|كتب إبراهيم فتيت|
الهدوء في صالات مطار الشيخ سعد العبدالله لا يشبه في شيء قاعة توديع المسافرين أو انتظار القادمين في مطار الكويت الدولي. فالمسافرون هنا في الغالب من أولئك الذين لا ينتظرون الطائرة، بل تنتظرهم، ولا تدور عجلاتها إلا بقرار منهم وحين يستوون في مقاعدهم الوثيرة!
قبل نحو ستة أشهر، اكتمل حضور مطار الشيخ سعد العبدالله كمستقر للطائرات الخاصة الكويـــتية، بعد أن كــــانت تلــــك الــــطــــائــــرات تــــركن في مطار دبــــي أو مطـــار الــــشارقة، وتستقدم حين الحاجة إلى مطار الكويت، لتحمل صاحبها أوقلة من مسؤولي إحدى الــــشركات وتطير إلى وجهتها، وحين يعود رجل الأعمال إلى الكويت تعود الطائرة إلى قاعدتها في الإمارات.
لكن سبتمبر كان يشهد أحداثاً أخرى، فمع انفجار الأزمة المالية العالمية على اوسع نطاق، باتت الطائرات الخاصة قريبة إلى أصحابها الكويتيين، لكن الحماس لاستخدامها تراجع إلى حد بعيد، بحسب ما تكشفه الأرقام.
فبعد أن بلغ عدد الرحلات في مطار الشيخ سعد العبدالله 173 رحلة في سبتمبر 2008، انخفض الرقم إلى 152 رحلة في أكتوبر، وتذبذبت الأرقام، لتنخفض في المحصلة إلى 81 رحلة فقط في مارس، أي بتراجع نسبته 53 في المئة.
وربما يعكس هذا الانخفاض اتجاهاً عالمياً لدى الشركات ورجال الأعمال لخفض النفقات، خصوصاً في المستويات التنفيذية من الإدارة. ويمكن الإشارة هنا إلى ما واجهه رؤساء شركات صناعة السيارات الأميركية الثلاث الكبرى من انتقادات، حين «طاروا» إلى واشنطن لإسماع الكونغرس مطالبهم على متن طائرات خاصة. وكان ذلك درساً قاسياً إلى حد أنهم في المرة التالية جاءوا بسياراتهم إلى العاصمة!
إلا أن الامور تختلف في الكويت، فالطائرات الخاصة إما أن يكون ملاكها أفراداً أحراراً في ما يملكون، وإما شركات كبرى تعد الطائرة الخاصة ضرورة من ضرورات العمل فيها، بسبب انتشار فروعها وأنشطتها في أسواق دولية كثيرة، مثل «أجيليتي» و«زين» وغيرهما. ولأن الفكرة لا تزال حديثة نسبياً، فإنها لم تتحول إلى موضة من «لزوم ما لا يلزم».
ولذلك يرى كثيرون أن الطيران الخاص لم يعد مجرد مظهر من مظاهر الترف لا يحظى به إلا قلة من الأثرياء، فمع زيادة الحراك الاستثماري في منطقة الخليج خلال السنوات الماضية، اضحى الإقبال على السفر بالطائرات الخاصة لرجال الأعمال وكبار المسؤولين في الشركات الخليجية ينمو بصورة كبيرة.
لكن مع استفحال الأزمة المالية وتأثر قطاع الطيران الخاص، بات تقليص السفرات الخاصة لرجال المال والأعمال من السبل الأسهل لتقليص النفقات. واضطر كثيرون إلى هجر تلك الطائرات إلى بدائل مختلفة من بينها العودة إلى وسائل الاتصالات التقليدية مثل الهاتف والإنترنت ومؤتمرات الفيديو الأقل تكلفة بطبيعة الحال.
