بيان الحزب الديموقراطي: الاتفاقية النووية نقطة بداية لا نهاية... والأولوية لخفض التصعيد وللحوار الإقليمي
«بشرى سارة» لإيران من أميركا... بايدن سيُعيد تطبيق سياسة أوباما إذا فاز بالرئاسة
مارك ديبوويتز:
خامنئي يخوض معركة خاسرة بغض النظر عمَنْ هو في السلطة في واشنطن
أثارت مسودة البيان الانتخابي للحزب الديموقراطي، المزمع الموافقة عليها في المؤتمر العام الذي سينعقد - في الغالب عبر الإنترنت - في السابع عشر من أغسطس المقبل، مخاوف متابعي سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران، في وقت استبشر أصدقاء «الجمهورية الإسلامية» في الولايات المتحدة وحول العالم أن عودة الديموقراطيين للبيت الأبيض ستعني حكماً العودة إلى سياسة الرئيس السابق باراك أوباما، والتخلي عن سياسة الرئيس الحالي دونالد ترامب، والقاضية بممارسة أقصى الضغط على طهران لإجبارها على إعادة المفاوضات والخروج باتفاقية نووية أفضل من التي تم تكريسها في قرار مجلس الأمن رقم 2231.
وورد في البيان أن الديموقراطيين سيوقفون «سباق إدارة (الرئيس دونالد) ترامب للحرب مع إيران، وسيعطون الأولوية للديبلوماسية النووية، ولخفض التصعيد، وللحوار الإقليمي».
وأضاف البيان أن الديموقراطيين يعتقدون أنه «لا ينبغي للولايات المتحدة أن تسعى لفرض تغيير النظام على دول أخرى، وترفض ذلك كهدف لسياسة الولايات المتحدة تجاه إيران»، وهو موقف لا يختلف عن موقف الجمهوريين، الذين يكررون أنهم لا يسعون لتغيير النظام، على الرغم أنهم لا يمانعون إن قام الإيرانيون بالتغيير.
ثم أغدق البيان الديموقراطي المديح على الاتفاقية النووية، المعروفة بـ«خطة العمل الشاملة المشتركة»، التي وصفها أنها «لا تزال أفضل وسيلة لتحقيق» خفض التصعيد، إذ هي كانت «نجحت في قطع جميع مسارات إيران إلى قنبلة نووية بشكل يمكن التحقق منه».
وهاجم البيان إدارة ترامب «لانسحابها الأحادي الجانب» من الاتفاقية النووية، وتالياً «فتح الباب أمام إيران لاستئناف مسيرتها نحو قدرة إنتاج الأسلحة النووية»، التي كانت أوقفتها الاتفاقية.
لذا، يدعو الحزب الديموقراطي «للعودة للامتثال المتبادل بالاتفاقية كأمر مُلح للغاية». على أن الحزب المعارض يعد بالبناء على الاتفاقية وتوسيعها وتحسينها، ويذكر في بيانه أن «الاتفاقية النووية كانت مصممة دائماً لتكون بداية، لا نهاية، ديبلوماسيتنا مع إيران»، وأن الديموقراطيين يدعمون «جهداً ديبلوماسياً شاملاً لتوسيع القيود على برنامج إيران النووي، ولمعالجة أنشطة إيران الأخرى المزعزعة للاستقرار، بما في ذلك عدوانها الإقليمي، وبرنامج الصواريخ الباليستية، والقمع المحلي».
الجمهوريون، بدورهم، لن يقدموا برنامجاً انتخابياً هذا العام، ويتمسكون ببرنامج ومرشح 2016، أي ترامب. وكان البيان الجمهوري في الانتخابات الماضية اعتبر أن «صفقة إدارة (الرئيس السابق باراك أوباما) مع إيران لرفع العقوبات الدولية عنها وإتاحة مئات المليارات من الدولارات للملالي»، هي «اتفاقية شخصية بين الرئيس وشركائه في المفاوضات، وغير ملزمة للرئيس المقبل» أي ترامب.
ويعتقد الجمهوريون أنه «من دون موافقة ثلثي مجلس الشيوخ، لا تتمتع الاتفاقية النووية مع إيران بصفة المعاهدة». ويحمّل الجمهوريون اتفاقية أوباما مع إيران مسؤولية مضي طهران في «رعاية الإرهاب في جميع أنحاء المنطقة، وتطوير سلاح نووي، وتجربة الصواريخ الباليستية المكتوب عليها الموت لإسرائيل، وإساءة استخدام حقوق الإنسان لمواطنيها».
