| القدس - من محمد أبو خضير |
كشف تقرير أعده خبراء في التخطيط عن أسلوب مدروس يعتمده الحكم العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية من خلال سياسة التنظيم والبناء الإسرائيلية تشكّل وجهاً آخر من أوجه الاحتلال والسيطرة على الأراضي الفلسطينية في المناطق المصنفة (C) لتوفير مساحات شاسعة لخدمة المشاريع الاستيطانية الهادفة إلى منع قيام دولة فلسطينية وتقطيع أوصال الضفة الغربية إلى كانتونات معزولة ومبعثرة .
وأشار التقرير الذي أعده «بمكوم - مخططون من أجل التخطيط» إلى «أن سلطات التنظيم والبناء في الحكم العسكري الإسرائيلي في (بيت إيل) نظروا الأحد الماضي في الاعتراضات التي قدمتها بعض القرى في المناطق الفلسطينية المصنفة (C) والتي حصلت أخيراً على مخططات من قبل (الإدارة المدنية الإسرائيلية - مجلس التنظيم الأعلى) مؤكدة أنها مخططات عارية عن المهنية ولا تليق بمناطق سكنية ولا تستحق أن يُنظر إليها بجدية».
وجرى البت في اعتراضات قُدّمت لمخططات هيكلية خاصة، والتي أودعها مكتب التخطيط في الحكم العسكري الإسرائيلي في السنة الأخيرة. والاعتراضات التي نوقشت هي مخططات لقرى أم الريحان، وتعنك، قضاء جنين، وأيضاً مخطط خربة التواني قضاء الخليل، ومخطط لقرية بروقين قضاء سلفيت، والذي تم تأجيله إلى موعد لاحق وفق طلب المحامي الممثل عن المواطنين.
وتجدر الإشارة إلى أن الحكم العسكري الإسرائيلي حضّر في السنة الأخيرة مخططات خمسة لقرى فلسطينية عدا عن القرى الأربع المذكورة أعلاه. وتم إيداع مخطط لقرية جورة الشمعة قضاء بيت لحم. وعلى ما يبدو، لم يتم الاعتراض عليه. والاعتراضات تم تقديمها من قبل جمعية «بمكوم - مخططون من أجل حقوق التخطيط»، للقرى الأربع كاملة، فيما قُدّمت اعتراضات إضافية إلى مخطط قرية أم الريحان على يدي المجلس الإقليمي، ومخطط قرية تعنك على أيدي مجلس القرية ومؤسسة «أي بي سي سي» (مركز التعاون والسلام الدولي) وأيضاً اعتراض لمخطط بروقين، والذي أعده مركز القدس للمساعدة القانونية، وحضر الجلسة مواطنون مندوبون عن جميع القرى الذين حصلوا على دعوة التعبير عن رأيهم في المخططات وأسباب الاعتراض عليها.
الادعاءات الأساسية التي تمحورت على اعتراض جمعية (بمكوم) على المخططات، وهي عدم توافق هذه المخططات مع تصور أو رؤية القانون الأردني، لا يتم إعدادها وفقاً لبنية واقعية ملائمة وإنما يتم إعدادها فوق تصوير جوي بشكل يدوي.
هذه المخططات تقترح نسب استيعاب (سكاني) مرتفعة ليست معدة لقرى فحسب وإنما في مستوى مدني، هذه المخططات لا تُمكن من تطوير القرية وإنما توجد تقليصاً وتحجيماً لها، بالإضافة إلى أنها لا تلبي احتياجات السكان الحقيقية.
ووصف تقرير جمعية (بمكوم) «الاعتراضات بأنها مهمة جداً، وتمثيل المواطنين أمام هذه اللجنة أمر في غاية الأهمية، لافتاً إلى أن «كثرة عمليات الهدم القائمة في (المنطقة C) تعكس إخفاقًا من طرف السلطات الإسرائيلية، لأنه تنظيم غير مستحدث وغير ملائم، لا يفي بحاجات السكان. في ظروف إمكانية ضئيلة جداً للحصول على تراخيص للبناء في (المنطقة C)».
