روسيا تُصفِّي حسابها مع أميركا

تصغير
تكبير

انطلقت رسمياً عملية «غصن الزيتون» التركية ضد منطقة عفرين الكردية شمال غربي سورية، وهو اسم أطلق من قبل رئاسة الأركان التركية لمنع انتشار «وحدات حماية الشعب» و«حزب الاتحاد الديموقراطي» على طول الحدود السورية، إلا أن السبب الحقيقي هو أبعد من ذلك بكثير.
لقد أعلنت الولايات المتحدة أن اهتمامها هو ليس الكرد في عفرين وان ما يحصل هناك ليس من شأنها، لتقول تالياً لكرد سورية – كما قالت لكرد العراق قبلهم عندما أعلن هؤلاء نيتهم الاستقلالية عن بغداد – ان مصالحها فوق كل شيء ولا حلفاء لها وأن وجودها في شمال شرقي سورية تحت شعار حماية الكرد السوريين في الحسكة يصب في مصلحة أمنها القومي ومن دون أي اعتبار توليه لحماية الكرد السوريين ككل.
ولكن كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد بعدما أنذرت دمشق أنها ستسقط أي طائرة تركية، وعززت روسيا مواقعها داخل المدينة قبل يوم من بدء العملية التركية ضد عفرين؟


أرسلت أميركا أسلحة تعتبر كاسرة للتوازن («تاو» ضد الدبابات وصواريخ حرارية ضد طائرات الهيليكوبتر والطائرات الحربية المُحلقة على علو متوسط) إلى أكراد سورية، بعدما كانت وعدت تركيا وروسيا بأن الأكراد لن يكون في حوزتهم سوى أسلحة خفيفة ومتوسطة لمحاربة تنظيم «داعش».
لقد حارب الأكراد تحت تخطيط وسيطرة القوات الأميركية ضد تنظيم «داعش» في الشمال السوري وتكبدوا المئات من القتلى من منبج الى دابق وحتى الرقة. اتفقت هذه القوات المشتركة الأميركية - الكردية مع «داعش» لتأمين انسحاب الآلاف من التنظيم من الرقة ومن حقل الطاقة ومناطق أخرى شرق نهر الفرات لتنهي المعركة بسرعة وتسابق الجيش السوري إلى حقول النفط الغنية وتوفر منطقة «عازلة» تحمي بها «داعش» على الحدود السورية - العراقية ما دامت قوات هذا التنظيم تهاجم الجيش السوري وحلفاءه ولا تهاجم القوات الكردية السورية.
وأعلنت أميركا أنها ستبقى تحتل جزءاً من الشمال الشرقي في سورية لتمنع إيران من انتشار نفوذها (وهذا عذر واهم بسبب وجود ايران في سورية منذ العام 1982 وقد ازداد نفوذها بسبب الحرب هناك منذ ستة أعوام) ولتحارب «داعش» (التي أعلن وزير الخارجية ريكس تيلرسون أن أميركا قضت عليها وبالوقت نفسه لم تقضِ عليها).
وعندما انزعجت تركيا من الوجود الكردي المنتشر والمسلح، طلبت من أميركا سحب الأسلحة الفتاكة من الأكراد. ووعدت واشنطن بذلك إلا أن تركيا اعتبرت أن الولايات المتحدة تخادعها وأن الأكراد قد تباهوا بأن في حوزتهم أسلحة ترفض تركيا أن يتسلموها لكي لا تستخدم ضد قواتها.
وفي الوقت نفسه اجتمع مسؤولون روس مع آخرين أكراد في القاعدة العسكرية الروسية في حميميم للاتفاق على تجنيب المقاطعة أي عملية عسكرية ضدهم تريد تركيا القيام بها ويمنعها من ذلك الإتفاق الروسي - السوري.
رفض أكراد عفرين العرض الروسي القاضي بالسماح لقوات الجيش السوري الدخول إلى مدينتي عفرين ومنبج لمنع التقدم التركي. وكذلك اجتمع مسؤولون روس وآخرون من إيران وتركيا ليصار إلى تفاهم غير معلن، اطلعت عليه دمشق، ويقضي بعدم تدخل تركيا لعرقلة تقدم القوات الروسية – السورية وحلفائهم نحو مطار أبو الظهور وتفتناز وحتى مدينة إدلب، وتمتنع عن تسليح المعارضة السورية وتقف بقوة إلى جانبهم مقابل إطلاق يدها - أي يد تركيا - في عفرين ومنبج.
وقد طلبت القيادة السورية والقوات المشتركة فتح ثغرة للوصول إلى مدينتي الفوعة وكفريا المحاصرتين منذ أعوام الحرب الطويلة، إلا ان القيادة الروسية رفضت ذلك ولكن بالمقابل طلبت التريث لأن الهدف ليس تحرير الفوعة وكفريا فقط بل كل مدينة إدلب، لأن القضاء على «القاعدة» أصبح من أولويات الرئيس الروسي فلاديميير بوتين الذي يصر على توجيه ضربة قاضية إلى الإرهاب في سورية ليُعزز موقع بلاده في العالم لمحاربة الإرهاب بحق.
وكما نشرت «الراي» سابقاً، أن أكراد سورية والعراق هم أكبر الخاسرين في الشرق الأوسط بسبب اعتمادهم على أميركا ووعودها المتقلبة - كتقلب رئيسها العديم الخبرة - وإدارتها التي تعتمد على القوة العسكرية كسبيل للمحافظة على نفوذها بدل نسج التحالفات والصداقات.
إن ما يجري الآن يشكل ضربة قوية جداً للولايات المتحدة من حليفها التركي، والعضو في حلف شمال الاطلسي (ناتو)، فها هي تركيا تستخدم «غصن الزيتون» لضرب حليف أميركا الكردي تحت الحزام. وهي ضربة أخرى توجهها روسيا إلى أميركا التي تلعب في ملعب موسكو السوري. ولم يبق لأميركا حليف في سورية إلا أكراد الشمال الشرقي في الحسكة ودير الزور، وهو الحليف الذي مُني أمس بنكسة إضافية مع «التشقق» الذي أصاب «قوات سورية الديموقراطية» بخروج «جيش الثوار» منها وإعلانه الحرب عليها.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي