رأى اليهودي (شاس بن قيس) المسلمين في المدينة وقد تآلفت قلوبهم وتوحدت صفوفهم حتى تقاسموا أموالهم وزوجاتهم وأصبحوا كالبنيان المرصوص، ففكر في أعظم خطة ماكرة يستطيع بها ان يؤجج العداوة بينهم ويفرق صفوفهم، فجاءهم وأخذ يسرد الأحداث التي حدثت في الجاهلية بينهم وينشد الأشعار التي تنتصر للأوس على الخزرج والعكس، فيرد عليه آخرون إلى ان ثارت حمية الجاهلية بينهم وتنادى رجال: يا للأوس ورجال يا للخزرج، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم غاضباً وقال: أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ دعوها فإنها منتنة، فبكوا وندمواوتابوا.
لدينا اليوم العديد من نوعيات (شاس بن قيس) الذين يدركون نقطة الضعف في كل مجتمع متعدد الأعراق: ثم ينفخون فيها فيتراكض الناس - حتى العقلاء منهم إلى ترديد تلك الشبهات وتثور لديهم الحمية الجاهلية، اذا دخلت الدواوين في المناطق الداخلية تجد من يستثير رواد الديوانية بالقول: ان هؤلاء القبائل قد سببوا الفوضى في البلد وتجازوا الحدود وتجرأوا على ثوابتنا ويطمعون فيما لدينا بينما هم أغراب على البلد ولم يحصلوا على الجنسية الا منذ سنوات، ثم يطالبون بوضع حد لمطالبهم واذا دخلت الدواوين في المناطق الخارجية تجد من يستثير الحضور ان أهل المناطق الداخلية قد استأثروا بالأموال وبكل شيء من دوننا وتولوا المناصب الكبيرة في الدولة وحصلوا على احسن تعليم وتسهيلات من الحكومة بينما نحن طبقة ثانية لا نحصل الا على الفتات، ثم ينتقل هذا التذمر إلى مرشحي المجلس والنواب وكتاب المقالات فيجد المرشحون فيه مادة دسمة لكسب الشعبية تحت مسمى محاربة الظلم واحقاق الحقوق، ويتم تحدي القوانين بقسوة ومواجهة السلطات الأمنية وتقديم مقترحات غير واقعية لدغدغة مشاعر الناخبين ويكثر بيننا الأبطال الذين يقلدون البطل القصصي (روبين هود) الذي كان يسرق الأموال من الكبار ليوزعها على الفقراء!! وللرد على تلك الشبهات التي سماها الرسول صلى الله عليه وسلم منتنة نقول:
أولاً: لا توجد دولة في العالم الا وفيها أناس قد سكنوها منذ القدم ثم جاء من بعدهم آخرون ثم آخرون، ولو ان الأقدمين ضاقوا ذرعاً بمن جاءوا بعدهم وجعلوها مادة للسخط والتذمر والمطالبة بابعادهم لما قامت الدول أصلاً، بل ان كل من يحصل على المواطنة له حقوق مساوية للآخرين تحت ظل القانون.
ثانياً: ليس جميع القبائل طارئة على الكويت بل ان منها قبائل - كالعوازم مثلاً - أقدم من كثير من الحضر، وليست العبرة بالأقدمية ولكن بالولاء للوطن، ولا شك ان ما يجمع القبائل والحضر اكثر مما يفرقهم، فجميعهم مسلمون وعرب بل ومتحضرون - ليسوا من سكنة البادية - ويجمعهم الكثير من العادات والتقاليد، والتزاوج والانصهار.
ثالثاً: ليست هنالك صفة واحدة تجمع القبائل بل هم متعددون ومختلفون كما ليس للحضر صفة واحدة تجمعهم بل هم أشد تفرقاً وتنوعاً من القبائل، فمنهم السعوديون والإيرانيون والعراقيون والسوريون، وليس هنالك حد فاصل بين المناطق الداخلية والخارجية بل ان المناطق الجديدة قد اندمج فيها جميع ابناء الكويت.
رابعاً: لقد استطاعت دول كبيرة تعداد سكانها بالملايين وأعراقها مختلفة أشد الاختلاف ان تصهر اختلافاتها تحت مظلة الدستور والقانون وأن تشكل منهم وحدة قوية تحكم بها العالم كله، فهل يعقل ان نعجز في بلد المليون نسمة عن صهر اختلافاتنا أو أن نسمع في كل يوم من ينادي بتوسيع الشق بيننا؟!