وأكد التقرير أن الفلسطينيين يضطرون إلى البناء من دون تراخيص، رغم التهديد بالهدم. إضافة إلى ذلك، في حالات عدة، تنجم أوامر الهدم التي يصدرها العسكري الإسرائيلي عن تفسير خاطئ للمخططات الهيكلية الانتدابية و/أو من الرفض للتصديق، ضمن القانون، على تسهيلات ترد في أحكامها.
وأوضح التقرير «أن سياسة تنظيم مقيّدة، لا تقترح أفقا لتطوير البلدات الفلسطينية في (المنطقة C)، ونشاطات الفرض القهرية التي تنتهجها القيادة العسكرية فيما بات يعرف بـ(الإدارة المدنية)، تخلق مساً بالغاً بحقوق الإنسان للسكّان الفلسطينيين. إن تغييراً حقيقياً في سياسة التنظيم المعمول بها في (المنطقة C) فقط، والذي يقلّل عمليات الهدم للمباني، من شأنه أن يقلّل الاحتكاك اليومي بين السكان المدنيين الفلسطينيين وبين السلطات الإسرائيلية في مجال التنظيم والبناء».
وبيّن التقرير أن التنظيم والبناء يشكّل إحدى نقاط الاحتكاك اليومية بين السلطات الإسرائيلية والجمهور الفلسطيني في الضفّة الغربية. حالياً، وبعد إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية، فإن السلطة المطلقة للتصديق على المخططات الهيكلية ومنح تصريحات البناء للفلسطينيين في «المنطقة C» (والتي تشكّل زهاء 60 في المئة من مساحة الضفّة الغربية) هي بأيدي إسرائيل عبر «الإدارة المدنية». لهذا، يتعيّن على إسرائيل توفير الحلول التنظيمية الملائمة لسد حاجة ما يربو عن 150.000 فلسطيني يقيمون في «المنطقة C». ورغم ذلك، لا تقوم الإدارة المدنية بتوفير هذه الحلول، بل على العكس من ذلك، يحتل هدم البيوت التي يقيمها الفلسطينيون في «المنطقة C» جزءاً مركزياً من نشاطاتها التنظيمية.
ويهدف تقرير «المنطقة المحرّمة» إلى الكشف عن عوامل تنظيمية عميقة تقف خلف القيود التنظيمية المفروضة على أعمال البناء والحجم الهائل لعمليات هدم المباني الفلسطينية القائمة في «المنطقة C»، مع تسليط الضوء على سياسة (الإدارة المدنية) وأساليب عملها. لقد سبق إعداد التقرير عملية بحث مستمرة تضمّنت على مقابلات وتحليل صور جوّية وجمع المعطيات والمعلومات والبحث عن وثائق من الفترة الانتدابية. (جزء منها ينشر للمرة الأولى ضمن التقرير).
ويصف الجزء الأول للتقرير الظواهر الحيزية والجوانب القانونية التي تشكّل الأرضية العامة لوضع التنظيم في البلدات الفلسطينية في «المنطقة C». إن تجزئة الضفة الغربية، من خلال الاعتماد على وسائل كوضع الحواجز وإنشاء المستوطنات، يضع العراقيل الكبيرة أمام تنظيم ملائم ينسجم مع حاجات السكان الفلسطينيين في المنطقة. وتعتبر عملية تقسيم الحيّز في الضفة الغربية، من بين ما تعنيه، نتيجة إلى سياسة الأراضي المعتمدة في إسرائيل، التي تقوم بتوفير أراضي الدولة لاستخدام الإسرائيليين بصورة حصرية. وفي مجال التنظيم ذاته، فقد قامت إسرائيل بإدخال تغييرات على قانون التنظيم الأردني، المعمول به في الضفة الغربية قبل العام 1967، واستحدثت نظاماً تنظيمياً مركزياً بسيطرة إسرائيلية كاملة ومن دون أي تمثيل فلسطيني. وفي الوقت ذاته، فرضت إسرائيل سياسة تنظيم تتعارض والسيرورات التطويرية العفوية في القرى الفلسطينية في المنطقة ونزعتهم الطبيعية الانتقال من بناء مكتظ إلى بناء رحب أكثر يوفّر شروط حياة أكثر رفاهية.
