| اعداد: مساعد بن جبران العازمي |
كانت تلف أجواءنا الشعبية خلال الموسمين الأولين من البرنامج الأخطبوطي التمدد نجاحا - شاعر المليون - تراكمات ضبابية وأروقة سميكة داكنة تضاءلت معها مساحة الرؤية الاستقرائية لما بعد انقطاع البث المباشر بنهاية كل جولة وللا معايير المحكّمة بين الشعراء من السفح للقمة.
كما أن العاطفة القاصرة أوصلت جُل المتابعين لقاع السذاجة أو أدنى من ذلك من خلال إصدار الأحكام المسبقة والمنحازة حول مخرجات كل حلقة في ما يتعلق بالشعراء والشعراء فقط والذين قد - كما تطايرت به الشائعات - يعلمون بنتائجهم قبل بث الحلقة, متغافلين العنصر الأهم أو المفترض به أن يكون الأهم وهو لجنة التحكيم المنوط بها الدفع بالبرنامج للتنامي الجاذب وفق آلية واضحة المحددات للمختصين على أقل الاحتمالات. ولكن رمادية المسار لعمل اللجنة تمثل في الحرج الذي أوقعت نفسها في قبضته , فلم تنهج أسلوب التحليل الفني والبنائي بمختلف مقاماته وبصورة تثري الساحة - وأحسب ذلك من أهداف البرنامج - ولم تقتصر كذلك على التقييم وفق آليته الإدارية لإدراكنا بأن المزج الفوقي المخل كالإطناب السطحي الممل والمتابع الآن تجاوز (مافيك حيله وفالك البيرق وتحوير هذا إلى هاض) بمراحل. وهذه المعطيات وغيرها ألحت على أنه لابد أن يكون هناك حراك من نوعٍ ما كمراقب أدبي إعلامي محايد مثلا يمثل ولو الحد الأدنى من وجهات نظر الآخرين حول برنامجنا الجماهيري المميز لإحداث نوع من التوازن بين مكوناته ومدخلاته من جهة ومخرجاته من جهة أخرى وليدرك من يقيِّم أن هناك من يقيّمه لتخف بذلك حدة الأنا , فكان برنامج درب البيرق - بكل تداعياته - الذي واكب فعاليات النسخة الثالثة من شاعر المليون كشاهد موسم وراصد موقف ومراقب غير معتمد.
كاد هذا الوليد المبهر أن يكسب السبق بين يدي الأب الروحي له أحيانا في بعض حلقاته التي ضمت نخبة من المتمكنين وإن كان بعضهم من المتجَاهَلين إعلاميا وهي نقطة تحسب للقائمين عليه والذي اتضح جليا من خلال حواراتٍ أقل ما توسم به أنها مثمرة من حيث المواضيع المطروقة والأفكار التجديدية المقدمة وتلمس زوايا فنية وشعرية وتقييمية قد لا يدركها العامة أو ممن هم على شاكلة ( مع الخيل يا شقرا ).
وكما أن لهذا البرنامج جوانب مضيئة بتحفظ قدّرها المتابع فانجذب له طوعا وكأنه قد وجد فيه ضالته التي بحث عنها طويلا ,و منها للمثال لا الحصر ما يتعلق بمناقشة قصائد من بخسوا حقهم من الشعراء في مرحلة 48 أو ممن تم التطاول عليهم بسقط الكلام في الجولات التمهيدية أو ممن منحوا درجات متدنية عكس واقع الحال أو ممن أبعدوا بحجة تجاوز الوقت وكأن اللجنة لم تر قصائدهم سلفا. وكذلك إضافة بُعد تثقيفي للمشاهد العادي بطرح أهمية معيارية قرار اللجنة وكيفية انسياق بعض الشعراء لتقديم ما يوافق توجهها لا ما يعبر به ومن خلاله عن مدى مقدرته الشعرية بناء وتصويرا وخيالا , والاستضافة أحيانا للفكر لا الاسم في بعض حلقاته كان من أشد إضاءات البرنامج وأكثرها إبهارا حيث البحث عن الجديد المبدع والعمل على استمطار فكري حر وغير تقليدي هروبا من الأطروحات الأكاديمية النمطية. إلا أن هناك خفوتا صاحبه متمثلا في استضافة بعض الحشو أو مكملي العدد الصحيح الذين زج بهم ليتعروا أمام المشاهدين بقصد أو بغيره لضحالتهم وجهل بعضهم لما دعوا من أجله , كما أن تواجد بعضهم من السطحيين جدا أوحى لنا بأنهم قد فرضوا فرضا على مقدم البرنامج الذي أعيته الحِيَل في إفهامهم فكم كانوا في وادٍ والتسـاؤلات في آخر ناهيك عن ركاكة المظهر والمخبر, كما أن لشخصنة طرح بعض الضيوف كردود المعلم المسعودي النابعة عن تراكمية ما أثر في ذلك الخفوت ولن أقول السقوط تجاوزا. لكننا قد نلتمس العذر لننصب شماعة الوقت وزحمة المواعيد وحداثة التجربة.
أبرز ما وقفت عليه في برنامج الدرب !!
• ما تحدث به الناقد الكويتي الظفيري إن لم تخني الذاكرة حول عمل اللجنة إذ تساءل قائلا: هل اللجنة تحليلية أم تقييمية ؟ وهو تساؤل مشروع ولكي يُجاب عنه فلابد من رسم خطة عمل لآلية عمل اللجنة الموقرة.