ليس أمامنا إلا هذا الطريق ولتخرس الأصوات التي تقلد اليهودي (شاس بن قيس) في السعي لدق إسفين بيننا.
(وللحديث بقية بإذن الله)
د. وائل الحساوي
wael_al_hasawi@hotmail.com
لدينا اليوم العديد من نوعيات (شاس بن قيس) الذين يدركون نقطة الضعف في كل مجتمع متعدد الأعراق: ثم ينفخون فيها فيتراكض الناس - حتى العقلاء منهم إلى ترديد تلك الشبهات وتثور لديهم الحمية الجاهلية، اذا دخلت الدواوين في المناطق الداخلية تجد من يستثير رواد الديوانية بالقول: ان هؤلاء القبائل قد سببوا الفوضى في البلد وتجازوا الحدود وتجرأوا على ثوابتنا ويطمعون فيما لدينا بينما هم أغراب على البلد ولم يحصلوا على الجنسية الا منذ سنوات، ثم يطالبون بوضع حد لمطالبهم واذا دخلت الدواوين في المناطق الخارجية تجد من يستثير الحضور ان أهل المناطق الداخلية قد استأثروا بالأموال وبكل شيء من دوننا وتولوا المناصب الكبيرة في الدولة وحصلوا على احسن تعليم وتسهيلات من الحكومة بينما نحن طبقة ثانية لا نحصل الا على الفتات، ثم ينتقل هذا التذمر إلى مرشحي المجلس والنواب وكتاب المقالات فيجد المرشحون فيه مادة دسمة لكسب الشعبية تحت مسمى محاربة الظلم واحقاق الحقوق، ويتم تحدي القوانين بقسوة ومواجهة السلطات الأمنية وتقديم مقترحات غير واقعية لدغدغة مشاعر الناخبين ويكثر بيننا الأبطال الذين يقلدون البطل القصصي (روبين هود) الذي كان يسرق الأموال من الكبار ليوزعها على الفقراء!! وللرد على تلك الشبهات التي سماها الرسول صلى الله عليه وسلم منتنة نقول:
أولاً: لا توجد دولة في العالم الا وفيها أناس قد سكنوها منذ القدم ثم جاء من بعدهم آخرون ثم آخرون، ولو ان الأقدمين ضاقوا ذرعاً بمن جاءوا بعدهم وجعلوها مادة للسخط والتذمر والمطالبة بابعادهم لما قامت الدول أصلاً، بل ان كل من يحصل على المواطنة له حقوق مساوية للآخرين تحت ظل القانون.
ثانياً: ليس جميع القبائل طارئة على الكويت بل ان منها قبائل - كالعوازم مثلاً - أقدم من كثير من الحضر، وليست العبرة بالأقدمية ولكن بالولاء للوطن، ولا شك ان ما يجمع القبائل والحضر اكثر مما يفرقهم، فجميعهم مسلمون وعرب بل ومتحضرون - ليسوا من سكنة البادية - ويجمعهم الكثير من العادات والتقاليد، والتزاوج والانصهار.
ثالثاً: ليست هنالك صفة واحدة تجمع القبائل بل هم متعددون ومختلفون كما ليس للحضر صفة واحدة تجمعهم بل هم أشد تفرقاً وتنوعاً من القبائل، فمنهم السعوديون والإيرانيون والعراقيون والسوريون، وليس هنالك حد فاصل بين المناطق الداخلية والخارجية بل ان المناطق الجديدة قد اندمج فيها جميع ابناء الكويت.
رابعاً: لقد استطاعت دول كبيرة تعداد سكانها بالملايين وأعراقها مختلفة أشد الاختلاف ان تصهر اختلافاتها تحت مظلة الدستور والقانون وأن تشكل منهم وحدة قوية تحكم بها العالم كله، فهل يعقل ان نعجز في بلد المليون نسمة عن صهر اختلافاتنا أو أن نسمع في كل يوم من ينادي بتوسيع الشق بيننا؟!
ليس أمامنا إلا هذا الطريق ولتخرس الأصوات التي تقلد اليهودي (شاس بن قيس) في السعي لدق إسفين بيننا.
(وللحديث بقية بإذن الله)
د. وائل الحساوي
wael_al_hasawi@hotmail.com