ويبحث الجزء الثاني للتقرير بعمق النوعين الرئيسيين للمخطّطات الهيكلية المفروضة على السكان الفلسطينيين في «المنطقة C» المخططات الهيكلية الانتدابية، والمخططات الهيكلية الخاصة التي وضعتها الإدارة المدنية.
ولفت التقرير إلى أن المخططات الهيكلية الانتدابية، التي تمّ التصديق عليها منذ قبل 60 عاماً، تسري حتى يومنا على غالبية القرى الفلسطينية في «المنطقة C». وحسب التفسير الصارم والخاطئ (للإدارة المدنية)، لا يمكن تقريباً إصدار تصريحات للبناء، اعتماداً على هذه المخططات. أما بخصوص المخططات الهيكلية الخاصة فالأمر هو بمثابة استحداث فرضته (الإدارة المدنية) ولا وجود له في القانون الأردني.
وبيّن التقرير أن الهدف الرئيس للمخططات الهيكلية الخاصة يتمثّل في تضييق الخناق على البناء الفلسطيني في «المنطقة C»، وتوفير مساحات شاسعة من الأرض المستقبلية خدمة للمصالح الإسرائيلية، خصوصاً للمستوطنات. كما يتضح من التقرير، فإن سياسة التنظيم الإسرائيلية المعتمدة في «المنطقة C» تفرض قيوداً قاسية على البناء والتطوير لا في البلدات الفلسطينية في تلك المنطقة فحسب، وإنما على مئات آلاف الفلسطينيين المقيمين في المناطق A و B، الخاضعة إلى سلطة التنظيم الفلسطيني. تفرض سياسة (الإدارة المدنية) هذه مساً دائماً بحقوق الإنسان الأساسية لمجموعة سكانية كبيرة، ومن ضمنها الحق بالمأوى والحق بحرية التنقّل والحق بالتربية والتعليم والصحة وغيرها.
الوضع القائم
ولفت التقرير إلى أن التقسيم الإداري للضفة الغربية وفق الاتفاق المرحلي بين منظمة التحرير وإسرائيل، الذي وقع في العام 1995، والاتفاقات اللاحقة، تم تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق إدارية ثلاث: A و B و C. ونقلت بموجبها صلاحيات التنظيم كافة في منطقتي A و B (اللتين تشكلان معاً نحو 40 في المئة من الضفة الغربية) للسلطة الفلسطينية. في المقابل، بقيت جميع سلطات التخطيط والبناء في «المنطقة C» (زهاء 60 في المئة من الضفّة الغربية) خاضعة لسلطة الإدارة المدنية. ما يعني أن كل بناء ومخطط بناء في «المنطقة C» يحتاج إلى تصديق الإدارة المدنية الإسرائيلية.
ويقيم حالياً في «المنطقة C» نحو 150 ألف فلسطيني، من بينهم 47 ألف يعيشون في 149 بلدة تدخل كامل مساحاتها المبنية في «المنطقة C»، والبقية هي بلدات تتواجد نسب معينة من بيوتها في المناطق الثلاث A و B و C.
سياسة الأراضي الإسرائيلية
كان في الضفة الغربية قبل العام 1967 قرابة 700.000 دونم معرفة على أنها أراضي دولة تم تسجيل غالبيتها في دائرة تسجيل الملكية - الطابو على اسم العرش الأردني. وبغية تأمين مساحات من الأراضي لمصلحة مشروع المستوطنات وللمصالح الإسرائيلية الأخرى أعلنت إسرائيل في أعوام سيطرتها على المنطقة عن 900.000 دونم من الأرض، والتي عرّفت من قبل على أنها أملاك فلسطينية خاصة، كأراضي دولة.