• ولضيفٍ آخر تداخل حول ضرورة تبيان معايير عمل اللجنة ليتسنى للجميع أو لنقل للمختصين معايشة الأجواء ومواكبة الحدث لتكون ردود الأفعال عقلانية وموضوعية وبالتالي تصب في ذات المسار التصاعدي الباني لا أن تكون ردودا سطحية لا تقوم على أي معطى واقعي فتقذف في زاوية الرد من أجل الرد فقط.
• وللشاعر الإماراتي القدير محمد بالمر رأي ملوكي أكثر من الملك حول رمزية اللجنة وأن المساس بها بدعوى التغيير غير مقبول وكأن في هذا المطلب تطاول على مقدس, وإلى من يرى مثل ذلك مع تقديري لآرائهم يمكن القول بان جميع عناصر البرنامج متحركة حول المحور الأهم والأوحد سمو الشيخ محمد بن زايد حفظه الله وهو الثابت الوحيد , ومن المسلمات أن التطوير لا يتم إلا بالتغيير , فثلاثة مواسم كافية لأن نقول لهم شكرا ولكننا بحاجة ماسة لدماء جديدة مؤهلة لضخ الحيوية وتوليد الطاقة لمواصلة الانطلاق.
• تمت مناقشة بعض التحسينات التي أدخلت قسرا على البرنامج مثل المجاراة والارتجال ولكنها كانت نقاشات غير عميقة بحيث تطرقت لمواضيع القصائد والوقت المحدد ولكن ماذا عن تعليقات اللجنة التي لم تكن تحليلية أو تقييمية وكذلك محاولات الشعراء التي لم تضف شيئا سوى القدرة على صف الكلمات مع التباين النوعي بين القصائد الأصل والمجارية لها مع استسهال تكرار القوافي التي كان أوائلنا يعيبونها باعتبارها مثلبة في حق مقترفها. أما الارتجال فكان مع احترامي للفكرة باهتا من ناحيتي السبك والحبك وضعف القدرة الانتقائية في توظيف المفردة بناء على قياس عمقها ومعرفة طاقاتها المتعددة.
• تمت في حلقته الأخيرة محاورة عضوي اللجنة ( العميمي وصفوق ) اللذَين لم يضيفا جديدا سوى تأكيدهما أن البرنامج عليه بعض الملاحظات كما نوّها بأن هناك اجتماعات تحضيرية دورية لشاعر المليون , ولكن يتساءل البعض هل الملاحظات على درب البيرق والمآخذ ناجمة عن تشخيص واقع اللجنة أم لعدم أهلية من شارك فيه ؟
و أسأل من جهتي عن تلك الاجتماعات التي لم يعلن عنها ولم نسمع بخبرها في حينه, أليست تخص برنامج جماهيري متابع ؟ إذا لماذا لا يدعى لها الإعلام والمختصين لتتلاقح الرؤى وتكشف الآلية؟ أم فقط أن ما قيل للاستهلاك الإعلامي ؟
• عدم التطرق للقوة الدافعة التي لا نرى تأثيرها إلا في الثواني النهائية والحلقة الأخيرة في كل موسم تلفظ أنفاسها لتعمل عملها بالتغيير الرقمي وقلب الموازين مما يحدث نوعا من البلبلة حول رأي اللجنة ومصداقيتها. فمن يا تُرى وراء تلك القوة ؟ وكيف ولماذا مُكن؟
من كل هذه التداعيات نخلص بعدة أمور:
- أهمية برنامج شاعر المليون للشعراء وللمتابعين تفرض علينا آلية عمل شفافة تكون عناصر جميع مراحلها واضحة للجميع.
- كما أن هناك ثوابا مجزيا وأموالا مسخّرة فلابد في المقابل أن يكون هناك محاسبة للتجاوزات التي مصدرها بعض من مكونات البرنامج حفاظا على سمعته وحقوق الآخرين.
- اعتماد برنامج درب البيرق كنافذة مسؤولة للتعبير الحر المؤثر والمسؤول للحفاظ على توازن الضغط بين الغلافين الداخلي والخارجي لبرنامج شاعر المليون بإبراز الجوانب الإيجابية والتنويه عن السلبية مع طرح الحلول واتساع الرؤية أمر مطلوب, شريطة أن يُعد له الإعداد الجيد مع مراعاة أن فاقد الشيء لا يعطيه.
- عقد لقاء مع المختصين والإعلاميين قبل وبعد بدء فعاليات البرنامج الضخم.
و بالرغم من عدم تماسي المباشر أو غير المباشر بالبرنامجين أو بالقائمين عليهما إلا أن بعض الشواهد التي تصوّر جوانب من الخلل قد وصلتني بطرق غير مباشرة لذا لم أسردها لعدم وجود الدليل المادي وبالتالي لم ألق لها بالا لأن مصدرها يقولون , ومع ذلك فإن الضبابية التي هي من أهم المحاضن والأجواء التي تزدهر فيها الإشاعات لا ولن تخدم هذا البرنامج الذي لا يزال في الصدارة كما أن التقوقع الذاتي سيظل عائقا أمام التطوير. وما نريده له هو ما نريده لبرنامج درب البيرق ليستقيم النسق بدلا من أن تضيع معالم الطريق !
سدد الله الجهود لما يحبه ويرضاه... وكل موسم والبيرق بمليون.
مبارك بن محمد الودعاني
wadanym@hotmail.com