|لندن - من إلياس نصرالله|
يراقب الأوروبيون عامة، والبريطانيون في شكل خاص، باهتمام شديد المبارزة الهادئة الدائرة بين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والرئيس الأميركي باراك أوباما، بعد فشل ساركوزي، وفقاً للمحللين، في فرض نفسه على أوباما ومحاولته القيام بدور أبوي نحو زعيم القوة الأعظم في العالم التي رفضها أوباما برفق، مما سيكون له أبعاد سياسية بالغة على العلاقة بين البلدين وعلى العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا في شكل خاص وعلى العلاقات الدولية عامة.
ووفقاً للمحللين كان ساركوزي مهتماً جداً بالتقرب من أوباما حتى قبل فوزه بالانتخابات الرئاسية في نوفمبر الماضي، تمهيداً لإقناع الرئيس الأميركي الجديد بعقد حلف استراتيجي معه أو خلق محور جديد بين واشنطن وباريس، شبيه بالحلف الذي نجح رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في إقامته بين لندن وباريس وما زال قائماً حتى الآن. غير أن السحر الشخصي لساركوزي وقدرته على فرض نفسه في التعامل مع الآخرين لم يفعل مفعوله على ما يبدو، بل أكثر من ذلك تناقلت وسائل الإعلام الفرنسية أخباراً عن إصابة ساركوزي بخيبة أمل شديدة من أوباما بعد الكلمة التي ألقاها أوباما أثناء زيارته لستراسبورغ قبل أسبوعين وتحدث فيها عن ساركوزي واصفاً إياه بأنه «رجل شجاع لكنه متعدد الجبهات، لدرجة أنه من الصعب أحياناً مواكبته».
ووفقاً للمقربين من الرئيس الفرنسي لم يفهم ساركوزي ما إذا كان كلام أوباما مديحاً له أم مذمة. فالقصد من الحديث عن تعدد الجبهات قد يكون تعدد الوجوه، مع أن ساركوزي يعتد بصراحته وصدق مواقفه. ومما يُزعج ساركوزي أكثر أن الشعبية الواسعة التي حظي بها أوباما بسرعة تجعل من المستحيل بالنسبة لساركوزي خوض أي مواجهة دفاعاً عن كرامته. بل ان أوباما سرق الأضواء من ساركوزي ذاته الذي لمع نجمه قبل أقل من عامين بعد فوزه في انتخابات الرئاسة الفرنسية.
ووفقاً للمحللين سعى ساركوزي منذ وصل إلى الحكم إلى إنهاء التقليد الذي أرساه الرؤساء الديغوليون في فرنسا منذ أكثر من 40 عاماً بالتعامل مع سيد البيت الأبيض كقطبين متنافسين ينظران إلى بعضهما البعض بحذر، مثلما تجلى في عهدي الرئيسين السابقين تشارل ديغول وجاك شيراك، حيث برز دور الأخير كمعارض للاستراتيجية الأميركية الرامية للسيطرة على العالم ورفض المشاركة في الحرب على العراق. فسعى ساركوزي لتقليص الفجوة بين البلدين وزيادة حجم التأثير الفرنسي في البيت الأبيض، وقدّم نفسه للرئيس الأميركي جورج بوش على انه شريك يقدِّم للقوة الأميركية العظمى الغطاء الأخلاقي الذي فقدته منذ الحرب العالمية الثانية. وعبّرت صحيفة «لاكسبرس» الفرنسية أول من أمس (الخميس) بوضوح عن هذا المنحى بقولها ان ساركوزي طرح نفسه «كالفيلسوف الأغريقي أرسطوطاليس بالنسبة للاسكندر الكبير أوباما».
من جهتها اتهمت صحيفة «التايمز» أمس (الجمعة) ساركوزي بجنون العظمة وقالت انه يعتقد بأن «الرئيس الأميركي ضعيف، والزعيم الإسباني ممل، والمستشارة الألمانية متشبثة بتلابيب المعطف الفرنسي وأن رئيس الاتحاد الأوروبي غير مناسب للمنصب». ووفقاً للصحيفة أن الطريقة التي تصرف بها ساركوزي مع أوباما أنهت فترة شهر العسل التي كانت قائمة في العلاقة بين البلدين خلال السنتين الأخيرتين. ويرى المحللون أن هذا هو السبب وراء التصرف الذي قام به ساركوزي قبل انعقاد قمة العشرين وتهديده بعدم حضورها، كما أنه بدا خلال القمة التي انعقدت أخيراً في لندن أنه غير راضٍ عن جدول أعمالها وقراراتها.
ونقلت وسائل الإعلام الفرنسية عن ساركوزي قوله في كلمة ألقاها أمام عدد من النواب الفرنسيين ان «أوباما رجل متيقظ الذهن وذكي ويتمتع بشخصية ساحرة، لكنه انتُخِب قبل شهرين ولم يسبق له أن أدار وزارة حكومية»، وذلك في إشارة إلى أن ساركوزي نفسه يتفوق على أوباما في أنه شغل في الماضي منصب وزير الداخلية في عهد الرئيس شيراك. وأضاف ساركوزي «هناك عدد من الأمور لا موقف لديه بشأنها. كما أنه لدى اتخاذ القرارات ليس دائماً سريع أو فعّال بالقدر المطلوب منه كرئيس».
وقال ساركوزي ان أوباما كان غير ملم بالقدر الكافي بمسألة التغيرات المناخية ونقلت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية عن أحد النواب الذي استمع لكلمة ساركوزي أن الرئيس الفرنسي قال لأوباما «لا أعتقد أنك فهمت جيداً ماذا نحن نفعل في مسألة ثاني أكسيد الكربون».
فيما كتبت صحيفة «لاكسبرس» أن ساركوزي قال ان «أوروبا مصابة بجنون أوباما»، وأضاف ساخراً أنه عندما يحضر أوباما في يوينو المقبل لزيارة فرنسا للاحتفال بذكرى الانتصار على النازية في منطقة نورماندي شمال فرنسا سيطلب منه «أن يقطع قنال لامانش مشياً على الأقدام. وأنا واثق أنه سيفعل ذلك».
على ضوء هذه المعركة يمكن فهم مواقف ساركوزي من قضايا عدة ، مثل الانتقادات التي وجهها لأوباما الذي دعا الدول الأوروبية لقبول عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يعارضه ساركوزي. ثم دعوته لإقامة قيادة عسكرية موحدة للدول الأوروبية بعيداً عن حلف الأطلسي، على الرغم من أنه سبق وأعاد مشاركة فرنسا في شكل كامل في الحلف.