وأوضح التقرير أن إسرائيل ضمّت القسم الأكبر من هذه الأراضي إلى مناطق نفوذ المجالس الإقليمية والمحلية، التي تتم إدارة المستوطنات في إطارها، ومُنع الفلسطينيون من استغلالها. وحالياً، تشكّل أراضي الدولة نحو ثلث مساحة الضفة الغربية. إضافة إلى ذلك، تم الإعلان عن مئات آلاف الدونمات في الضفة الغربية على أنها أراض مغلقة لأغراض عسكرية أو أراض تم وضع اليد عليها، ومُنع الفلسطينيون من استخدام هذه الأراضي أيضاً.
وحسب السياسة الإسرائيلية، عموماً، فإن أراضي الدولة في الضفة الغربية معدة لاستخدام الإسرائيليين بصورة حصرية. واتخذت (الإدارة المدنية)، في هذا الإطار، قراراً في العام 1987، مفاده أن المخططات الهيكلية للقرى الفلسطينية لا تشمل أراضي دولة. وبهذا الشكل، فرضت السلطة الإسرائيلية واقعاً يتم فيه إقصاء السكان الفلسطينيين من غالبية موارد الأرض العامة، وحرمان الفلسطينيين من استخدام نحو ثلث من الضفة الغربية.
وجاء في التقرير أن قانون التخطيط والبناء في «المنطقة C» من نظام لا مركزي إلى سيطرة مركزية وإلغاء مؤسسات التخطيط والتمثيل الفلسطيني، إذ يخضع التخطيط والبناء في «المنطقة C» إلى القانون الأردني، الذي شرّع في العام 1966، وحافظت إسرائيل على غالبية أحكامه، ولكنها قامت بفرض تغييرات جوهرية على نظام التخطيط وتركيبه من خلال إصدارها الأوامر العسكرية. وقامت إسرائيل، في هذا الإطار، بإلغاء لجان التخطيط المحلّية في القرى الفلسطينية ولجان التخطيط اللوائية، وقامت بتحويل جميع سلطاتها إلى مجلس التخطيط الأعلى في (الإدارة المدنية) ولجانه الفرعية. بهذه الصورة استحدث نظاماً مركزياً تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة. حالياً، جميع الموظفين في مؤسسات التخطيط في (الإدارة المدنية) هم إسرائيليون، وليس للسكان الفلسطينيين أي تمثيل بها. ويشير هذا الأمر إلى أنه ليس أمام الجمهور الفلسطيني أي فرصة حقيقية للتأثير على القرارات على صعيد التنظيم والبناء التي يتم اتخاذها بخصوص بلداتهم.
وكشف التقرير أن هناك نظام تخطيط منفصلا للمستوطنين من خلال تعيين لجان تخطيط محلية في المستوطنات. وتتحلى هذه اللجان بصلاحيات إصدار تراخيص بناء للمستوطنين والمبادرة باسمهم لمخططات هيكلية. وفي الطرف الآخر، بخصوص الفلسطينيين، فإن الجسم الوحيد المخوّل إصدار تراخيص بناء هو مجلس التخطيط الأعلى أو اللجان الفرعية التابعة له.
المخطّطات الهيكلية الانتدابية:
تفسير خاطئ وتنفيذ صارم
ولفت التقرير إلى أنه حسب المخططات القديمة تخضع غالبية البلدات الفلسطينية في «المنطقة C» حتى اليوم إلى مخططات هيكلية انتدابية، وضعت في أربعينات القرن العشرين. تعرّف هذه المخططات (RJ/5 في جنوب الضفة الغربية، S/15 في شمالها، R/6 في أطرافها الغربية) غالبية مساحتها كأراض زراعية. إلى جانب ذلك، تمنح هذه المخططات إمكانية غير متواضعة للبناء في مناطق زراعية، للسكن ولأغراض أخرى (كالزراعة والصناعة والبنى التحتية وغيرها).
