نصر الله: لا نؤيّد إسقاط الحكومة ومَن يهرب من المسؤولية يجب أن يُحاكَم

«الانتفاضة المباغتة» في لبنان على تَأَجُّجها ... و«صوت الناس» يُحاصر مهلة الحريري

تصغير
تكبير

يعيش لبنان ساعات مصيرية لن يكون قبلها كما بعدها في ظلّ تَفَجُّرِ «انتفاضةٍ» مباغتةٍ سرعان ما رسمت «معادلاتٍ صعبة» ومُكْلِفة أطلّت برأسها من قلْب «طوفان الناس» الهادر الذي لم يهدأ منذ ثلاثة أيام والذي تزدادُ المؤشراتُ إلى أنه «سَبَقَ» الإجراءاتِ الاستيعابية الممكنة لحكومة الرئيس سعد الحريري ومجمل السلطة السياسية.
ومع ملامح «الثورة» التي شقّت طريقها إلى لبنان، الذي تحوّل من الجنوب الى الشمال مروراً بالبقاع والجبل وصولاً إلى العاصمة بيروت ساحاتٍ لتظاهُرات بدأت رفْضاً للخيارات الضريبية للحكومة التي تسعى إلى إنقاذ البلاد من «السقوط» مالياً قبل أن تتسلّل إليها شعارات سياسية، بدا من الصعوبة بمكان التكهُّن بما ستحمله الساعات المقبلة في ظلّ تَهَيُّب مزدوج:
? فإذا نجح الحِراك غير المسبوق منذ أعوام و«جرَفَ» الحكومةَ «كما يريد الشعب» قد تدخل البلاد، التي تسير على «حبل رفيع جداً» فوق الهاوية المالية، في مأزقٍ فراغٍ لن يملأه إلا الانهيار الذي سيصبح أسرع، أو يكون خيار حكومة لون «حزب الله» وحلفائه الواحد الطريقَ الأقصر لقطْع آخِر جسور ربْط لبنان بالخارج، في حين تبدو حكومة الاختصاصيين أسيرة تعقيدات الواقع الداخلي وتركيبته كما الحسابات المحلية والإقليمية لأطراف وازنة وتحديداً «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» (حزب رئيس الجمهورية ميشال عون).


? وإذا لم تتمكّن «الغضبة الشعبية»، العابرة للطوائف والمناطق والأحزاب، من تحقيق أهدافها المعلنة، التي تُراوِح بين «إسقاطِ الحكومة» و«رحيل العهد»، سريعاً، فإن استمرارَ مشهديةِ «الشارع المنفلش في الشارع» يُخشى أن تفتح الباب أمام احتمالاتِ استثمار هذه «الانتفاضة» لاعتبارات داخلية أو خارجية، أو أن تستجرّ الاحتجاجاتُ، التي تتمدّد وسط أعمال قطْع طرق في العديد من المناطق ولا تغيب عن بعضها أعمال شغب ومواجهات مع القوى الأمنية، صِداماتٍ على طريقة «الشارع بالشارع» في ظلّ رفْع القسم الأكبر من المحتجين شعار «كلن يعني كلن» (وما تخلله من تعرُّض لصور رؤساء أحزاب وتيارات وبعض مكاتب النواب)، وذلك في إطار إما «ردّ الفعل العفوي» والتمتْرس الحزبي، وإما في سياقٍ مُمَنْهج لتنفيس الحِراك وتخريبه.
