استعرضنا في المقال السابق بعض الآراء في تشخيص المأزق الذي تعيشه الكويت منذ زمن طويل والذي يكاد يجمع الكثيرون بأنه مرشح للاستمرار في المجلس القادم لأن اسبابه ومظاهره مازالت قائمة، ولعل ذلك يفسر انسحاب بعض اقطاب العمل البرلماني من الترشيح لتلك الانتخابات حيث سيدفعون ضريبة عالية للوصول الى المجلس وقد يخسرونها خلال فترة قصيرة اذا حلّ المجلس.
الأزمة لا تقتصر على وجود نواب التأزيم او ضعف الحكومات المتعاقبة، وان كانت تلك اسبابا قوية ومؤثرة، ولكن هنالك اسباب اخرى موضوعية منها:
أولا: عدم ادراك الكثير من النواب وافراد الشعب لطبيعة العلاقة المطلوبة بين الحاكم والمحكوم وواجب الطاعة والاحترام المتبادل، وجرأة الكثيرين على كسر هيبة الحكم إما تحت مظلة الدستور او عن طريق القفز على الدستور والقوانين إلى درجة تفسير جميع التوترات والأزمات بأنها بطولات ومعارك يخوضون غمارها بشجاعة وليتنا نرجع إلى طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم في ديننا الاسلامي لندرك بأنها بعيدة كل البعد عن تصرفات هؤلاء.
ثانيا: اكبر غلطة ارتكبتها الحكومة هي في انشغالها عن غالبية اعضاء المجلس المساندين لها والتفاتها الى القلة صاحبة الصوت العالي، ومحاولة ارضاء تلك القلة بكل وسيلة والخضوع لمطالبها على حساب البلد الى درجة حرق اوراق الغالبية واحراجهم امام ناخبيهم تارة بالتنصل من وعودها لهم بالإصلاح والشفافية وتارة بالهروب من المواجهة، حتى وزراؤها اثبتت بأنهم لا يملكون من أمرهم شيئا وتسيرهم حيث تشاء.
ثالثا: ضياع هيبة القانون كانت هي العنوان الاكبر للانهيار الذي وصلنا اليه حيث تجرأ الكثيرون على نظام الدولة وتسابقوا على كسر القوانين وتحدي السلطات من اجل كسب الشعبية، وتمسك كل قبلي بقبيلته وطائفي بطائفته وحزبي بحزبه لادراكه بأن هذا التمسك هو الذي يحقق آماله وسط عالم الفوضى والتخبط الذي تعانيه الدولة.
رابعا: سقطت مبادئ كثير من النواب لهثا وراء كسب الاصوات واصبح الشارع هو الذي يقودهم بدلا من ان يقودوه، واصبحت المطالب الشعبية مقدسات لا يمكن للنائب ان يتحداها حتى وان كانت مخالفة للقانون والمنطق والشرع، حتى في اوساط بعض النواب الذين يرفعون شعارات تطبيق الشريعة، وحصل الانفصام النكد في ذلك الخط الوهمي الذي يفصل ما بين الداخل والخارج بحجة الحاجة إلى اسقاط القروض والدواوين والمساجد المخالفة والفرعيات.
خامسا: اما التيار الاسلامي في المجلس والذي يمثل اكبر تيار فقد شاهدنا تمزقه وتشتته وعدم اجتماع كلمته، على عكس المجالس السابقة التي كان له فيها تكتل واضح واجندة واضحة، وتداخلت القبلية والطائفية والحزبية فيه بوضوح، وراح بعض افراده يركضون وراء التكسب الشعبي حتى وان خالف المبادئ التي ينادون بها، حتى بعض التيارات الاسلامية التي تمثل عنصر توازن واستقرار حوّلت مسارها وتحولت للمعارضة من اجل الكسب الشعبي، وساهمت في اجهاض المجلس.
سادسا: برز بوضوح في المجلس السابق قضية من اخطر القضايا ألا وهي التوظيف السياسي للقضايا الدينية لدغدغة مشاعر المواطنين وتأليبهم على الحكومة مثل قضية طرد «الفالي» وهدم المساجد الكيربي، ولم يدرك مروجو تلك القضايا حساسية الاوضاع وخطورة النفخ في تلك الامور، ومع اننا نقر بأن الحكومة قد اخطأت في التعامل مع تلك القضايا واججت الشارع عليها، لكن تحويل الموضوع الى صراع بين الحق والباطل والخير والشر هو خطأ اكبر.
التأزيم في أبشع صوره!!
يقول الله تعالى «ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد» ويقول: «يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون».
وللأسف ان قنوات الفتنة لم تتوان عن النفخ في روح الحقد والكراهية بين افراد المجتمع ومنها اعطاء المجال لناشطة سياسية فاشلة تقربت بجميع السبل للكبار فلم يلتفتوا اليها ثم دخلت الانتخابات ففشلت فشلا ذريعا، فلم تجد غير الطعن بأهل الكويت وشتمهم، ولم يسلم من لسانها احد، فالسلف تلف - مع ان السلفية هي اتباع النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم - وراحت تطعن في شيوخ كرام لهم فضل على اهل الكويت وتستهزئ بهم لأنهم غير كويتيين وتنقل كلاما مجتزئا من اقوالهم لتدلل على عكس ما أرادوه، وتصور الاسلاميين بأنهم يتصارعون في المساجد ويهدمون ثوابت الكويت ويسعون للسيطرة عليها، وجوابنا على تلك الناشطة: لماذا يكسب التيار الديني تلك الشعبية الكبيرة ان كان بذلك السوء؟! أليس ذلك طعنا في أهل الكويت وأنهم لايفهمون ما فهمته ولا يعطونك إلا أقل القليل من الأصوات؟!