رفض منح تراخيص بناء
وذكر التقرير أنه تم استخدام المخططات الهيكلية الانتدابية في فترة الانتداب والعقد الأول للحكم العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية لإصدار آلاف تراخيص للبناء في القرى الفلسطينية في الضفة الغربية. ولكن، منذ نهاية سبعينات القرن العشرين، وفي ضوء توسيع مشروع المستوطنات، شرعت إسرائيل باستخدام المخططات الهيكلية الانتدابية لغرض هدم مبان ورفض طلبات يقدمها فلسطينيون للحصول على تراخيص البناء. على سبيل المثال، منح الحكم العسكري في العام 1972 لوحده ما يقرب 2.100 ترخيص لبناء مساكن للفلسطينيّين في الضفة الغربية، وغالبية المخططات المعمول بها في تلك الفترة كانت المخططات الهيكلية الانتدابية. وفي العام ذاته تم التصديق على 97 في المئة من طلبات لتراخيص البناء التي تقدم بها فلسطينيون.
وللمقارنة، صدّق الحكم العسكري بين الأعوام 2000 و 2007 على 5.6 في المئة فقط من طلبات لتراخيص البناء تقدّم بها فلسطينيون، ومجمل عدد التراخيص الممنوحة في الأعوام السبعة هذه هو 91 ترخيصاً فقط (نحو 13 رخصة للبناء في السنة). يتعيّن الافتراض أن جزءاً منها على أقل تقدير استند إلى المخططات الهيكلية الانتدابية. إن الانخفاض الشديد بعدد التراخيص الممنوحة استناداً إلى المخططات الهيكلية الانتدابية هو نتيجة لكيفية تنفيذ الإدارة المدنية حالياً هذه المخطّطات، على الصُعد التالية: تفسير صارم وخاطئ، رفض التصديق على فرز الأرض، ورفض التصديق على تسهيلات في أحكام المخطّطات.
تفسير صارم وخاطئ
أكد التقرير أن الحكم العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية يقوم بتفسير المخططات الهيكلية الانتدابية بصورة صارمة وخاطئة. على سبيل المثال، تمنح المخططات الهيكلية الانتدابية إمكانية إقامة مبان بطابقين عندما تكون مساحة البناء في كل طابق بين 150 متراً مربعاً و180 متراً مربعاً. خلافاً لذلك، تدّعي (الإدارة المدنية ) أن مساحة البناء هذه (150 - 180 متراً مربعاً) هي المساحة القصوى المسموح بها لبناء الطابقين معاً.
رفض التصديق على فرز الأرض
تجيز المخططات الهيكلية الانتدابية إقامة مبنى سكني واحد فقط على كل قسيمة أرض أصلية. إلى جانب ذلك، تشير هذه المخططات إلى أنه طبقاً لتصديق مؤسسات التخطيط يمكن فرز القسائم الأصلية (التي تصل مساحة كل واحدة منها إلى عشرات بل مئات الدونمات) لقسائم عدة أصغر للبناء، تصل مساحة كل واحدة إلى دونم واحد، وإقامة مبنى سكني واحد على كل منها. تقريباً، لا تسمح الإدارة فرز الأرض، وبهذا فهي تمنع استغلال فرص البناء الكامنة في هذه المخطّطات.
رفض التصديق على تسهيلات في أحكام المخططات
وترفض «الإدارة المدنية» التصديق على تسهيلات في أحكام المخططات الهيكلية الانتدابية، رغم أن القانون يسمح بذلك. على سبيل المثال، يشترط «المخطط RJ/5» مساحة خمسة أمتار كحد أدنى بين المبنى وبين حدود القسيمة. ويمنح القانون صلاحية للجان التخطيط في (الإدارة المدنية) أن تشترط مساحة أقل بواسطة اتخاذ قرار التسهيل. ولكن، ترفض «الإدارة المدنية» التصديق على تسهيلات في أحكام المخططات الهيكلية الانتدابية، والنتيجة هي رفض طلبات الترخيص حتى في حالات الشذوذ البسيط عن أحكام هذه المخطّطات (مثلاً، مساحة 4.5 متر بدلاً من خمسة أمتار).