وفيما كانت «الأنفاسُ محبوسةً» على وقْع بدء العدّ العكسي لمهلةِ الـ 72 ساعة التي أمْهلها الحريري (ابتداءً من السابعة من مساء الجمعة) لشركائه في السلطة والتسوية لإعطاء جوابٍ حاسم ونهائي يقْنعه «بأن هناك قراراً من الجميع بالاصلاح ووقف الهدر والفساد» وإلا الاستقالة التي وضعها على الطاولة، وسط محاولةِ رئيس الحكومة أمس انتزاع تَوافُقِ على ورقة إصلاح اقتصادي خالية كلياً من الضرائب ترافق إقرار موازنة 2020، تضاربتْ «السيناريوات» حيال خفايا «انفجار» الناس وخلفيات هذا التطور وآفاق المرحلة المقبلة وفق الآتي:
? مقاربة البعض خروج اللبنانيين إلى الساحات على أنه تعبير «صافٍ» عن «طَفَح الكيل» من مجمل الواقع الداخلي والوضع المالي - الاقتصادي الذي بَلَغ في الفترة الأخيرة مرحلةً غير مسبوقة من التأزم في ظلّ انكشاف «شح الدولار» الأميركي من الأسواق وبروز سعريْن للصرف (واحد في المصارف بنحو 1510 ليرات وآخر لدى الصيارفة تجاوز 1600 ليرة) وارتسام ملامح أن البلاد باتت بين ناريْ خياراتٍ موجعة تمسّ الناس وجيوبهم وإصلاحاتٍ جذرية تعترضها تعقيداتٌ سياسية.
? تعاطي بعض «القارئين» مع «استيقاظ الشارع» على أنه على طريقة «طابِخ السم آكله» و«انفجار القنبلة بين يديْ مَن كان يعدّها»، في إشارةٍ إلى سيناريو شكّل «رسْم الواتساب» (تم التراجع عنه ليل الخميس) ما يشبه «الفخ» في إطاره، وأريد منه دفْع الشارع إلى «غضبة مدروسة» تفتح الباب أمام إما تغيير الحكومة مع الإطاحة برئيسها في التشكيلة الجديدة أيضاً، أو معاودة تشكيلها من دون «القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» (بزعامة وليد جنبلاط)، وذلك في سياق السعي إلى «قضْم» جديد للتوازنات الداخلية تلاقي التحولات في المنطقة.
ولكن، وفق السيناريو نفسه، فإن «الهبّة الشعبية» غير المحسوبة في اتساع رقعتها وشمولها مناطق الثنائي الشيعي «(حزب الله وحركة أمل) وما عبّر عنه من ملامح تَمَرُّد غير مسبوق عليهما، إلى جانب المشاركة المفاجئة بحجمها في المناطق المسيحية وصولاً إلى تخوم القصر الجمهوري في بعبدا، والتي حملتْ أكثر من رسالة بالصوت العالي برسم الرئيس عون ورئيس«التيار الحر»الوزير جبران باسيل، أدّت إلى فرْملة الاتجاه لـ«قلْب الطاولة»حكومياً جزئياً أو بالكامل بعدما كاد«السحر ينقلب على الساحر».
وكان الأكثر تعبيراً عن«قطب مخفية»في المشهد المستجدّ في لبنان الرئيس الحريري الذي لمّح في كلمته إلى اللبنانيين مساء أول من أمس بقوله:«ربما هناك جهات بالداخل سعيدة بما يحصل»، و«عملت قبّة باط» لمجموعات نزلت إلى الشارع. وقد يقال إن «هناك مخططاً خارجياً لتخريب الوضع أو أن هناك متغيرات بالإقليم وموازين قوى انقلبت، وإذا كان الوضع يتجه نحو الهدوء في سورية فلتخرب في لبنان».
? اعتبار فريق رئيس الجمهورية وقريبين من «حزب الله» أن ثمة مَن خطّط أو دخل على خطّ الاحتجاجات للتمهيد للانقلاب على عهد الرئيس عون أو أن هناك مَن يعتبر ان الوقت حان للانسحاب من الحكومة وترْك «حزب الله» يحكم لوحده ويُمْسك بـ«كرة النار»المالية ويتحمّل «خراب البصرة».
وإذا كان الحزب «التقدمي»، الذي يشارك في التظاهر ودعا رئيسه «ليحكموا وحدهم ولا يحملوننا مسؤولية الخراب»، وحزب «القوات اللبنانية» (يشارك بدوره في التحركات) أعلنا ما يشبه «استقالة مع وقف التنفيذ» لوزرائهما من الحكومة، فإن هذا القرار بدا أن دونه حسابات دقيقة أبرزها يتعلّق بإذا كان يمكن الأخيريْن ترْك رئيس الحكومة «وحيداً» في ظلّ خشيته من إدخال البلاد في أزمة أكبر بحال استقالته، واستطراداً تحَمُّل تبعات «خروجٍ انفرادي» لأي منهما من حكومة الوحدة الوطنية في غمرة المتغيرات الكبرى في المنطقة.
