تأخر إقرار قانون الدين العام يسرّع نفاد السيولة
«كاش» الاحتياطي العام... أقل من ملياري دينار
معدل النقد المتوفر يؤكد مخاوف رئيس الحكومة من الاضطرار لتسييل الأصول
مليارا دينار أصول قابلة للتسييل في الاحتياطي
مليارا دينار معدل الصرف شهرياً من السيولة بـ 9 أشهر
40 دولاراً متوسط أسعار النفط منذ بداية 2020
فيما حذر مصدر مطلع من مغبة عدم إقرار قانون الدين العام الذي سبق أن شدد سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد على أهميته أمام أعضاء مجلس الأمة، وأكد وزير المالية براك الشيتان ضرورة إقراره، توقعت مصادر لـ«الراي» أن تكون السيولة المتوافرة بصندوق الاحتياطي العام للدولة حالياً أقل من ملياري دينار.
ولفتت المصادر إلى أن هذه السيولة بخلاف مقدّرات رواتب شهر يونيو للجهات الحكومية والمؤسسات الملحقة التي تقارب 750 مليوناً، مرجحة وجود أصول قابلة للتسييل بنحو ملياري دينار أيضاً، فيما أشارت إلى تراجع إجمالي حجم أصول صندوق الاحتياطي العام لقرابة 17 ملياراً.
وتكتسي هذه الأرقام أهمية خاصة، كونها تؤكد التحذيرات التي أطلقها سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد في معرض استشهاده خلال الاجتماع الحكومي- النيابي الموسع الذي عقد أخيراً، حيث شدد على ضرورة إقرار قانون الدين العام، حيث قال «وضع البلاد الاقتصادي جيد الآن من حيث التصنيف والملاءة المالية، غير أنه ليس لدى الحكومة سيولة لدفع رواتب يونيو المقبل... هذه فرصة لإقرار هذا القانون حالنا في ذلك حال دول الخليج، وحتى لا نتجه إلى تسييل الأصول، فهل تقبلون بذلك»؟.وبقراءة تحليلية للأرقام، يمكن القول إن «كاش» صندوق الاحتياطي العام من الناحية المحاسبية مرشح للنفاد خلال أشهر معدودة، وذلك في حال عدم قدرة الحكومة على إقرار قانون جديد للدين العام، حيث أن تأخر إقرار القانون يسرّع نفاد الاحتياطي العام، خصوصاً مع زيادة عمليات السحب خلال الفترة الأخيرة بهدف تمويل العجز الذي يتوسع، إضافة إلى تسديد التزامات حكومية مختلفة، وغياب العوائد الاستثمارية.
وبيّنت المصادر أن وتيرة تراجع أصول «الاحتياطي العام» السائلة تسارعت في الفترة الأخيرة، خصوصاً منذ بداية العام الحالي، إلى حد كبير، بسبب كثرة السحب من السيولة المتوافرة مدفوعاً بالتراجع الحاد الحاصل في أسعار النفط، وزيادة كلفة مواجهة تداعيات فيروس «كورونا»، ما زاد وتيرة تمويل العجز الذي توسع في الأشهر الماضية بالميزانية العامة من هذه السيولة.
وتحليلياً، يتضح أن متوسط سحب الدولة من سيولة صندوق الاحتياطي العام لتمويل العجز كان يقارب ملياري دينار شهرياً خلال الأشهر الـ8 الماضية، ومن ثم يمكن القول إن مبالغ «الكاش» المتوافرة في الصندوق تكفي لتغطية إنفاق 30 يوماً، هذا في حال استمرت معدلات الإيرادات النفطية ومستويات الصرف من «السيولة المتوافرة» على المعدلات نفسها التي وصلت إليها خلال الأشهر الماضية دون تغيير يُسرّع أو يُبطئ معدل السحب التقليدي.
وقدّر مشروع قانون الميزانية العامة للسنة المالية 2020/2021 إجمالي المصروفات بــ22.5 مليار دينار، تشكل نسبة المرتبات والدعوم منها 71 في المئة، أما نسبة المصروفات الرأسمالية فتبلغ 16 في المئة، في حين تبلغ نسبة بقية المصروفات 13 في المئة.
ولفتت المصادر إلى أن اعتماد الدولة على السحب من السيولة المتوافرة بصندوق الاحتياطي يرجع إلى ارتفاع نسبة العجز الذي تسجله الكويت منذ العام المالي 2015/2016 الذي ينتهي في مارس من كل سنة، حيث أدت هذه الحالة إلى انعدام الفوائض لتحويلها للصندوق، وأمام عدم وجود قانون للدين العام، يتم الاعتماد على سيولة الصندوق في تغطية احتياجات الدولة من المصروفات العامة، ومع قرب نفاد هذه السيولة وعدم إقرار قانون للدين العام قد تكون الدولة مضطرة إلى تسييل أصولها العامة.