سياسة فرض حازمة
وقال التقرير إنه بدلاً من استخدام المخططات الهيكلية الانتدابية كأداة لمنح التراخيص، تقوم الإدارة المدنية بإصدار مئات أوامر الهدم للمباني التي يقيمها الفلسطينيون من دون تراخيص، بحجة أن هذه المباني أُقيمت خلافا لأحكام هذه المخطّطات.
ومن تبعات القيود على المباني في «المنطقة C» في البلدات الفلسطينية في المنطقتين A و B أن كيفية تنفيذ (الإدارة المدنية) المخطّطات الهيكلية الانتدابية يمنع بالمطلق تقريباً أي بناء في تلك القرى التي تتواجد أراضيها ضمن «المنطقة C»، والتي تخضع إلى المخططات الهيكلية الانتدابية. إضافة إلى ذلك، تفرض سياسة (الإدارة المدنية) قيوداً كبيرة جداً على إمكانات التطوير في البلدات الفلسطينية الواقعة في المنطقتين A و B المتواجدة ضمن سلطة التخطيط الفلسطينية. وتعتبر منطقتا A و B، في العديد من المناطق في الضفة الغربية، كنتونات في «المنطقة C». وتشكّل «المنطقة C» الحيّز الوحيد لإقامة بنى تحتية مشتركة لعدد من البلدات الفلسطينية في هذه المناطق، كمناطق صناعية ومناطق دفن النفايات. وبفعل الرفض القاطع تقريباً (للإدارة المدنية) السماح بالبناء، استناداً إلى المخطّطات الهيكلية الانتدابية، لا يتم بناء بنى تحتية حيوية للبلدات الفلسطينية، في جميع المناطق A و B و C. إن القيود القاسية التي تفرضها الإدارة المدنية في «المنطقة C» تمس ملايين الفلسطينيّين المقيمين في جميع أرجاء الضفة الغربية.

المخططات الهيكلية الخاصة:
أداة لتقويض التطوير
جاءت المخططات الهيكلية الخاصّة، كما ترى «الإدارة المدنية»، لتلبي حاجة السكان الفلسطينيين. ولكن يتضح وفق هذا التقرير فإن الهدف الحقيقي لهذه المخططات يتمثّل في اعتماد أكبر قسط ممكن من تضييق الخناق على الانتشار الحيّزي للبناء الفلسطيني.
إن الخاصية الأكثر جلاء في المخططات الهيكلية الخاصة هي مساحاتها الصغيرة - عشرات وحتى مئات الدونمات في الحد الأقصى. لم تشمل هذه المخططات، منذ وضعها، في غالبية الحالات، جميع البنايات القائمة في القرى. كما لا تشمل المخططات، في جميع الحالات بالتقريب، على أراضي دولة. إن مستوى التفصيل في المخططات الهيكلية الخاصّة متدن جداً، وقد وضعت من دون فحص احتياجات السكان في القرى ومن دون جمع بيانات حيوية. وقد وضعت أحكام هذه المخططات على قاعدة أنظمة معيارية مفروضة على مئات القرى في الضفة الغربية، من دون الأخذ بالاعتبار الظروف المحلية والخاصة لكل بلدة وبلدة.