وليس بعيداً عن هذا المناخ، جاءت إطلالة الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله أمس والتي بدا فيها متهيّباً المشهد الخطير، وهو توجّه ضمناً إلى الحريري وجنبلاط، مؤكداً «لا نؤيد استقالة الحكومة الحالية (...) وحكومة التكنوقراط لا تستطيع أن تصمد اسبوعين (...) ولتستمرّ هذه الحكومة ولكن بمنهجية جديدة، تأخذ العبرة مما جرى خلال هذين اليومين على مستوى الانفجار الشعبي وتجد المخارج بعيداً من أي ضرائب على الفئات الفقيرة».
وإذ أعلن «لا يستطيع أحد أن يحكم البلد لمدة 30 سنة ويديره ويفعل ما فعل ثم في آخر لحظة يجلس على التل أو أنه غير معني ويرمي هذه المصيبة في وجه الآخرين»، قال: «في اللحظة الحالية ندعو إلى التعاون بين مكونات الحكومة، وإلى عدم الهروب من المسؤولية، ومَن يهرب أمام الوضع القائم يجب أن يُحاكَم (...) ليس على ذوقك تقول أنا لست معنياً وأريد أن أرحل، أيا كان. واسمحوا لي هنا بكلمة واضحة للقوى السياسية التي تريد في هذا التوقيت السيئ أن تخوض معركة إسقاط العهد، أقول لهم انتم تضيعون وقتكم والعهد لا يمكن أن تسقطوه»، مدافعاً عن خيار عدم نزول «حزب الله» الى الشارع في هذه المرحلة «نحن حزب كبير، وحركتنا ليست بسيطة، وعندما نريد أن ننزل إلى الشارع فهذا ليس قراراً صغيراً، وهذا ممكن أن يأتي وقته، وإذا جاء ستجدوننا جميعاً في الشارع ونغيّر كل المعادلات».
ولم يكن جفّ حبر كلام نصر الله عن رفْض استقالة الحكومة، حتى كانت ساحة رياض الصلح في وسط بيروت تشهد ردّ فعل غاضب حيث صدح هتاف غير مألوف بين محتجّين صَرَخوا «كلن يعني كلن ونصر الله واحد منن»، فيما استمرّت التظاهرات في مناطق عدّة خارج بيروت أبرزها طرابلس التي شهدت حشوداً كبيرة وكذلك مناطق جل الديب (المتن) والذوق ونقاطاً عدة في الجنوب (صور والنبطية) والبقاع والشمال، وسط ما يشبه «أعراس احتجاج» لم تَخْلُ من بعض الاشكالات مع محاولة القوى الأمنية فتْح طرق قُطعت في مناطق عدة أبرزها اوتوستراد بيروت - جونية.
وعلى وقع استمرار إقفال القطاع المصرفي لليوم الثاني على التوالي وترقُّب تفاعل الأسواق المالية وحركة السحوبات من المصارف ابتداءً من يوم غد، بقي وسط بيروت قُبلة الأنظار نظراً إلى الحشود الضخمة التي تقاطرتْ إليه، غداة صِدامات قوية ليل الجمعة بين متظاهرين والقوى الأمنية التي أوقفت عشرات المحتجين (أطلقوا امس بسندات إقامة) عقب عملياتِ شغبٍ تحوّل معها قلب العاصمة أشبه بساحة حرب، تصاعدتْ منه أعمدة الدخان وسط تناثر الزجاج وانتشار حاويات النفايات وبقايا الإطارات المشتعلة في الشوارع وصولاً إلى تكسير واجهات المحال التجارية وواجهتي مصرفين وعدادات وقوف السيارات وإشارات السير وسيارات.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي