| نادين البدير |
ليس «حمار الحكيم» الذي فلسفه توفيق.
بل حمار الصغير.
حماره دخل أبيات الأغنية العربية التي دافعت عن وجوده وعن حقه كحيوان من خلال أداء سعد الصغير. حتى صار للحمار نصيب عالي من حصة الأغنية الشعبية في سوق المستمعين، الذين زاد توجههم في السنوات الأخيرة نحو الأغنيات المعتمدة على استفزاز الأذن قبل التقاليد الفنية. بالكلمات والحركات والأزياء عدا الألحان.
الحمار أثار أزمة. ترددت أخبار عن أن شعبان عبد الرحيم لم يصمت إزاء أغنية (بحبك يا حمار) فقام بتحذير سعد الصغير من التمادي بحب الحمار في الملاهي الليلية وعلى المسارح، لأنه (أي شعبان) كان صمم على إهداء أغنية للحمار قبل سنوات عدة (أنا بحب الحمار بجد مش هزار) ويتهم اليوم سعد بسرقتها.. وبعد تنافس المطربين على اكتساب ود الحمار حظيت أغنية سعد الصغير بحفاوة شعبية ساحقة.
لكل عصر فئته الشعبية الخارجة عن السائد. ملابس رثة وألفاظ لم يعتدها العرف.. سعد وريكو وكثيرات من المغنيات قد يكونون ضمن هذه الفئة.
في العادة تترك تلك المجموعة أثراً أو تحدث تغييراً، فطالما أنها أحدثت ضجيجاً في وقتها فهي وإن انتهت أو اختفى بريقها سريعاً مثلما ظهر إلا أنها خطوة أو زاوية من زوايا المستقبل.
ثورة اجتماعية؟ أم سقوط فني؟
في مظهرها لا تبدو الأغاني الجديدة ثورة اجتماعية، قريبة هي إلى زعيق أولاد الشوارع.
وليس التأقلم مع تلك الأغاني ممارسة للانفتاح على كل ما هو جديد وعصري. التأقلم والعصرية ليس قبول كل شيء. وأي شيء.
حين ظهر الهيبيز في الغرب ارتدوا ملابس تتحدى الذوق العام في تلك الفترة، واعتمدوا المظهر البوهيمي ومارسوا أنواع الإباحية، واليوم يعتقد الكثير من هيبيز الماضي بأنه ليس من داع لاستمرار ذلك النهج الحياتي المتخبط بعد انتهاء الثائرين من تنفيذ مرادهم. فبعد الحرية العشوائية الموقتة دعت الحاجة إلى الاستقرار عبر الحرية الواسعة المنظمة والمسؤولة.
واليوم يزعم نجوم موسيقى الروك أن لديهم رسالة يوصلونها من خلال ألفاظ ينتقدون فيها مبادئ لا يريدونها، ولإثبات سلامة أهدافهم يشاركون بالأعمال الخيرية العالمية، وقد طالب أهم نجوم الروك زعماء العالم بتخفيف أعباء الديون عن المنطقة الأفريقية المنكوبة، وعملوا بجهد كبير لكبح داء الإيدز عن الانتشار هناك.
إذا كانت الأغنية طريق قصير لإيصال رسالة، فهل يملك المغنيون المصريون واللبنانيون الجدد مشروع مجتمعي أو سياسي؟
واحدة تتغزل بالحصان، وآخر بالحمامة. وثالث بالعنب. وهناك من تنتظر دورها على الرووف.
الموضة الجديدة هي التحول إلى دائرة الحيوان والنبات، الموضة التغني بجزمة بوش والحنطور.
هل من ضمن المشروع تشويه الموسيقى، وتعليم الفراغ.
هل الأغنية انعكاس لثقافة الأفراد، أم أن الأغنية هي التي تصنع الثقافة؟
جزء كبير من الثقافة يتشكل اليوم عبر شاشات المنازل. يستقبل الفرد كلمات لم يعتد أن تدخل منزله لكنها تعجبه أو ينصت لبرنامج ديني يتدرج حجم تطرفه بين البسيط والمعقد وكلها تصب في ذات الزاوية.
في كل مرة تناقش بها أوضاع الفن يتردد لفظ (العري) آلاف المرات وتهمل الألحان، كلمات الأغاني، مستوى المطربين.
المسألة ليست في العري أبداً. وكأن العري شيء جديد على الفرد العربي.
كانت الراقصات في الأفلام القديمة وحتى الممثلات يرتدين ملابس كاشفة جداً لم تقم بارتدائها أي مطربة اليوم... ولم يكن المجتمع العربي يكتبه أو ينتقده ويهاجمه.
حالة الجسد المكشوف هي حالة قديمة ومعتادة.
كان الجسد شبه العاري مكملاً للروح الموسيقية متعانقاً معها. كان الجسد مكشوفاً بوقار. اليوم تؤدي الموسيقى دور الكومبارس الذي يقف خلف الباحثات عن الثروات.
وفي بعض المقطوعات، اجتمع لحن ملائكي مع أجساد الإناث وصوت فريد الأطرش المستحيل لتتشكل لوحة إنسانية نادرة. كما في أغنيته الربيع الذي نعيشه هذا الشهر.
وأنا يمرني الربيع هذه الأيام. وأكتب عمن يريد أن يطعم حماره آيس كريم بدل البرسيم.


كاتبة وإعلامية سعودية
nadinealbdair@yahoo.com