|كتب المحرر الاقتصادي|
بدأت مؤسسة الموانئ الكويتية تحركاً جديداً لدى الوزارات والجهات الرسمية بالتوازي مع تحركها القضائي لاستحصال حق المال العام في الرسوم المستحقة عن استغلال مرافق المنطقة الحرة من قبل الشركة الوطنية العقارية، التي تنكرها الشركة منذ سنوات.
وتعوّل مؤسسة الموانئ على موقف قوي من الجهات الرسمية، وبالذات من وزارة التجارة والصناعة، في دعم المؤسسة، لتسهيل حسم القضية «لصالح المال العام» أمام القضاء، خصوصاً وأن وزارة التجارة بدت منحازة في عهود سابقة لصالح «الوطنية العقارية»، وتبدو «الموانئ» واثقة من أن ذلك سيتبدل، وأن وزير التجارة والصناعة أحمد باقر سينحاز إلى الحق، بما لا يسمح للشركة في الاستمرار بشد أزرها بقرارات وكتب ملتبسة، تشتت موقف الجهات الحكومية في قاعة المحكمة.
ولتلك الغاية، وجهت المؤسسة في 15 مارس الفائت كتباً باسم رئيس مجلس إدارتها وزير الكهرباء والماء ووزير المواصلات نبيل بن سلامة إلى كل من نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء فيصل الحجي ووزير المالية مصطفى الشمالي ووزير التجارة أحمد باقر لشرح ملابسات القضية والمطالبة بدعم الجهات الحكومية في تحصيل المال العام. كما وجهت كتاباً مماثلاً إلى المدير العام للهيئة العامة للصناعة ووكيل ديوان المحاسبة ووكيل وزارة المالية ووكيل وزارة التجارة.
وتتعلق القضية بمساحات للتخزين بجوار ميناء الشويخ مساحتها 1.22 مليون متر مربع، يفترض أنها مملوكة لمؤسسة الموانئ، بموجب قرار صادر عن بلدية الكويت بتخصيص هذه المساحات للمؤسسة في العام 1980، وقد أنفقت «الموانئ» أكثر من 15 مليون دينار في تطويرها خلال السنوات التالية. ولم يصدر أي قرار لاحق بنزع ملكيتها عن المؤسسة.
وتبرز المؤسسة وثائق وعقوداً تثبت أحقيتها في تقاضي رسوم تنكرها الشركة الوطنية العقارية، قد يصل مجموعها الأقصى إلى 7.027 مليون دينار سنوياً، أي ما مجموعه 74.95 مليون دينار منذ تسلم الشركة للمنطقة الحرة في 20 مايو 1998 حتى منتصف الشهر الجاري. مع الإشارة إلى أن مجلس الوزراء قرر في ديسمبر 2006 فسخ عقد إدارة المنطقة الحرة مع الشركة الوطنية العقارية، لكن الشركة استحصلت على حكم قضائي يتيح لها الاستمرار في إدارتها إلى حين البت في أصل الموضوع.
وتقوم حسبة «الموانئ» على اعتبار أن لها الحق في استيفاء 80 في المئة من الإيجارات التي تتقاضاها الشركة من المستأجرين، يخصم منها ما تنفقه الشركة على تطوير المنشآت داخل المنطقة الحرة.
وتستند المؤسسة في ذلك إلى عقد استغلال المنطقة الحرة الذي وقعته الشركة الوطنية العقارية مع وزارة التجارة بتاريخ 30 مايو 1998، والذي ينص في البند الحادي عشر منه على ما يلي: «يسمح الطرف الأول (وزارة التجارة) للطرف الثاني (الشركة الوطنية العقارية) بإدارة استثمار ومنشآت مؤسسة الموانئ الكويتية داخل حدود المنطقة التجارية الحرة على أن يلتزم بسداد 80 في المئة الإيجارات المحصلة نظير الانتفاع بهذه المنشآت إلى المؤسسة، وإذا قام الطرف الثاني بتأهيل أي من هذه المنشآت طبقاً للخطة المعتمدة من الطرف الأول كان له استيفاء جميع النفقات التي تحملها في سبيل تأهيل هذه المنشآت وذلك قبل أداء الحصة المقررة للمؤسسة».