اكتظاظ سكاني غير معقول
عموماً، يُتوقع من المخططات الهيكلية المحلية أن تفي بالاحتياجات المستقبلية القريبة للبلدة (غالباً لفترة 20 - 25 عاماً مقبلة)، ومن ضمن ذلك توفير حلول للسكن، وتوفير مساحات للمباني العامة وغيرها. وبغية تحقيق هذه الحلول، يتعيّن إضافة مساحات شاغرة غير مبنية لهدف التطوير، وفي غالبية الحالات. خلافا لذلك، تفترض المخططات الهيكلية الخاصة أن حلول الإسكان وبقية الاحتياجات التنظيمية للقرى الفلسطينية تتحقق، خصوصاً، من خلال اكتظاظ البناء في المناطق المبنية القائمة في القرى، وليس عن طريق إضافة مساحات كبيرة من الأراضي غير المبنية. تقترح هذه المخططات اكتظاظاً كبيراً جداً يصل في حالات معينة إلى 15 وحدة سكنية للدونم الواحد. إن الكثافة السكّانية (عدد السكّان للدونم الواحد) التي تقترحها المخططات الهيكلية الخاصة للقرى الفلسطينية تضاهي الكثافة السكانية المعمول بها في مدن كبيرة كالقدس وتل أبيب ولندن ونيويورك، وهي كثافة غير معقولة.
تسويغ هدم البيوت
وذكر التقرير: «فعلياً، تقوم (الإدارة المدنية) باستخدام المخططات الهيكلية المحلية، خصوصاً، بغية تسويغ عمليات هدم البيوت التي أقيمت خارج حدود هذه المخطّطات. استناداً إلى كثافة البناء العالية التي تقترحها هذه المخططات تدّعي (الإدارة المدنية) أن للقرى الفلسطينية حلول سكن كبيرة للمستقبل، ولهذا ليس هناك تسويغ للتصديق على بناء مبانٍ خارج حدود هذه المخططات. وكما ذكرنا ، ذلك رغم أن هذه الكثافة غير معقولة في غالبية الحالات ولا يمكن تحقيقها».
الوضع التنظيمي الحالي في القرى الفلسطينية
وكشف التقرير أن من بين 149 بلدة فلسطينية تقع جميع أراضيها المبنيّة في «المنطقة C» قامت «الإدارة المدنية» بالتصديق، حتى اللحظة على مخططات هيكلية خاصة لمصلحة 16 قرية، وفي قريتين إضافيتين صدّقت على مخططات أخرى. وتخضع جميع القرى المتبقية وعددها 141 إلى مخططات الهيكلية الانتدابية، والتي، كما ذكر أعلاه، تقوم «الإدارة المدنية» باستخدامها، فقط، بغرض فرض القانون.
الخلاصة
وخلص التقرير إلى القول إن سياسة التنظيم الإسرائيلية تشكّل مستوى مركزياً آخر لصراع السيطرة على الأرض ومحاولة إضافية من طرف «الإدارة المدنية» لتوفير مساحات شاسعة للمصالح الإسرائيلية، وعلى رأسها خدمة مشروع المستوطنات.
ولفت التقرير إلى أن كثرة عمليات الهدم القائمة في «المنطقة C» تعكس إخفاقًا من طرف السلطات، فتنظيم غير مستحدث وغير ملائم، لا يفي بحاجات السكان. وفي ظروف إمكانية ضئيلة جداً للحصول على تراخيص للبناء في «المنطقة C»، يضطر السكان الفلسطينيون للبناء من دون تراخيص، رغم التهديد بالهدم. إضافة إلى ذلك، في حالات عدة، تنجم أوامر الهدم التي تصدرها الإدارة المدنية عن تفسير خاطئ للمخطّطات الهيكلية الانتدابية و/أو من الرفض للتصديق، ضمن القانون، على تسهيلات ترد في أحكامها.
وانتهى التقرير إلى أن «سياسة تنظيم مقيدة، لا تقترح أفقا لتطوير البلدات الفلسطينية في (المنطقة C)، ونشاطات الفرض القهرية التي تنتهجها الإدارة المدنية، تخلق مساً بالغاً بحقوق الإنسان للسكان الفلسطينيين. إن تغييراً حقيقياً في سياسة التنظيم المعمول بها في (المنطقة C) فقط، والذي يقلل عمليات الهدم للمباني، من شأنه أن يقلل الاحتكاك اليومي بين السكان المدنيين الفلسطينيين وبين السلطات الإسرائيلية في مجال التنظيم والبناء».