وقد كان تدافع رجال الأعمال للسفر على متن الطائرات الخاصة، نظرا لعامل الوقت الثمين بالنسبة لهم، هو ما حدا ببعضهم إلى شراء أو تأجير طائرات خاصة، كبديل فعال للرحلات التجارية التقليدية تجنبا للتعقيدات اللوجستية التي يتعرض لها المسافر في المطار العام، بالإضافة إلى الراحة والخصوصية وقابلية الهبوط في اصغر مطار ما يعني توفيرا للوقت والجهد.
ويبلغ عدد شركات الطيران الخاص على مستوى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي نحو ثلاثين شركة، ويشكل حجم سوق السفر بالطيران الخاص في منطقة الشرق الأوسط ما نسبته 8 في المئة من إجمالي حجم سوق الطيران الخاص في العالم وتستحوذ المملكة العربية السعودية على نسبة 47 في المئة من إجمالي الطائرات الخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي تليها الإمارات بنحو 20 في المئة والكويت بنسبة 12 في المئة، وتقدر الطائرات بنحو 300 طائرة خاصة اغلبها من الطرازات الفاخرة وطويلة المدى، وتخدم 200 ألف رجل أعمال في المنطقة.
«الراي» حرصت على رصد حركة الطيران الخاص، من خلال زيارة إلى مطار الشيخ سعد (رويـال أفييشن) وهو المطار الوحيد المختص بحركة هذا النوع من الطيران.
وعلى الرغم من أن الاعتقاد السائد بأن حركة الطيران الخاص تراجعت، إلا أن رئيس مجلس ادارة شركة «رويال افييشن» مبارك المسكتي يؤكد ان القطاع لم يتأثر مباشرة بالأزمة المالية العالمية، خصوصا وان هذا القطاع شهد نمواً استثنائياً على مدى السنوات الماضية، لكن بلا شك ان هذا المعدل سوف ينخفض في 2009 نظرا للأوضاع الاقتصادية الصعبة والتي تقيد الوصول إلى مستويات النمو السابقة.
واضاف المسكتي ان انفاق الملايين من الدولارات سنويا في رحلات على متن طائرات خاصة ليس بالأمر الهين، خصوصا في ظل الأزمة الراهنة، رغم ما شهده هذا القطاع من تطور في صناعة تلك الطائرات وتركيز المصنعين على عامل الاقتصاد والكفاءة بنماذجهم من طائرات رجال الأعمال وبقدر لا بأس به من الفخامة، وما شهدته ايضا المطارات والمباني الخاصة في هذا القطاع من تطور كبير ساهم كثيرا في تسهيل حركتي الهبوط والإقلاع كما هو واضح في مطار الشيخ سعد حاليا والذي قامت شركة «رويال أفييشن» بتجديده بالكامل وتجهيزه لتقديم خدمات الدعم الفني واللوجستي للطائرات الخاصة على مستوى العالم.
وزاد بأن افتتاح المبنى منذ سنة تقريبا كان مصدرا للتفاؤل، خاصة وانه اصبح عامل جذب للطائرات الخاصة لما يقدم به من خدمة فائقة، وحرص رجال الاعمال الكويتيون على تواجد طائراتهم الخاصة في مطار الشيخ سعد بعد ان كانوا يستأجرون مواقف لها في دبي او الشارقة ويتم استدعاؤها عند اللزوم، بسبب عدم وجود مطار متخصص للطيران الخاص في الكويت وكانت حركتا الإقلاع والهبوط لهذا النوع من الطيران تتم من خلال مطار الكويت الدولي.
واضاف المسكتي ان احتضان شركة رويال افييشن لحركة طيران الخطوط الوطنية جعلها في مأمن من تلك التأثيرات السلبية للأزمة، خصوصاً انها اصبحت المصدر الرئيسي للدخل وبشكل منتظم وليس عارضاً مثل الطيران الخاص.