وتجد مؤسسة الموانئ في هذا البند من العقد دليلاً دامغاً على ملكيتها لتلك المساحات التخزينية، بل إنها تبرز حجة أخرى أكثر وضوحاً، وتتمثل في أنها لم تسلم أصول المنطقة الحرة ومن ضمنها المساحات التخزينية إلى وزارة التجارة إلا على هذا الأساس القانوني وتحت شرط استيفاء الرسوم المذكورة من الشركة المديرة، وهذا ما تم بتاريخ 15 مايو 1998.
بل إن مؤسسة الموانئ كانت قد وجهت كتاباً إلى وزارة التجارة قبل توقيع عقد إدارة المنطقة الحرة بأكثر من عام، أشارت فيه إلى الرسوم المستحقة لها كشرط سابق لتسليم المساحات التخزينية الواقعة ضمن الحدود الجغرافية للمنطقة الحرة، كبدل عن استغلالها من قبل الجهة المديرة لها. ما يعني ان وزارة التجارة كانت تقر بملكية «الموانئ» للأراضي.
إلا أنه، وخلال السنوات التالية لم تتقاض مؤسسة الموانئ فلساً واحداً من الأرباح التي تدخل إلى الشركة الوطنية العقارية، كرسم عن استغلال 1.22 مليون متر مربع من الأملاك العامة.
ودأبت المؤسسة على إرسال كتب متالية إلى وزارة التجارة مطالبة بالمال العام المهدور من دون إجابة شافية. وكان أحد تلك الكتب كتاباً وجهته مؤسسة الموانئ إلى وزارة التجارة بتاريخ 12 مارس 2005 للاستعلام عن حقها في الإيرادات،
وهنا كانت المفاجأة. فبعد مضي سبع سنوات فوجئت مؤسسة الموانئ بكتاب من وزارة التجارة والصناعة مؤرخ بتاريخ 26 أبريل 2005 ينكر جملة وتفصيلاً أن يكون للمؤسسة مستحقات لدى الوزراة، بل إنه طلب من مؤسسة الموانئ إخلاء مستوعباتها من المنطقة التخزينية الخامسة، وهي منطقة تستخدمها مؤسسة الموانئ الكويتية منذ مطلع 2003 لتخزين الحاويات الواردة إلى المؤسسة، وتبلغ مساحتها 308 آلاف متر مربع، وهي جزء من المساحات التخزينية التي تقع تحت إدارة الشركة الوطنية العقارية.
ومن المفارقات أنه في الوقت الذي تطالب «الموانئ» فيه بمستحقاتها، تفرض الشركة الوطنية العقارية رسوماً على مؤسسة الموانئ مقابل استغلالها المساحة التخزينية الخامسة المشار إليها آنفاً بواقع 600 فلس عن المتر المربع الواحد شهرياً!
وبلغ مجموع ما فرضته الشركة من رسوم على مؤسسة الموانئ، وهي شركة تمثل مالاً عاماً، نحو 9.26 مليون دينار بين بداية 2003 وتاريخ فسخ عقد الشركة الوطنية العقارية في 18 ديسمبر 2006. ولم تعترف الشركة بحق المؤسسة في الحصول على 80 في المئة من هذه المبالغ طبقاً للنص الصريح في البند الحادي عشر من العقد الموقع بين الوزارة والشركة، والذي ينص على حصول المؤسسة على 80 في المئة من الإيجارات المحصلة مقابل الانتفاع بمنشآت المؤسسة.
وهذا يعني أن الشركة تنكر على المال العام حقه في الحصول على 7.4 مليون دينار في الجانب المتعلق بالمنطقة التخزينية الخامسة فقط، من دون احتساب المستحقات المتعلقة بكامل المساحات التخزينية البالغة 1.22 مليون متر مربع.
وتخشى مؤسسة الموانئ من أن الشركة الوطنية العقارية وجدت في رد وزارة التجارة على مؤسسة الموانئ سنداً لها في الاستقواء على المال العام أمام لجان الخبرة التي تفحص النزاع القضائي القائم سواء بين الوزارة والشركة، في شأن عقد المنطقة الحرة المفسوخ، او بين المؤسسة والشركة حول المستحقات عن المساحات التخزينية.
وترى «الموانئ» أن موقف وزارة التجارة هذا يساعد الشركة أمام القضاء مع ما قد يؤدي إليه ذلك من إلزام للمال العام بدفع تعويضات كبيرة للشركة، بدلاً من إلزام هذه الأخيرة بدفع عشرات الملايين التي تخلفت عن دفعها طيلة أكثر من عشر سنوات مقابل استغلالها الأملاك العامة.
