اتصال مسؤولين في الغالبية اللبنانية بالرئيس الاميركي السابق جورج بوش يطلبون منه ان «يأمر» ايهود اولمرت باجتياح لبنان عند بدء حرب تموز.
وباستثناء ما كتبته الصحيفة السورية لانه لا يرقى حتى الى مستوى النكتة السمجة، تفاعل «حزب الله» والمعارضة مع «كلام الجرائد» الى درجة الاقتراب من الفتنة قيد شعرة واحدة. وهل ينسى احد الخطاب الشهير لسماحة السيد حسن نصر الله في حشود وسط بيروت حين صار يستشهد بمقالات اسرائيلية لتوظيفها ضد الغالبية اللبنانية ويكشف ان هذا المسؤول او ذاك اتصل وتجسس واعطى احداثيات، والجمهور يهلل والسيد يعده بالمزيد.
جرد «حزب الله» غالبية اعضاء الغالبية من وطنيتهم وانتماءاتهم بل ومن دينهم احيانا استنادا الى مقال في «هآرتس» او «معاريف» او «نيويوركر»، ومع ذلك تعامل مع ما كتبته «ديرشبيغل» بحساسية مفرطة وهو على حق في ذلك لان لبنان يدخل منعطفا تلتقي عند تقاطعاته متغيرات اقليمية ودولية، اما مصلحة الغالبية فهي في النظر الى المقال الالماني بعين «حزب الله» نفسها، لانه مقال يشبه الحصبة الالمانية في اخطر مراحله، اي في وفاة الجنين او اسقاطه اذا كانت المرأة حاملا... ولا يوجد سوى طرف واحد يريد لجنين الحقيقة ان يسقط من المحكمة من خلال تعدد الروايات والتشويش والتشويه.
alirooz@hotmail.com