وصنفت مؤسسة (SWF Institute) المتخصصة في دراسة استثمارات الحكومات والصناديق السيادية، في آخر تقرير لها، الهيئة العامة للاستثمار الكويتية في المركز الرابع ضمن أكبر الصناديق السيادية في العالم بقيمة أصول 533.7 مليار دولار، ما يعني مالياً أن الكويت تتمتع بوضع مالي متين بفضل متانة ونمو أصول احتياطاتها، لكن أزمتها تتمثل في نقص السيولة المتوافرة.
ووفقاً لسيناريوهات رسمية أعدتها وزارة المالية منذ أكثر من عام، يتبين أن سيناريوهات أسعار برميل النفط من 70 إلى 100 دولار ستؤثر على سيولة صندوق الاحتياطي العام، وتبين حتمية نفاد سيولته في سنتين إذا استمر متوسط أسعار النفط عند 70 دولاراً، وتزداد إلى 10 سنوات عند أسعار 100 دولار.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن متوسط أسعار النفط منذ بداية 2020 يقارب 40 دولاراً، في حين كان يقارب 65 دولاراً خلال العام المالي الماضي، مع الأخذ بالاعتبار أن منحنى أسعار النفط في العام المالي الماضي سجل تراجعات حادة بالأسعار التي وصلت نحو 11 دولاراً للبرميل، مقابل 55 دولاراً هو متوسط سعر البرميل المسجل في الميزانية العامة، ما يعني أن حتمية نفاد سيولة الاحتياطي العام باتت قريبة جداً.
وبيّنت المصادر أن ما زاد من الاعتماد على سيولة الاحتياطي العام خلال الفترة الماضية ارتفاع العجز المحقق بدفع من التراجعات الحادة التي سجلتها أسعار النفط وزيادة تكلفة مواجهة «كورونا».
وتوضح المصادر أن هناك فارقاً بين الملاءة المالية للدولة وحاجتها من السيولة لمقابلة مصروفاتها، فمن الناحية الأولى أفادت بأن الكويت تتمتع بتصنيف عالٍ من مختلف وكالات التصنيف العالمية، بفضل الملاءة المالية التي تميز البلاد، لكنها أكدت أنه لا مفر من الاستدانة.
ولفتت إلى أن الكويت تمتلك صندوقاً احتياطياً عاماً، وهو أحد صندوقين تديرهما الهيئة العامة للاستثمار، بمثابة الخزينة العامة للدولة التي تحوّل لها فوائض الميزانية، بينما صندوق احتياطي الأجيال القادمة أو ما يُعرف بالصندوق السيادي، هو الذي تُحوّل له قانونياً 10 في المئة من إيرادات الدولة سنوياً بغرض استثمارها للأجيال القادمة، بغض النظر عن وجود عجز أو فوائض.
وأشارت المصادر إلى أنه ومع تزايد حدة العجز، مدفوعة بتراجع الإيرادات النفطية، باتت السيولة الموجودة معرضة للنفاد، وهذا يستقيم مع ما حذر منه مسؤولون رسميون في أكثر من مناسبة، حيث أكدوا أن سيولة صندوق الاحتياطي العام في طريقها للنفاد ما لم يتم إقرار تشريعات تدعم السيولة مثل قانون الدين العام.
ونوهت إلى أن الحكومة اضطرت قبل العام 2017 إلى تمويل العجز من الاحتياطي العام وعن طريق برنامج لإصدار السندات السيادية للسوقين المحلي والعالمي، لكن انتهاء صلاحية قانون الدين العام في أكتوبر 2017، وعدم تجديده من البرلمان، دفع الحكومة في السنوات المالية اللاحقة إلى تمويل العجز من الاحتياطي العام فقط.
وذكرت أن الكويت تعرّضت في الأشهر الماضية إلى ضغوط مالية مزدوجة، فمن ناحية سجل النفط تراجعات حادة ومتتالية، علاوة على تخفيض إنتاج البلاد حسب اتفاق منظمة أوبك ومنتجين من خارجها على خفض الإنتاج، إضافة إلى زيادة خسائرها ومصروفاتها الطارئة في مواجهة تداعيات أزمة «كورونا»، ما أحدث آثاراً مالية ضارة بالميزانية.