د. وائل الحساوي
wael_al_hasawi@hotmail.com
الأزمة لا تقتصر على وجود نواب التأزيم او ضعف الحكومات المتعاقبة، وان كانت تلك اسبابا قوية ومؤثرة، ولكن هنالك اسباب اخرى موضوعية منها:
أولا: عدم ادراك الكثير من النواب وافراد الشعب لطبيعة العلاقة المطلوبة بين الحاكم والمحكوم وواجب الطاعة والاحترام المتبادل، وجرأة الكثيرين على كسر هيبة الحكم إما تحت مظلة الدستور او عن طريق القفز على الدستور والقوانين إلى درجة تفسير جميع التوترات والأزمات بأنها بطولات ومعارك يخوضون غمارها بشجاعة وليتنا نرجع إلى طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم في ديننا الاسلامي لندرك بأنها بعيدة كل البعد عن تصرفات هؤلاء.
ثانيا: اكبر غلطة ارتكبتها الحكومة هي في انشغالها عن غالبية اعضاء المجلس المساندين لها والتفاتها الى القلة صاحبة الصوت العالي، ومحاولة ارضاء تلك القلة بكل وسيلة والخضوع لمطالبها على حساب البلد الى درجة حرق اوراق الغالبية واحراجهم امام ناخبيهم تارة بالتنصل من وعودها لهم بالإصلاح والشفافية وتارة بالهروب من المواجهة، حتى وزراؤها اثبتت بأنهم لا يملكون من أمرهم شيئا وتسيرهم حيث تشاء.
ثالثا: ضياع هيبة القانون كانت هي العنوان الاكبر للانهيار الذي وصلنا اليه حيث تجرأ الكثيرون على نظام الدولة وتسابقوا على كسر القوانين وتحدي السلطات من اجل كسب الشعبية، وتمسك كل قبلي بقبيلته وطائفي بطائفته وحزبي بحزبه لادراكه بأن هذا التمسك هو الذي يحقق آماله وسط عالم الفوضى والتخبط الذي تعانيه الدولة.
رابعا: سقطت مبادئ كثير من النواب لهثا وراء كسب الاصوات واصبح الشارع هو الذي يقودهم بدلا من ان يقودوه، واصبحت المطالب الشعبية مقدسات لا يمكن للنائب ان يتحداها حتى وان كانت مخالفة للقانون والمنطق والشرع، حتى في اوساط بعض النواب الذين يرفعون شعارات تطبيق الشريعة، وحصل الانفصام النكد في ذلك الخط الوهمي الذي يفصل ما بين الداخل والخارج بحجة الحاجة إلى اسقاط القروض والدواوين والمساجد المخالفة والفرعيات.
خامسا: اما التيار الاسلامي في المجلس والذي يمثل اكبر تيار فقد شاهدنا تمزقه وتشتته وعدم اجتماع كلمته، على عكس المجالس السابقة التي كان له فيها تكتل واضح واجندة واضحة، وتداخلت القبلية والطائفية والحزبية فيه بوضوح، وراح بعض افراده يركضون وراء التكسب الشعبي حتى وان خالف المبادئ التي ينادون بها، حتى بعض التيارات الاسلامية التي تمثل عنصر توازن واستقرار حوّلت مسارها وتحولت للمعارضة من اجل الكسب الشعبي، وساهمت في اجهاض المجلس.
سادسا: برز بوضوح في المجلس السابق قضية من اخطر القضايا ألا وهي التوظيف السياسي للقضايا الدينية لدغدغة مشاعر المواطنين وتأليبهم على الحكومة مثل قضية طرد «الفالي» وهدم المساجد الكيربي، ولم يدرك مروجو تلك القضايا حساسية الاوضاع وخطورة النفخ في تلك الامور، ومع اننا نقر بأن الحكومة قد اخطأت في التعامل مع تلك القضايا واججت الشارع عليها، لكن تحويل الموضوع الى صراع بين الحق والباطل والخير والشر هو خطأ اكبر.
التأزيم في أبشع صوره!!
يقول الله تعالى «ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد» ويقول: «يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون».
وللأسف ان قنوات الفتنة لم تتوان عن النفخ في روح الحقد والكراهية بين افراد المجتمع ومنها اعطاء المجال لناشطة سياسية فاشلة تقربت بجميع السبل للكبار فلم يلتفتوا اليها ثم دخلت الانتخابات ففشلت فشلا ذريعا، فلم تجد غير الطعن بأهل الكويت وشتمهم، ولم يسلم من لسانها احد، فالسلف تلف - مع ان السلفية هي اتباع النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم - وراحت تطعن في شيوخ كرام لهم فضل على اهل الكويت وتستهزئ بهم لأنهم غير كويتيين وتنقل كلاما مجتزئا من اقوالهم لتدلل على عكس ما أرادوه، وتصور الاسلاميين بأنهم يتصارعون في المساجد ويهدمون ثوابت الكويت ويسعون للسيطرة عليها، وجوابنا على تلك الناشطة: لماذا يكسب التيار الديني تلك الشعبية الكبيرة ان كان بذلك السوء؟! أليس ذلك طعنا في أهل الكويت وأنهم لايفهمون ما فهمته ولا يعطونك إلا أقل القليل من الأصوات؟!
د. وائل الحساوي
wael_al_hasawi@hotmail.com