«مواجهة عزل حامية» بين ترامب والديموقراطيين
قدم تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس النوّاب، لمحة عن القرار الاتهامي الذي ينوي الكونغرس تدبيجه والادعاء بموجبه ضد الرئيس دونالد ترامب. وتمحور التقرير، الذي جاء في 300 صفحة، حول نقطتين: الأولى مفادها بأن اللجنة حاولت تقديم سلسلة من البراهين التي تثبت أن ترامب قام باستغلال السلطة من أجل مصالحه الشخصية، والثانية فيها ان ترامب قام شخصياً بمنع عدد من الشهود من العاملين في ادارته من المثول امام الكونغرس، وهو ما يخالف القانون الذي يعطي السلطة التشريعية صلاحيات استدعائها شهود، مساوية في قيمتها القانونية للطلبات الصادرة عن السلطة القضائية.
في المقابل، رد البيت الابيض الجمعة، قبل انقضاء المهلة النهائية للدعوة للدفاع عن ترامب عبر استنكار العملية القانونية بأكملها باعتبار أنّ «لا أساس لها».
وقال بات سيبولوني، محامي البيت الابيض في رسالة الى الديموقراطي جيرولد نادلر رئيس اللجنة القضائية في مجلس النواب: «كما تعلمون تحقيقكم لا أساس له بالكامل».
وفحوى ادعاء الكونغرس، الذي تسيطر عليه غالبية من الحزب الديموقراطي المعارض، ضد الرئيس، الذي ينتمي للحزب الجمهوري، ان ترامب حاول استغلال موقعه، والمساعدات العسكرية، التي كان اقرها الكونغرس لاوكرانيا، للضغط على كييف ورئيسها فلودومير زيلينسكي، حتى يقوم الاخير باعلان ان السلطات الاوكرانية باشرت التحقيقات في امكانية تورط هنتر بايدن، نجل نائب الرئيس السابق والمرشح المنافس لترامب للرئاسة جو بايدن، في عمليات فساد.
وفي اتصال جرى في 25 يوليو الماضي بين ترامب وزيلينسكي - اثناء قيام الرئيس الاميركي بتهنئة نظيره الاوكراني على فوزه في الانتخابات - اشار ترامب الى المساعدة الاميركية، ووعد زيلينسكي بدعوته لزيارة البيت الابيض. على ان الرئيس الاميركي قال، حسب نص المكالمة الذي نشره البيت الابيض، انه «يرغب قبل ذلك بخدمة» من نظيره الاوكراني.
هذه الخدمة كانت تقضي بقيام كييف بالتحقيق بعضوية هنتر في مجلس ادارة شركة الطاقة الاوكرانية «بوريزما»، وكذلك التحقيق في شركة انترنت تفيد «نظريات المؤامرة» انها هي، لا الحكومة الروسية، من قامت بالتدخل بالانتخابات الرئاسية في العام 2016 لمصلحة منافسة ترامب، الديموقراطية وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون.
وفي جلسات الاستماع التي عقدتها لجنة الاستخبارات في الكونغرس، اشار كل الشهود، من أمثال السفيرة لدى اوكرانيا التي قام ترامب بعزلها ماري يوفانوفيتش، وكذلك مسؤول ملف روسيا واوكرانيا في مجلس الأمن القومي الكولونيل الكسندر فيندمان، ومساعدة نائب الرئيس مايك بنس لشؤون روسيا واوكرانيا فيونا هيل، إلى ان كييف لم تتدخل في انتخابات اميركا لمصلحة كلينتون، بل روسيا هي التي تدخلت لمصلحة ترامب، وذلك حسب تقارير كل وكالات الاستخبارات الاميركية. وبسبب ما اعتبراه تصرفا فضائحيا من قبل ترامب، قام فيندمان وهيل بالاستقالة، وقدما شهادتيهما امام لجنة الاستخبارات.
وكان للشهادتين اصداء هزت الاوساط السياسية، واجبرت ترامب على ان يتراجع عن تظاهره بعدم اهتمامه بالتحقيقات، التي يصفها بـ«صيد الساحرات»، وعمد الى مهاجمة المسؤولين السابقين عبر «تويتر» والتحريض ضدهما بشكل أجبر الجيش الاميركي على نقل فيندمان وعائلته الى قاعدة ذات حماية عالية خوفا من احتمال قيام أحد انصار ترامب بالتعرض له او الاعتداء عليه.
ومن المفاجآت التي قدمتها لجنة الاستخبارات في تقريرها، هو كشفها عن بيانات التخابر الهاتفي، الذي اظهر اتصالات بين مكتب ادارة الموازنة، الذي يديره رئيس موظفي البيت الابيض ميك مولفايني، ومحامي الرئيس وعمدة نيويورك السابق رودي جولياني. والاخير هو اللاعب الرئيسي في عملية الضغط على كييف لحملها على التشهير ببايدن، لمصلحة ترامب، وعلى تأكيدها للقصة الملفقة حول تورط اوكرانيا، لا روسيا، في انتخابات 2016.
وجولياني لا يتمتع بأي صفة حكومية، ما يجعل اتصاله بوكالات فيديرالية لتدبير شؤون حكومية امراً غير قانوني. ومن المفاجآت ايضاً، حدوث اتصالات هاتفية بين جولياني وعضو الكونغرس عن ولاية كاليفورنيا ديفين نونيز، والاخير هو كبير الجمهوريين في لجنة الاستخبارات، وممن ساهموا في مساءلة ومهاجمة الشهود، وهو ما يجعل من تورطه في الاتصال بجولياني تضاربا في المصالح ويعني انه كان يفترض به الاعتذار عن المشاركة في جلسات الاستماع والمساءلة.
لجنة الاستخبارات ورئيسها الديموقراطي آدم شيف، وهو سبق ان عمل مدعياً عاماً ويتمتع اليوم بشعبية كبيرة جرّت عليه غضب ترامب ومناصريه، قدم تقرير لجنته الى لجنة العدل، التي ستعمل بموجبه للتحقيق في دستورية الاتهامات وكتابة نص الادعاء الاتهامي ضد الرئيس.
وبدأت لجنة العدل، برئاسة عضو الكونغرس الديموقراطي جيري نادلر، بعقد جلسات الاستماع. على انها جلسات ستكون اقل اثارة من نظيرتها لجنة الاستخبارات، اذ ان جلسات الاستخبارات حققت مع شهود وكشفت عن فضائح، اما جلسات العدل فستستدعي أبرز الخبراء القانونيين للاستماع لشهاداتهم حول قانونية الادعاء وعدم دستورية ما قام به ترامب، ويكون تقريرها النهائي بمثابة الاضبارة الاتهامية التي يتم ارسالها للهيئة العامة للتصويت عليها، فان تمت المصادقة عليها، وهو امر متوقع، تتحول الى ادعاء اتهامي ويتحول مجلس الشيوخ، الذي تسيطر عليه غالبية من الحزب الجمهوري، الى هيئة محلفين، ويترأس قضاة المحكمة الفيديرالية العليا اجراءات المحاكمة، التي يستبعد الخبراء ان تؤدي للاطاحة بالرئيس الاميركي، الذي يحتاج الى تأييد ثلث الشيوخ لبقائه في منصبه، في وقت يسيطر الجمهوريون على 52 من اعضاء المجلس البالغ عددهم 100.