وبالنسبة لقدرة الدولة على توليد السيولة المناسبة لمقابلة مصروفاتها العامة، لفتت المصادر إلى أن هذه المقدرة تراجعت بشكل كبير خصوصاً في الفترة الماضية، موضحة أن الكويت تعتمد في تمويل مصروفاتها على إيرادات النفط.
وأكدت المصادر أن أسعار النفط عادت إلى ما كانت عليه في أزمة 2008، إلا أن الفرق يكمن في أن الأزمة السابقة كانت اقتصادية، بينما الحالية عمّق جراحها وباء عالمي أصاب الاقتصاد العالمي بأكمله وحوّله إلى الركود، وقالت «ما نعيشه اليوم أكبر من أزمة الغزو فعندها ساعدتنا دول العالم، بينما اليوم كل الدول تسعى لمساعدة نفسها».
الأصول غير السائلة الوزن الأكبر بالاحتياطي
ذكرت المصادر أنه ليست جميع أصول الاحتياطي العام قابلة للتسييل، فبعضها شبه سائل ما يعني أنها تحتاج إلى الوقت لتسييلها، وأخرى لا يمكن التخارج منها باعتبارها أصولاً غير سائلة مثل شركات النفط وبنك الكويت المركزي وصندوق التنمية وقروض الكويت للدول، منوهة إلى أن نسبة هذه الأصول تشكل الوزن الأكبر في رصيد الاحتياطي العام.
أسعار النفط تزيد الميزانية عجزاً وتأكل الاحتياطي
وفقاً لتقرير سابق لديوان المحاسبة فإن تحقيق الاستدامة المالية للدولة أصبح أمراً بالغ الأهمية لتوفير الاستقرار المالي والاقتصادي، وبلوغ الأهداف التنموية والإستراتيجية في ضوء التحديات التي تواجه هذا الاستقرار، من تذبذب لأسعار النفط وما يترتب عليه من عجز في الميزانية العامة للدولة وعدم القدرة على مواجهة معدلات الإنفاق وانخفاض المبالغ المخصصة لمشاريع خطة التنمية الذي جاء تزامناً مع ذلك.
ويرى الديوان أن عناصر الإيرادات الحالية لا تكفي لمجابهة خطط التنمية، وبذلك لا يكون انخفاض أسعار النفط مؤدياً إلى عجز بالميزانية وتآكل الاحتياطي العام فقط، بل إلى الحد من قدرة الدولة على تنفيذ مشاريع خطة تنميتها وتنويع إيراداتها أيضاً.
وبين أن هذا الأمر دفع حكومة الكويت إلى خفض المبالغ المخصصة لخطط التنمية وتقليص الإنفاق الرأسمالي لمعالجة العجز، حيث لا تستطيع الحكومة خفض الإنفاق الجاري مثل الرواتب والدعم، ما أدى إلى عدم تحقيق تقدم كبير في تنفيذ كل من برامج الحكومة للخطة أو ما جاء في وثيقة البرنامج الوطني للاستدامة المالية والاقتصادية، رغم مرور أكثر من نصف المدة المحددة للانتهاء من جميع البرامج التي تضمنتها الوثيقة.
جدول السحوبات
كشف تقرير سابق لديوان المحاسبة أن إجمالي السحوبات من الاحتياطي العام بلغ 2.1 مليار دينار خلال السنة المالية 2018/2019، كما جرى سحب 578 مليون دينار خلال الفترة من 1 أبريل 2019 إلى 30 يونيو 2019.
وأفاد بأن صافي أصول الاحتياطي العام بلغ 43.954 مليار دينار في 2015، ونتيجة لانخفاض أسعار النفط، التي أدت الى سداد الاحتياطي العام لعجوزات الميزانية العامة للدولة، إضافة إلى ما يخص احتياطي الأجيال القادمة من الإيرادات العامة للدولة وصافي أرباح الاحتياطي العام وسداد الاحتياطي لبعض الالتزامات الأخرى، انخض صافي أصول الاحتياطي العام الى 24.1 مليار دينار في 2019 متراجعاً 19.7 مليار دينار وبنسبة انخفاض 45 في المئة من صافي قيمة الأصول في 31 مارس 2015. وبين أن الانخفاض استمر حتى بلغ 22.8 مليار دينار في 30 يونيو 2019 وبتراجع نسبته 5.4 في المئة عن صافي قيمة أصول الاحتياطي العام في 31/3/2019، لافتاً إلى أن إجمالي السحوبات من الاحتياطي العام بلغ 26.7 مليار دينار خلال السنوات من 2015/2016 وحتى 2018/2019، وكذلك خلال الفترة من 1 ابريل 2019 وحتى 30 يونيو 2019.