| فاضل الزباد* |
ليس هناك توجسا من عدم وجود إصدارات ثقافية متعددة، ولكن التوجس يكمن في مدى النضج الذي تتمتع به تلك الإصدارات من خلال نشر الكتب والمقالات والروايات والقصائد والدواوين الشعرية، مما تضفي فائضاً كمياً لأرفف المكتبات، وعندما نتكلم عن النضج فإن القصد يتمحور في مدى التكافؤ الفعلي والوجداني بين ما ينشر وبين ما يخضع لعملية الانتقاء الفكري، الذي يقوم على استدلال عناصر الفكرة والحبكة وفق مقاييس الاختيار، وصواب الفكرة هنا هو التركيز على انجازات الأدب، بما يحمله من تميز معنية من أمر الإبداع الشيء المثير، ذلك الابداع الذي يفرز جماليات ذوقية ومزايا تفوح بالالتزام وخصوصية الواقع الاجتماعي، لأننا نعترف بأن قاعدة الأدب هي الإنسان عقلاً وأشواقاً وآمالاً وأحلاماً، فالمنجز الثقافي هو ما يضفي انطباعاً سيادياً في العقل وفي الوجدان، لأن يعتبر تعبيراً نموذجياً يطرح علاقة تلوح بالشفافية قبل التكتم عن اضمارات النرجسية والأنا، والتي تأخذ منحنى غريمياً مع المصداقية، فليس هناك علاقة خرساء بين الثقافة والجمهور، فما دام منظور الأفقية في العطاء والتلقي بارزاً وموجوداً ويحقق وفرة تبادلية في التفاهم وفي التأثير والتأثر، فالثقافة ليست قابعة في صحراء معزولة وإنما هي طاقة معرفة للبشرية سواء كانوا مبدعين أو قراء، نخبة أم عمومية جمهور، أن كمية الإصدارات لا تفي وحدها بالغرض والإسهامات، بل لابد وأن تتوفق بالنوعية، وهنا لابد وأن نفرق بين نتاج الموضوعية ونتاج السطحية، فالأول يرفع من قيمة نفسه بتميز عطائه والأخر يضع نفسه مضارباً ، في مهب ريح التبعية والنمطية والمجاملة والنفاق الأدبي وكتابة سطور اللا معنى واللا هدف سوى هدف التسلق من التودد والمحاباة من هذا المنظور نستطيع أن نتوسم المقارنة ما بين الترفع والاقتدار وبين الانحطاط، ما بين الثبات والتوهم فهذا يعمل ليومه ومصلحته وذلك ينتج لأجياله ومستقبله وقيمة ومثله العليا. أن الثقافة ليست للخاصة دون العامة وليست التنمية الثقافية ترفاً فكرياً، فالثقافة لها شمولية ولها انتشار، ولكي تصل إلى القراء لابد لها من حسن إدارة، فالموارد الأدبية موجودة ممثلة بالمنجزات الإبداعية والثقافية، لكن تبقى مسألة إدارة تلك المنجزات لكي نشعر بالاهتمام والرعاية، حتى تصل دون تباطؤ أو شعور بالإحباط إلى الجمهور، فالمسألة أذاً يكمن فحواها في كيفية الحفاظ على الترابط ما بين المؤسسات الثقافية وما بين المبدعين أولاً، حتى يعرف الجمهور ما هو حجم الثقة بينه وبين ما ينشر، وهنا علينا أن نقنعه بأن الإبداع هو تفجير للطاقات وأداء أنساني مخطط له، مميز يعتمد إلى حد كبير على الأسلوب والفكرة والموضوعية، التي يتهلل وجهها فرحاً حين تخرج من أفواهها الكلمة الصادقة.
Fadel_al_subae@hotmail.com