ويسعى الجمهوريون لإظهار الفارق حول إيران بين سياسات ترامب والجمهوريين، من ناحية، وأوباما أو المرشح الديموقراطي جو بايدن والديموقراطيين، من ناحية ثانية، بالإشارة إلى أن استعادة الديموقراطيين البيت الأبيض تعني حكماً وتلقائياً عودة الاتفاقية النووية مع إيران إلى الحياة، وقيام الولايات المتحدة برفع العقوبات الاقتصادية الأحادية التي تفرضها على طهران، والتي أدت لانهيار غير مسبوق في الاقتصاد الإيراني.
على أن الفارق الذي قد يبدو جلياً في المواقف الانتخابية قد لا ينعكس على سياسة بايدن والديموقراطيين، في حال استعاد هؤلاء البيت الأبيض، إذ إن أحداث كثيرة وتطورات حصلت منذ توقيع الاتفاقية مع الإيرانيين في العام 2015. أهم هذه الأحداث هو نجاح الإسرائيليين بالاستيلاء على أرشيف ضخم يقدم تفاصيل وافرة حول البرنامج الإيراني النووي، ويؤكد أنه برنامج مخصص لصناعة سلاح نووي، لا لأغراض الطاقة والطب فحسب، على ما دأب المسؤولون الإيرانيون تكراره.
ومما كشفه الأرشيف النووي الإيراني إحداثيات موقعين يعتقد أن الإيرانيين قاموا بإجراء تجارب تسليح نووي فيهما، بالإضافة إلى موقع بارشين العسكري، الذي كان معروفاً أن الإيرانيين أجروا فيه تجارب من هذا النوع. وتحول بارشين إلى عقدة الاتفاقية النووية، قبل أن ينجح أوباما والإيرانيون في تجاوزه بتحويل التفتيش الدولي فيه إلى عملية شكلية. بعد ذلك، صار ممكناً المصادقة على إصرار الإيرانيين أن فتوى مرشدهم علي خامنئي تحظر عليهم صناعة أو حيازة أسلحة نووية.
لكن الموقعان الجديدان دفعا وكالة الطاقة الذرية إلى طلب تفتيشهما، ليقابلها الإيرانيون بإصرار على إقفال المواقع ورفض تفتيشها تحت ذرائع متنوعة، وهو ما أدى إلى صدور بيانات عن الوكالة ضد طهران. ويمكن لمشكلة الوكالة مع طهران أن تبقى في الظل، طالما أن عقوبات واشنطن قائمة على إيران والاتفاقية النووية شبه معلّقة. لكن لو فاز بايدن وحاول العودة الفورية للاتفاقية، من المرجح أن يتحوّل موضوع الموقعين إلى مأزق دولي لاستمرار الاتفاقية النووية.
وإلى معضلة الموقعين اللذين قد يعرقلان عودة واشنطن للاتفاقية النووية مع إيران، حتى بعد استعادة الديموقراطيين البيت الأبيض، تبرز مشكلة «بند السلاح» في الاتفاقية، وهو بند ينص على انتهاء الحظر الدولي الذي كان مفروضاً على تصدير واستيراد أسلحة إلى ومن إيران، وهو بند تنتهي صلاحيته في 18 أكتوبر، ويحاول الأميركيون إما تمديد الصلاحية في قرار منفصل في مجلس الأمن، أو محاولة نسف الاتفاقية النووية في المجلس، وهو ما ينسف بند انتهاء الصلاحية ويعيد حظر السلاح على إيران. ويساند الأوروبيون ومعظم دول العالم - ما عدا الصين وروسيا - إبقاء حظر السلاح على إيران.
في الكلام الانتخابي، قد يبدو وعد العودة الأميركية الفورية للاتفاقية النووية مع إيران سهلاً، لكن بعد خمس سنوات على توقيع الاتفاقية، حصلت تطورات وأحداث قد تعرقل العودة الأميركية، وتجعل من موقف الديموقراطيين مشابهاً لموقف الجمهوريين، المعارضين للاتفاقية برمتها.
«خامنئي يخوض معركة خاسرة، بغض النظر عمَنْ هو في السلطة في واشنطن»، يقول الباحث في «معهد الدفاع عن الديموقراطيات» مارك ديبوويتز في تغريدة، ويضيف انه «من خلال مزيج من الضغط الشديد والقوة الناعمة، سينتهي نظام خامنئي إلى كومة الرماد من التاريخ الذي ينتمي إليه».