ولذلك، يرى مسؤولو «الموانئ» أن موقف وزارة التجارة الداعم لحق المؤسسة في الرسوم مقابل استغلال أراضيها يشكل نقطة بالغة الأهمية في النزاع القضائي.
وعلى هذا الأساس، تسعى المؤسسة إلى استصدار قرار بتعديل نطاق المنطقة الحرة التي استغلتها الشركة لأكثر من عشر سنوات، بهدف إخراج المنطقة التخزينية الخامسة والمستودعات والساحات التخزينية جنوب المراسي 1-7، وبعض المستودعات والساحات الأخرى من المنطقة الحرة.
وتكمن أهمية هذا التعديل في أن إخراج المنطقة التخزينية الخامسة من المنطقة الحرة من شأنه توسعة محطة الحاويات في الميناء، باعتبار أن هذه المنطقة هي الامتداد الطبيعي للمحطة فضلاً عن كونها المساحة الوحيدة المتوافرة بالميناء لتخزين الحاويات الواردة والصادرة إلى جانب المحطة.
ويعد دعم وزارة التجارة لهذا المطلب حيوياً بالنسبة للمؤسسة لتسهيل عملها، وحسم جانب من الخلاف مع الشركة التي تخوض نزاعاً قضائياً طويلاً مع الدولة.
القضية في تواريخ
1997: «الموانئ» تعلن استعدادها لتسليم الساحات خارج الميناء، حسب الرسوم المقررة المعمول بها في المؤسسة لمقابل بدل الانتفاع.
30 مايو 1998: توقيع عقد المنطقة الحرة بين وزارة التجارة والشركة الوطنية العقارية.
26 أبريل 2005: وزارة التجارة تنكر حق «الموانئ» في استيفاء نسبة من الإيجارات وتطالبها بإخلاء المنطقة التخزينية الخامس.
23 أغسطس 2006: «الوطنية العقارية» توقع عقداً مع شركة ويغان القابضة المحدودة بقيمة 3.39 مليون دينار سنوياً، ضمن المساحات التخزينية، بقيمة إيجارية شهرية للمتر المربع بقيمة سبعة ملايين دينار شهرياً! ولم يعرض هذا العقد على وزارة التجارة والصناعة للموافقة عليه.
18 ديسمبر 2006: الحكومة تقرر فسخ عقد إدارة المنطقة الحرة الموقع مع الشركة الوطنية العقارية.
قصة العقد المليوني مع «ويغان»
تحت أنف الوزارة ومن دون موافقتها
شكل العقد الذي وقعته الشركة الوطنية العقارية مع شركة ويغان القابضة المحدودة في أغسطس 2006، عقدة مضافة في الخلاف بين «الوطنية العقارية» ومؤسسة الموانئ.
فالعقد يتيح لشركة ويغان استغلال أربع قسائم تزيد مساحتها الإجمالية على 40 ألف متر مربع، وتشكل نسبة مهمة من مجمل ساحات التخزين الخارجية، مقابل سبعة دنانير شهرياً عن المتر المربع، وبقيمة إجمالية 3.39 مليون دينار سنوياً.
وهذا البدل التأجيري الكبير جداً الذي يفوق معدل الإيجارات في المنطقة الحرة بـ11 ضعفاً، لا حصة للدولة فيه، كما ان وزارة التجارة لم تقره، مع ان عقد إدارة المنطقة الحرة يشترط بنص واضح موافقة وزارة التجارة على أي عقد تبرمه الشركة المديرة.
والغريب أن شركة ويغان هي من رفع دعوى قضائية على مؤسسة الموانئ، بحجة أنها لم تسمح لها باستغلال القسائم المنصوص عليها في العقد. وفازت الشركة بالحكم، إلا أن تدخل المؤسسة مع هيئة الفتوى والتشريع وتحرك وزارة المالية أديا إلى إلغاء الحكم، ما وفر على الدولة تعويضات كانت تطالب بها «ويغان» بقيمة 76 مليون دينار!
وقبل أسابيع قليلة، صدر حكم قضائي من محكمة الاستئناف قضى بإلغاء العقد بين الشركة الوطنية العقارية وشركة ويغان القابضة وما ترتب عليه من آثار، فعاد الحق إلى نصابه.