واضاف ان «رويال افييشن» تحرص على تكامل خدماتها مع الخطوط الوطنية لذا اعتمدنا خططا مستقبلية لتطوير مطار الشيخ سعد ليتناسب مع ازدياد حركة الطيران للخطوط الوطنية في الفترة المقبلة، فهي حتى الآن لديها طائرتان وتنضم الثالثة في مايو المقبل وتصل الى 8 طائرات في عام 2010 ما سيشكل دعما كبيرا لـ«رويـال أفييشن».
إسماعيل الجابر
من جانبه، قال عضو مجلس الإدارة في رويال أفييشن اسماعيل الجابر ان الانخفاض في الطلب على خدمات الطيران الخاص بسبب الأزمة المالية كان في الكويت أقل حدة بالمقارنة ببقية دول العالم بصفة عامة ودول الخليج بصفة خاصة، لأن ما شهدته الكويت خلال العام الماضي كان تطورا كبيرا في هذا المجال خاصة وفي مقدمة هذا التطور اعادة تجديد وتأهيل مطار الشيخ سعد للطيران الخاص.
ولم يخف الجابر تأثر هذا القطاع بالأزمة، مؤكدا ان كثيرا من رجال الأعمال في المنطقة هجروا الطيران الخاص، واتجهوا نحو وسائل الاتصالات التقليدية الأرخص ثمنا، والأقل تكلفة، مثل الهواتف ومؤتمرات الفيديو.
لكن في الوقت نفسه، فإن «رويال افييشن» لم تشعر بانخفاض حركة الطيران الخاص لأن تشغيل الخطوط الوطنية من المطار نفسه ساهم كثيرا في تعويض ذلك، بالاضافة إلى تشغيل مطار الشيخ سعد والذي كان دافعا لزيادة قدرتنا على استقبال الطائرات الخاصة وزيادة الطاقة الاستيعابية لخدمة المواقف والتي كنا نفتقدها قبل عام من الآن.
وقال الجابر ان مصادر الدخل في «رويال افييشن» تتمثل بشكل رئيسي في خدمة مواقف الطائرات والتي تتسع لـ 29 طائرة خاصة، ونحاول تعويض انخفاض الايرادات المحققة من الطيران الخاص من خلال المساحات الإيجارية سواء للمكاتب او المحلات، او الخدمات الارضية والصيانة والتي سيتم تقديمها قريبا، بالإضافة الى رخصة مدرسة لتدريب الطيران ومبنى لتموين الطائرات.
من جهة أخرى، أكد مساعد مدير العمليات في رويال أفييشن المهندس حسن الزنكي ان نمو قطاع الطيران الخاص جاء بسبب زحام المطارات الكبرى في منطقة الخليج وربكة الحركة الجوية لشركات الطيران، وارتفع نمو هذا القطاع بمعدل يتراوح بين 15 في المئة و20 في المــــئة سنويا قبل الأزمة.
واضاف الزنكي أن قطاع الطيران الخاص في الكويت اقل حساسية تجاه الأزمة المالية خصوصا وان مستخدمي هذا النوع من الطائرات هم اثرياء وكثر منهم مسؤولون كبار في شركات وانهم ما زالوا يسعون للحصول على أقصى درجات المرونة في تأمين طائرة خاصة للسفر.
وأكد أن قطاع الطيران الخاص سيتجاوز الأزمة الحالية مستبعدا ان تنخفض أكثر مما هي عليه واصفا تلك الفترة بأنها قاع الأزمة بالنسبة لقطاع الطيران الخاص.


تكلفة الرحلات الخاصة

تسعر رحلات الطائرات الخاصة بالساعة الواحدة للطائرة بأكملها، وتختلف الاسعار بحسب حجم ونوعية الطائرة، إلا أن الأسعار تتراوح ما بين 3500 دولار و11 ألف دولار للساعة الواحدة، ويؤخذ في حساب هذه الأسعار المطارات التي ستسافر إليها الطائرة، وما إذا كانت ستعود بنفس المسافرين أم ستكون الرحلة ذهابا فقط.